نشرت صحيفة "ميدل إيست آي" مقالا للدكتور تانكوت أوزتاس، أستاذ الاقتصاد السياسي الدولي تحدث خلاله عن أبعاد الصراع على الطاقة في شرق البحر المتوسط وتداعياته على قطاع الغاز في مصر.
وحسب المقال الذي ترجمته "الحرية والعدالة"، فإنه يؤكد اتفاق ترسيم الحدود البحرية الذي تم توقيعه الشهر الماضي بين اليونان ومصر كيف أن أسواق الغاز في مصر تعتمد بشكل كبير على استقرار الجغرافيا السياسية في المنطقة. وقد أضاف الاتفاق بعداً جديداً إلى لغز الطاقة في مصر، مما زاد من التوترات العسكرية واحتمال حدوث جمود جيوسياسي في شرق البحر الأبيض المتوسط.
منذ استولى عبد الفتاح السيسي على السلطة في انقلاب عام 2013، أخذت أهمية مصر كقوة إقليمية في التراجع، ويبدو أن مسار سياستها الخارجية يتأثر بإسرائيل وقبرص والخليج – وكلها تظهر طموحات جيوسياسية توسعية في المنطقة. يجب على مصر أن توسع خيارات سياستها الخارجية وأن تضع أدوات مقاومة، من أجل الحد من التداعيات المحتملة لعدم الاستقرار الإقليمي والداخلي.
وعلى النقيض من اليونان، فإن مصر لديها الكثير مما ستخسره من الصراع الجيوسياسي المكثف، حيث يعتمد إنتاجها من الطاقة بشكل كبير على الغاز الطبيعي المستخرج من البحر الأبيض المتوسط ودلتا النيل وقد زاد استهلاك الطاقة، الذي تسارع بفعل النمو السكاني، وتوسع الصناعات الكثيفة الاستخدام للطاقة، ونظام الدعم السخي، نحو سبعة في المائة سنويا منذ أوائل العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين.
واليوم، يتم توليد ما يقرب من 80 في المائة من الكهرباء في مصر من الغاز الطبيعي ويعتبر قطاع الكهرباء فعليا اكبر مستهلك للغاز الطبيعى حيث يمثل 60 فى المائة من إجمالى استهلاك الغاز فى البلاد، وقد يؤدي احتمال نشوب صراع حاد في شرق البحر الأبيض المتوسط إلى تعطيل إمدادات الغاز إلى محطات الطاقة في مصر. والأهم من ذلك، يمكن أن يتسبب في انهيار صناعة الطاقة المصرية الهشة بالفعل.
منذ أوائل عام 2010، تعاني مصر من أزمة في الطاقة والضريبية. لقد كان اقتصادها مُنفعلاً بسبب رد الفعل الاجتماعي والسياسي. في غضون أشهر من الانقلاب العسكري الذي أطاح بأول رئيس منتخب ديمقراطياً في البلاد، محمد مرسي، شهدت مصر أزمة بعيدة المدى لدرجة أن الكثير من البلاد واجهت حوالي ستة انقطاعات في التيار الكهربائي في اليوم.
كان لدى نظام السيسي خيارات سياسية محدودة لزيادة الاستثمارات العامة أو جذب رؤوس الأموال الدولية لتعزيز إمدادات الغاز الطبيعي وقد أدت الإعانات السخية والديون الكبيرة للمشغلين الأجانب من الذين خلفهم عهد مبارك إلى تفاقم الأزمة.
ضغط الميزانية
وقد أخذ الإنفاق على دعم الطاقة حصة كبيرة من نفقات الميزانية في السنوات الأخيرة، حيث مثل 22 في المائة في عام 2013، و20 في المائة في عام 2015، و13 في المائة في عام 2016، ومع إدراك النظام للضغوط الهائلة على الميزانية، إلا أنه لم يستطع أن يعالج على الفور مسألة سوء إدارة الدعم في مجال الطاقة، حيث ساعدت هذه الإعانات على ضمان الدعم السياسي للجماهير المصرية.
ولم يكن للدعم تأثير كبير على التوازن المالي في مصر فحسب، بل كان له تأثير على الأسواق المشوهة لمنتجات الطاقة. كان إحجام السيسي عن إصلاح نظام الدعم وصناعة الطاقة فشلاً ذريعاً.
وهكذا ازداد التفاوت بين الطبقات الدنيا والمتوسطة في مصر، التي تعتمد على هذه الإعانات، وطبقات الأعمال التي تستخدم هذه الإعانات لخفض تكاليفها وزيادة الأرباح، وفي العام الماضي، أفاد البنك الدولي بأن ما يقرب من 60 في المائة من سكان مصر "إما فقراء أو ضعفاء"؛ مع الأزمة الاقتصادية الناجمة عن وباء الفيروس التاجي، ومن المتوقع زيادة معدلات الفقر وعدم المساواة.
ومنذ الانقلاب، نفذ نظام السيسي سلسلة من السياسات الرامية إلى إصلاح دعم الطاقة وتصحيح العجز في الميزانية، لكن مصر لا تزال في طور استكمال انتقالها إلى الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة ومع اكتشاف حقل ظهر للغاز العملاق وزيادة الاستثمار الأجنبي المباشر لرفع مستوى البنية التحتية للطاقة في مصر، كان من المتوقع أن تصبح البلاد مصدرًا صافيًا للغاز الطبيعي بحلول نهاية عام 2019.
وبدلاً من ذلك، وقعت مصر اتفاقاً تاريخياً مع إسرائيل العام الماضي، يسمح بتصدير الغاز الإسرائيلي إلى البلاد ومن المتوقع أن تستورد مصر ما قيمته 20 مليار دولار من الغاز الطبيعي من إسرائيل وفي يناير، بدأت في استلام الشحنات الأولى.
صدمة فيروس كورونا
وفي حين يرى النظام أن هذه الصفقة هي الخطوة الأولى نحو أن تصبح مصر مركزاً إقليمياً لإعادة تصدير الطاقة، فإن الصدمة الاقتصادية غير المسبوقة لوباء "كوفيد-19" ألقت بظلال من الشك على مستقبل التعاون الإقليمي في مجال الطاقة.
وتوقعت وكالة الطاقة الدولية مؤخراً أن ينكمش الطلب العالمي على الطاقة في عام 2020 بنسبة ستة في المائة، ومن المتوقع أن ينخفض استهلاك الغاز بشكل خاص بنسبة أربعة في المائة ومن شأن هذا الانخفاض الشديد أن يضر كثيراً بالنمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية والاقتصادية في مصر.
ونتيجة لانخفاض أسعار الطاقة وعدم الاستقرار المالي في عصر كوفيد-19، قد يتم إلغاء مشاريع الغاز الرئيسية، مثل خط أنابيب إيست مد، وتوقف الإنتاج من مصنع الغاز الطبيعي المسال الوحيد في إدكو في مصر لعدة أشهر، وتم تأجيل خطط البدء في الإنتاج في مصنع دمياط إلى أجل غير مسمى.
بعد اكتشاف حقل غاز ظهر، شهدت صناعة الطاقة في مصر طفرة في الإنتاج وجذبت الاستثمار الأجنبي المباشر. لقد مرت الآن خمس سنوات على ذلك الاكتشاف، ولكن البلاد لم تحقق الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي، ولا تزال الواردات تشكل عبئاً على الميزانية.
وقد وضع حقل ظهر للغاز، وهو أكبر احتياطي للغاز تم العثور عليه في البحر الأبيض المتوسط، مصر في قلب التنافس الجيوسياسي المستمر في المنطقة ومع تجاوز عدد سكانها 100 مليون نسمة، ومع ارتفاع الاحتياجات إلى الطاقة، ستتأثر مصر بشدة بمعركة جيوسياسية قد تطول.