مواطن يقتل محصل الكهرباء.. الفقر يعجل بتكرار “الشدة المستنصرية” برعاية دولة الانقلاب

- ‎فيتقارير

مرت على مصر العديد من الأزمنة السوداء، وذاقت مصر صنوف المعاناة المتعددة على مر العصور حتى ظن أهل كل عصر أنهم يعيشون في العصر الأكثر قساوة وأنهم قد اقتربوا من نهاية الزمان. وتداول نشطاء عبر شبكات التواصل الاجتماعي خلال الساعات الماضية، صورتين لتجمع المواطنين حول سيارة إسعاف مع تعليق: "عاجل.. مواطن يقتل محصل الكهرباء في الدقهلية بعد غلاء أسعار الكهرباء"، إلا أن إعلام الانقلاب سرعان ما خرج مكذباً الخبر، ومحتجاً بحروب الجيل الرابع وترويج الشائعات لإسقاط مملكة السفاح عبد الفتاح السيسي.

وسواء كان الخبر منذ عام 2016 كما يقول إعلام العسكر، أو حدثت الكارثة اليوم الخمس 20 أغسطس 2020، فالكارثة واحدة وتنذر بانهيار رهيب ووشيك سيصل دويه أقصى الأرض، وسيعيد للأذهان ذكرى الشدة المستنصرية التي ضربت مصر في عهد الخليفة الفاطمي المستنصر بالله.

ومرت سبع سنوات على الانقلاب العسكري الذي قاده السفاح عبد الفتاح السيسي، وأطاح بآمال وطموحات الشعب المصري، بعد ثورة يناير 2011، التي شهد العالم كله بسلميتها وحضارتها وعظمتها، وقتل الحلم الذي سعى إليه المصريون، بانتخاب أول رئيس مدني بإرادة شعبية خالصة، بسبب تواطؤ العسكر مع بعض القوى المدنية، ما أدى إلى إجهاض الحلم قبل اكتماله.

انقضت هذه الأعوام وهي حبلى، ولا تزال، بالعديد من المؤامرات على الشعب المصري الذي صبر كثيرًا، وأراد أن يخرج من عنق الزجاجة، ولكن جبروت وتآمر العسكر أرجعه للقاع مرة أخرى، ومرت على السفاح السيسي ست سنوات في حكم مصر، منذ أن استولى على مقاليد الرئاسة في مصر رسميًا في 3 يونيو 2014، شهدت جميعها تكرار الوعود منه ومن إعلامه، بتغيير يجعل مصر "أدّ الدنيا"، ويجعل شعبها في أحسن حال، فبعد أن كان عام 2015 هو عام الرخاء الموعود، تأخر الوعد إلى 2016 مع مطالبات بالصبر، ثم تأجّل إلى 2017، وبعده إلى 2018 ثمّ 2019، حتى جاء الوعد الأخير قبل شهور بأن تصبح مصر بنهاية يونيو 2020 "حاجة تانية خالص"!

آكلو لحوم البشر

وتنقل السفاح السيسي بين الوعود من نور عينينا إلى إنتو هتاكلوا مصر.. ومن بكرة تشوفوا مصر أد الدنيا.. إلى إحنا فقرا قوي قوي قوي.. ومن أدوني فرصة سنة إلى فرصة سنتين إلى ثلاثة أشهر إلى انتظرونا في 2020.. وحين تضيق عليه الحلقات ويشعر بأنه فاشل يدير ظهره للناس ويلقي عليهم باللائمة ويذكرهم بأنه لم يكن راغبا.. بس انتوا اللي جيبتوني .. ومش تجيبوني وتسيبوني.. وأنا مش رئيس ولا زعيم!

وربما أصبحت مصر الآن بعد الغلاء الأخير في الوقود والكهرباء والمياه وتذاكر المترو والقطارات على شفا ظاهرة "آكلي لحوم البشر"، والتي عانت منها في العصر الفاطمي بسبب مجاعة تعرضت لها البلاد في عهد المستنصر.

وسميت المجاعة وقتها بـ"الشدة المستنصرية" وهي مصطلح يطلق على مجاعة حدثت بمصر نتيجة غياب مياه النيل بمصر لسبع سنين متواصلة عرفت بالعجاف نهاية عصر الخليفة الفاطمي المستنصر بالله في مستهل النصف الثاني من القرن الخامس الهجري من تاريخ الدولة الفاطمية في مصر 1036-1094م. وذكر مؤرخون أن "الشدة المستنصرية من أشد المجاعات التي حدثت بمصر منذ أيام يوسف عليه السلام، فقد أكل الناس بعضهم بعضاً، وأكلوا الدواب والكلاب، وقيل إن رغيف الخبز بيع بخمسين ديناراً وبيع الكلب بخمسة دنانير. كما روى أن الأحباش كانوا يتربصون بالنساء في الطرقات ويخطفوهن ويقتلوهن ويأكلوا لحومهن".

وروى المؤرخون حوادث قاسية، قائلين: "فلقد تصحرت الأرض وهلك الحرث والنسل وخطف الخبز من على رؤوس الخبازين وأكل الناس القطط والكلاب حتى أن بغلة وزير الخليفة الذي ذهب للتحقيق في حادثة أكلوها وجاع الخليفة نفسه حتى أنه باع مقابر آبائه من رخام وتصدقت عليه ابنة أحد علماء زمانه وخرجت النساء جياعا صوب بغداد".

ومما روى المؤرخون عن مدى القحط والمجاعة التي استبدت بالناس أن الخليفة المستنصر نفسه باع كل ما يملك في القصر، حتى بيع من المتاع ثمانون ألف ثوب، وعشرون ألف درع، وعشرون ألف سيف محلي، حتى الجواهر المرصعة بالأحجار الكريمة بيعت بأبخس الأثمان، ولم يبق له إلا حصيرة يجلس عليها وبغلة يركبها وغلام واحد يخدمه.

وذكر المؤرخ ابن إلياس أن "الناس أكلت الميتة وأخذوا في أكل الأحياء وصنعت الخطاطيف والكلاليب لاصطياد المارة بالشوارع من فوق الأسطح وتراجع سكان مصر لأقل معدل في تاريخها".

وأشار تقي الدين المقريزي، في كتابه "إغاثة الأمة بكشف الغمة"، إلى أن الناس أكلوا القطط والكلاب، مضيفًا: "أكل الناس القطط والكلاب بل تزايد الحال فأكل الناس بعضهم بعضا، وكانت طوائف تجلس بأعلى بيوتها وعليهم سلب وحبال فيها كلاليب فإذا مر بهم أحد ألقوها عليه ونشلوه في أسرع وقت وشرحوا لحمه وأكلوا".

أبشع من الخيال

ولم يعرف المصريون سنين عجاف كهذه السبعة التي أذلتهم، لم تعد هناك حياة كما يعرفها البشر فلقد فقد المصريون الغلة والقمح واللحوم وغيرها من صنوف الطعام، وكانت الشدة المستنصرية ضربًا من ضروب الخيال التي يعجز العقل البشري عن تصديقها، فلقد أكل المصريين الميتات والجيف حتى أصبحت الكلاب والقطط تباع بأسعار باهظة لا يقوي عليها إلا كل ثري.

وبعد فترة ليست بكبيرة اختفت الكلاب والقطط من الشوارع، أما عن سعر رغيف الخبز فلقد بلغ خمسة عشر دينارًا وثمن البيضة الواحدة من بيض الدجاج عشرة قراريط أما رواية الماء فقد بلغت سعرها دينارًا.

قد يعجز العقل عن تصديق هذه الأهوال ولكن أصبحت الأملاك كافة غير قادرة على شراء الموارد التي أصابتها الندرة وهو مبدأ اقتصادي معروف، وذٌكر في التاريخ أن وزير الدولة ذهب في التحقيق في إحدى الوقائع وعندما خرج لم يجد بغلته فلقد خطفها الناس وأكلوها، أما الطامة الكبري فهي أن الناس بدأت تأكل بعضها البعض.

ولأول مرة في تاريخ المحروسة أكل المصريون بعضهم، بدأت هذه الفاجعة بعد حدوث واقعة سرقة بغلة الوزير، فلقد ألقى الوزير القبض على ثلاثة ممن أكلوا بغلته وقام بصلبهم وعند الصبيحة لم يتبق من هذه الأجساد سوي العظام حيث التهم الناس لحومهم من شدة الجوع.

وذٌكر أن هنالك زقاق يسمي بزقاق القتل كانت المنازل فيه منخفضة فعمل سكانها على إنزال الخطاطيف يصطادون بها المارة ومن ثم أكلهم. وصل الناس إلى درجة بيع كل ممتلكاتهم من أجل الحصول على الطعام فلم تعد للأموال فائدة أمام نُدرة الموارد، فلقد ذُكر أن النساء كُن يبعن مجوهراتهن الثمينة من أجل الحصول على قليل القليل من الطعام.