القبض على مالك “المصري اليوم” صلاح دياب.. الدلالات والرسائل

- ‎فيتقارير

إعلان وزارة الداخلية بحكومة الانقلاب، صباح الثلاثاء غرة سبتمبر 2020م، إلقاء القبض على رجل الأعمال صلاح دياب، رئيس مجلس إدارة ومالك صحيفة "المصري اليوم" للتحقيق معه في قضايا مالية، يمثل محطة جديدة من محطات الصدام بين نظام انقلاب 30 يونيو زعيمه الطاغية عبدالفتاح السيسي ورجل الأعمال الشهير والمقرب من دوائر إماراتية وأمريكية لها نفوذ لا يستهان به.

في البداية يتعين التنويه إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها اعتقال صلاح دياب منذ انقلاب 30 يونيو 2013م، فقد جرى احتجازه هو ونجله في نوفمبر 2015م، بتهمة حيازة أسلحة بدون ترخيص والتورط في عمليات فساد، وتعمدت وقتها وسائل الإعلام التابعة للعسكر نشر صور دياب ونجله مقيدين في مشهد إذلال متعمد استهدف ترهيب رجل الأعمال والضغط عليه وتطويعه ليكون أكثر انصياعا في خدمة أجندة النظام وتوجهاته السياسية التي كانت تمضي نحو الاستبداد المطلق بسرعة مذهلة. وانتهت المحطة الأولى من الصدام بإخلاء سبيله، بعد أن دفع 300 مليون جنيه، في مارس 2016، على سبيل الغرامة، ليدخل الطرفان بعدها في هدنة، صمدت حتى أغسطس 2017.

محطة الصدام الثانية، وقعت في أغسطس 2017م؛ حين وُجهت اتهامات جديدة لدياب تتعلق بالتربُّح الزائد، وقد تمكَّن هذه المرة من إنهاء الخلاف وعقد هدنة جديدة عبر نجل شقيقته، السفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة. وخلال هذه المحطة من الصدام فسر مقربون من دياب هذه الإجراءات الأمنية بأنها محاولات ضغط على الرجل لإجباره على بيع حصته في صحيفة "المصري اليوم"، قبل أن يصدر حكم ببراءته في سبتمبر 2017.

محطة الصدام الثالثة، جرت في إبريل 2020م، حيث عاد دياب لإثارة غضب الأجهزة الأمنية والسيادية، عندما نشر سلسلة من المقالات تطرح أفكارًا لتطوير وتنمية سيناء في عموده الخاص "نيوتن"، مما أدى لإحالة صحيفة "المصري اليوم" إلى التحقيق في المجلس الأعلى للإعلام وتم تغريمها ربع مليون جنيه مع منع دياب من كتابة عموده لمدة 3 أشهر، وتوازى ذلك مع حملات من صحف حكومية وموالية للسلطة ضد الصحف القليلة التي مازالت مملوكة لرجال الأعمال بحجة ترويجها لشائعات وادعاءات تناقض اتجاهات الدولة.

رسائل ودلالات
الرسالة الأبرز في توقيف دياب أن نظام الانقلاب ضاق ذرعا بعدم انصياع السياسة التحريرية لصحيفة "المصري اليوم" لتوجهات النظام بشكل مطلق؛ ورغم أن الصحيفة تصنف باعتبارها جزءا من منظومة النظام الإعلامية وهي لا تنكر ذلك مطلقا؛ إلا أن الصحيفة في بعض الحالات تتناسى أنها في تعمل في ظل نظام اغتصب السلطة بانقلاب عسكري ويظن طاقم إدارتها التحريرية أنهم في مرحلة ما بعد ثورة 25 يناير 2011م والتي شهدت حرية مطلقة لجميع وسائل الإعلام وكل القوى والأحزاب السياسية، وهي المرحلة التي أسهمت صحيفة المصري اليوم في وأدها وإجهاض حلم الديمقراطية بالانحياز لفريق الانقلاب والإقصاء وراحت تخلق الذرائع لتبرير جرائم الانقلاب وهو ما ينعكس حاليا على الجميع حيث دخلت مصر نفقا مظلما لما تخرج منه بعد.

الرسالة الثانية، أن النظام حريص كل الحرص على احتكار جميع وسائل الإعلام سواء كانت صحفا أو فضائيات أو مواقع إليكترونية أو حتى شركات إنتاج إعلامي درامي وسينمائي. وسبق أن قالت مصادر مقربة من دياب إن السبب الرئيس للحملة ضد دياب يتمثل في إجباره على الموافقة على بيع صحيفة "المصري اليوم" إلى مؤسسة تابعة لجهاز المخابرات العامة وأنه سبق ورفض ثلاثة عروض لاستحواذ مؤسسة "إعلام المصريين" المالكة لصحيفة "اليوم السابع" وقنوات "أون تي في" وصحيفة "صوت الأمة" على معظم أسهم مؤسسة "المصري اليوم" وحق إدارتها أيضًا. وأكد دياب لوسطاء عديدين استحالة تخليه عن "المصري اليوم"، واصفًا الصحيفة بأنها "مشروع عمره في مجال الإعلام، وأنه يعد نجله لإدارتها بشكل كامل من بعده، وليست لديه أية نية للتخلي عنها"، وأنه في المقابل أكد للوسطاء التزامه بالحدود المتفق عليها مع الأجهزة الأمنية والاستخباراتية.

الرسالة الثالثة أن النظام غير راض عن صلاح دياب وتوجهات صحيفته، ورغم أن دياب رجال أعمال بارز وله استثمارات كبيرة في قطاعات عدة، منها البترول والزراعة، وهو مؤسس جريدة "المصري اليوم"، التي تعد إحدى أكبر الصحف المصرية الخاصة. إلا أنه من أقل رجال الأعمال تبرعا لصندوق السيسي المعروف باسم «تحيا مصر» الذي أنشأه في 2014م؛ حيث تبرع بـ6 ملايين ونصف المليون دولار فقط للصندوق الذي يعتبر السيسي أن حجم تبرع رجل الأعمال له معيار على مدى وطنتيه وانتمائه للنظام. كما أن هناك دوائر قريبة من السيسي تضيق ذرعا بتوظيف دياب لصلة القرابة التي تجمعه بالسفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة عبر والدته سامة محمود دياب شقيقة صلاح دياب. وتنظر هذه الدوائر لدياب على أنه شخص متلون تجاه النظام وغير مأمون الجانب، وأنه سبق وفتح صحيفته لمقالات تهاجم السيسي شخصيًا، وليس سياساته".