بعد أن وقّعت عصابة الانقلاب عام 2015 اتفاقية المبادئ التي مهّدت الطريق لخسارة المصريين الكثير من حصتهم المائية بسبب بناء سد النهضة في إثيوبيا، عادت للتوقيع مع اليونان على اتفاقية ترسيم الحدود التي تؤدي إلى خسارة المصريين الكثير من احتياطات الأجيال القادمة من ثروات البترول والغاز الطبيعي.
ويبدو أننا أمام سيناريو متكرر منذ اتفاقية تيران وصنافير وإعلان مبادئ سد النهضة، التي تم فيها إهدار العصابة الانقلابية لحقوق مصر التاريخية والتفريط في مقدرات الوطن، ووصولاً إلى اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين مصر واليونان الذي سيتسبب هذه المرة في خسارة مساحات هائلة من المياه، أو ما بات يعرف جيوسياسياً بـ"الوطن الأزرق".
ويبدو أن تلك السيناريوهات لن تتوقف وستكون قابلة للتكرار ما دامت استراتيجية نظام الانقلاب المصري تعاني من ارتباك وتخبط في تحديد الأولويات التي تتعلق بالأمن القومي المصري، وفي الاختيار بين تحقيق مصالح مباشرة لمصر أو الانحياز إلى مصالح حلفاء النظام المصري في المنطقة.
الوطن الأزرق
وبالتزامن مع مسرحية انتخابات مجلس الشيوخ، دشن نشطاء هاشتاج "السيسي باع مصر" تنديدا بسياسات الجنرال السفاح في "التنازل عن حقوق مصر والتفريط في ثرواتها".
وتصدر الهاشتاج مواقع التواصل الاجتماعي في مصر، حيث شارك فيه آلاف المغردين بالصور الساخرة والتعليقات المنددة بالسفيه السيسي وعصابته. وقارن آخرون بما وصفوه تفريط السفيه السيسي في مقدرات مصر، وبين احتفال عصابة الانقلاب بمسرحية الانتخابات المثيرة للجدل والتساؤل عن جدواها في ظل أزمة سد النهضة وانتشار فيروس كورونا والتدهور الاقتصادي، فضلا عن الأداء المتدني لبرلمان الدم، بحسب معارضين.
وعدد رواد مواقع التواصل الاجتماعي الأزمات التي تسبب فيها السفيه السيسي، والثروات التي تنازل عنها، وجاء على رأسها مياه النيل، التي يتهم مصريون السفيه السيسي بالتفريط فيها عبر توقيع اتفاقية المبادئ مع أديس أبابا عام 2015، والتي أتاحت بدء ملء خزان السد قبل التوصل لاتفاق نهائي، بحسب رئيس الوزراء الإثيوبي السابق.
ولم تمر سوى عدة أيام على إعلان إثيوبيا الانتهاء من المرحلة الأولى من ملء "سد النهضة"، الأمر الذي سيكون له تبعات مؤلمة على أمن مصر المائي، وبالتالي على الأمن القومي المصري، حتى أعلنت عصابة الانقلاب بمصر يوم 6 أغسطس الماضي، عن توقيع اتفاقية لترسيم الحدود البحرية مع اليونان، وهو الأمر الذي كانت ترفضه مصر منذ عقود لأسباب متعددة تتعلق بالبعد الاستراتيجي والسياسي والاقتصادي، ليستمر مسلسل إهدار حقوق مصر ومقدراتها من خلال اتفاقيات تثير الجدل حول جدواها ومدى توافقها مع المصالح المصرية.
فاتفاقية ترسيم الحدود مع اليونان سوف تحرم مصر من التحول إلى منصة لتصدير الغاز من شرق المتوسط إلى أوروبا وبذلك تفقد مصر واحدة من أهم شروط قوتها الجيوسياسية، كما أن الاتفاقية ستحرم مصر من ما يقرب من 10 آلاف كيلومتر مربع من مياهها الاقتصادية الخالصة لصالحة اليونان، أو ما بات يصطلح عليه بـ"الوطن الأزرق".
من جهته يقول أكد الأدميرال البحري المتقاعد جيم غوردنيز أن الولايات المتحدة تستخدم اليونان "كقاتل مرتزق ضد تركيا"، لكن أنقرة لن تتراجع وستنشر المزيد من السفن الحربية.
وفي مقابلة مع وكالة "آجي" الإيطالية، قال صاحب نظرية الوطن الأزرق: "إن الحرب في بحر إيجه تعني نهاية حلف الناتو وستدفع تركيا بشكل نهائي إلى المدار الروسي".
وأشار غوردونيز إلى أن نظرية "الوطن الأزرق" (Mavi Vatan) "لا علاقة لها بالإسلام ولا بوجود حزب العدالة والتنمية بقيادة الرئيس رجب رجب طيب أردوغان ذي التوجهات الإسلامية في السلطة".
وقال إن الوضع الحالي يشبه تماما ما حدث في سيفر عام 1920،عندما تم تفكيك الإمبراطورية العثمانية بأمر من قوى أخرى.
دبلوماسية السفن
وأوضح غوردنيز أن "تركيا اليوم تجد نفسها وحدها تقاتل من أجل خريطتها. في الماضي كان هدف القوى الغربية هو إحاطة تركيا بحدود الأناضول، لكن الزمن تغير الآن ومنذ عام 2002 يسمح لنا الوطن الأزرق بتأكيد أنفسنا من خلال دبلوماسية السفن الحربية والتدريبات".
وفيما يتعلق بالاتفاق اليوناني المصري الأخير لترسيم الحدود البحرية، قال غوردونيز: "اليونان تعيش في عالم الأحلام. الحدود البحرية بين اليونان ومصر لا يمكن تصورها خلافا للقانون البحري الدولي. القاهرة ليست محاذية لليونان لأنه لا توجد جزر يونانية تتجه نحو السواحل المصرية، وأحكام المحاكم الدولية واضحة".
وأضاف أن "اليونان أصيبت بالذعر بعد الاتفاق التركي مع ليبيا. لم تكشف أثينا قط عن جرفها القاري وتدعي الآن أنها توسعت بمساحة 50 ألف كيلومتر مربع إلى جزيرة كاستيلوريزو التي تبعد بـ580 كيلومترًا عن اليونان وعلى بعد كيلومترين من الساحل التركي".
وأردف بالقول إن "أنقرة لن تتراجع وهي مستعدة لنشر أسطولها البحري الخاص. وليكن ذلك واضحا للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي"، منذ اكتشافات مخزونات الغاز الضخمة التي ظهرت في شرق المتوسط في عام 2009 أصبح ترسيم الحدود البحرية بين دول شرق المتوسط من أهم القضايا الشائكة في المنطقة، لا سيما أن المنطقة تشهد نزاعات وحروباً أهلية في كل من سوريا وليبيا، وتستند عملية ترسيم الحدود البحرية وتحديد المناطق الاقتصادية الخالصة (EEZ) إلى اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار 1982، التي حددت 200 ميل طولي من ساحل الدولة منطقةً اقتصاديةً خالصةً يحق فيها للدولة التنقيب والحفر لاستخراج النفط والغاز والموارد الطبيعية الأخرى.
ولكن يبدو الوضع مختلفاً في منطقة شرق المتوسط التي تتسم بوضع جغرافي معقد يتمثل في حوض مائي ضيق يحتوي على عدد من الدول الساحلية المتقابلة، والذي يجعل من عملية ترسيم الحدود البحرية أمراً بالغ الصعوبة، ولا يمكن الاستناد فيه فقط إلى قانون البحار دون أن يكون هناك تفاهمات بين الدول المعنية بترسيم الحدود البحرية بينها تراعي البعد السياسي والاقتصادي والتاريخي.
وتحدث مغردون عن تفريط السفيه السيسي في أجزاء من حقوق مصر في غاز شرق المتوسط، عبر ترسيم الحدود البحرية مع قبرص واليونان، وأعاد آخرون التذكير بتنازل السفيه السيسي عن جزيرتي تيران وصنافير الاستراتيجيتين لصالح السعودية، مما أفقد مصر سيطرتها على مضيق تيران بعدما تحول إلى مياه دولية وليس مصرية كما كان في السابق.
ولفت بعضهم إلى استمرار السفيه السيسي في سياسة الاقتراض من الخارج والتي أدت إلى ارتفاع ديون مصر الخارجية إلى أكثر من 125 مليار دولار، وهو ما ستتحمله الأجيال المقبلة، خاصة أن السفيه السيسي لا ينفقها على مشروعات إنتاجية، بل يتفاخر ببناء القصور الرئاسية!