“الحقونا بنموت”.. ولا تزال صرخات شهداء سيارة الترحيلات تلاحق المجرمين

- ‎فيتقارير

بات يوم 18 أغسطس تاريخا محفورا في أذهان المصريين، فهو شاهد على إحدى أكبر جرائم داخلية الانقلاب، التي تعمدت قتل 38 مصريا داخل سيارة الترحيلات، في مثل هذا اليوم قام سفيه سادي بحرق سبعة وثلاثين أسيرا عزلا مقيدي اليدين، ثم جاء حكم القاضي المرتشي بعقوبة هزلية، وهنا ظهر السفاح المجرم ممدوح شاهين ليطلق هذا المجرم لأن والده لواء!

وفي عام 2014 كشف تسريب من مكتب وزير الدفاع السفاح عبد الفتاح السيسي، عن تدخل مكتب الجنرال حينها في قضية سيارة ترحيلات سجن أبو زعبل لتبرئة أحد الضباط المتهمين ويدعى إسلام عبد الفتاح حلمي السيد، "لأن والده أحد قيادات الجيش".

رفعت الجلسة

ووفقاً للتسريب، فإن مدير مكتب السفاح السيسي، اللواء عباس كامل، حينها طلب من مسئول الشؤون القانونية في المجلس العسكري ومساعد وزير الدفاع حالياً اللواء ممدوح شاهين، التدخل لدى القاضي الذي يبحث القضية لفتحها مرة أخرى والسماح بدخول شهود جدد لتبرئة الضباط المتهمين ومن بينهم الضابط المذكور. كما طلب شاهين، من كامل أن يسرع في إصدار قوانين تتعلق بتعديل خدمة الضباط واللجان القضائية والقضاء العسكري لعرضها على مجلس الوزراء في اليوم التالي لإقرارها.

وكان 37 معتقلاً من رافضي الانقلاب ومؤيدي شرعية الرئيس الشهيد محمد مرسي، قتلوا داخل سيارة ترحيلات يوم 18 أغسطس 2013، وذلك بعد أربعة أيام من مجزرة فض اعتصامي "رابعة العدوية" وميدان "نهضة مصر"، وقد وجهت النيابة الاتهام لكل من المقدم عمرو فاروق، نائب مأمور، والنقيبين إبراهيم نجم، وإسلام حلمي، والملازم أول محمد يحيى، إذ قضت المحكمة المنعقدة في أكاديمية الشرطة بحبس نائب المأمور 10 سنوات وسنة مع إيقاف التنفيذ لباقي المتهمين ثم قررت محكمة جنح مستأنف بإلغاء الحكم الصادر ضد المتهمين، وأمرت بإعادة أوراق القضية للنيابة العامة لاستكمال التحقيقات.

وأثناء ثورة 25 يناير 2011، أحرق متظاهرون مصريون عربات ترحيلات عدة كانت تقف أمام بعض أقسام الشرطة، قصد المتظاهرون وقتها الانتقام من كل مظاهر القمع والظلم والقهر، لكن إلى اليوم، ظلت عربة الترحيلات أقرب إلى وحش يتغذى على كرامة المصريين وأمنهم، تراها تسير في الشوارع وداخلها عشرات المحتجزين في جحيم حقيقي.

الاغتيالات الصامتة

وبطريقة يشوبها الحذر والهدوء، تمارس سطات العسكر جرائم باتت تعرف بـ"الاغتيالات الصامتة" ضد السجناء والخصوم السياسيين للسفاح السيسي، معظمهم ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين، وعلى الأغلب لن يكون الرئيس الشهيد محمد مرسي ولا القيادي الدكتور عصام العريان آخرهم.

ومنذ غدر السفاح السيسي بالرئيس الشهيد محمد مرسي في يونيو 2013، أودع الأمن عشرات الآلاف من المعتقلين بالسجون على ذمة التحقيق في قضايا مزعومة، لكن المثير أن هؤلاء المعتقلين يفارقون الحياة بطرق شغلت الرأي العام في السنوات الأخيرة، وسط تحفُّظ شديد من السلطات القضائية والأمنية على ملفاتهم وتقارير موتهم، و"الجرائم الصامتة" التي يتعرض لها السجناء.

يقول المحامي المصري أحمد أبو المجد إن مصر من الدول القليلة التي لا تزال تضع المتهمين أثناء محاكمتهم في أقفاص حديدية وكأنهم حيوانات، و"هذا أمر ضد حقوق الإنسان وانتهى في الكثير من الدول".

ويضيف أن "نقل المتهمين يتم في ظروف غير إنسانية، باستخدام عربات متهالكة، غير مطابقة للمواصفات، وبطريقة تهدف إلى إذلالهم وإهانة كرامتهم، ودائماً ما تكون الحجة هي قلة الإمكانات التي لا تسمح بشراء عربات مجهزة ولائقة".

يتذكر المحامي الذي تابع قضية عربة الترحيلات التي قُتل فيها 37 مصرياً عام 2013، مختنقين، بعد احتجازهم لست ساعات في سيارة الترحيلات في جو صيفي حار، أن التقرير الهندسي الرسمي أكد أن أقصى حمولة للعربة هو 24 شخصاً فقط، وأن الهواء داخل العربة لا يكفي لأكثر من 26 شخصاً بأي شكل.

وبناء على هذا التقرير قيّدت القضية باعتبارها قتلاً عن طريق الخطأ، وفي النهاية عوقب نائب مأمور القسم بالسجن خمس سنوات وأخذ بقية المتهمين سنة سجن واحدة فقط مع إيقاف التنفيذ، بعيداً عن أن الحكم سبب صدمة للكثيرين، لكن ظل وضع عربة الترحيلات كما هو. لم يتم تقليل أعداد مَن تنقلهم حتى اليوم.

بحسب الطبيب النفسي محد إدريس، فإن أي شخص يتعرض لتجربة التواجد في مكان مغلق من دون تهوئة، ومزدحم، مثل عربة الترحيلات بوضعها الحالي، تكون احتمالية تعرضه لمشاكل نفسية وعقلية وصحية واردة بقوة.

يضيف إدريس أن انفصام الشخصية هو أحد أبرز تلك المشاكل، كما قد يتعرض البعض لاضطراب فصامي عاطفي، وهي حالة تجعل الشخص يمر بحالات من ارتفاع المزاج والاكتئاب، وهناك احتمالية لأن يصاب البعض باضطراب اكتئابي، أو هلع مرضي، إضافة إلى اضطرابات النوم. وينصح إدريس أي شخص يتعرض لتجربة صعبة سواء أكانت تعذيباً في سجن أو داخل عربة الترحيلات بزيارة طبيب متخصص لتلقي الدعم والمساعدة.

شهادات الضحايا

ويأتي التوسع في إنشاء السجون، في ظل تصاعُد إدانات المنظمات الحقوقية المحلية والدولية لانتهاكات حقوق الإنسان في مصر، وارتفاع عدد السجناء السياسيين، وتواتر شهادات الضحايا حول التعذيب داخل السجون، فضلاً عن تكدُّس المساجين داخل أقسام الشرطة، في حين تقول عصابة الانقلاب إن هذه الأرقام مبالَغ فيها، وإن مصر ليس بها معتقلون، بل سجناء بأحكام قضائية أو ضمن قضايا منظورة.

ومنذ العام 2013، تتهم عديد من المنظمات الحقوقية العالمية القضاء المصري والقوات الأمنية بانتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، منها القتل العمد وممارسة التعذيب ضد المعتقلين والتصفيات الجسدية ضد المناوئين والمعارضين انقلاب السفاح السيسي، بطرق تُخفي أياً من معالم الجريمة.

ومن الطرق التي اعتمدها السفاح السيسي لتصفية رموز المعارضة، خصوصاً قيادات جماعة الإخوان المسلمين"، وسيلة "الإهمال الطبي أو الصحي"، و"دس السُّم" في الطعام أو منع العلاجات الضرورية، وبعد ذلك يبقى السجين من دون رعاية صحية إلى أن يلقى حتفه، من دون إطلاع أسرة المتوفى على التقارير الطبية التي يمكن من خلالها معرفة أسباب الإصابة أو المرض أو تلقي العلاج داخل المستشفيات الحكومية، بأوامر تصدرها قوات الأمن والمخابرات.

منظمة "هيومن رايتس ووتش" لحقوق الإنسان أصدرت تقريراً تحت عنوان: "مصر.. موجة من الوفيات داخل السجون"، قالت فيه إنها سجلت وفاة 95 معتقلاً في زنازين أقسام الشرطة في العام 2014 فقط بزيادة 40% عن العام 2013، وأكدت أن المعتقلين يتعرضون للضرب حتى الموت داخل السجون، بخلاف حالات وفاة أخرى لمعتقلين مصابين بأمراض منها القلب والسرطان، ورُفض علاجهم، وسط تردي الخدمات الصحية داخل السجون.