من مكاسب الحراك الشعبي.. السيسي خسران في كل الأحوال

- ‎فيتقارير

يعتبر قائد الانقلاب عبدالفتاح السيسي ونظامه العسكري هم الخاسر الأكبر أمام الحراك الشعبي الذي انطلق  في انتفاضة "20 سبتمبر 2020م"؛ وحتى كافة السيناريوهات المتوقعة لمستقبل هذا الحراك تضع السيسي ونظامه في ورطة ربما يسهم مستقبلا في تحقيق الهدف الأكبر هو إسقاط النظام السلطوي والبدء في بناء نظام ديمقراطي يسع الجميع دون تهميش أو إقصاء أو وصاية مفروضة من المؤسسة العسكرية على الشعب والدولة والمجتمع كله.

سيناريو نجاح الحراك

فإذا تواصل هذا الحراك واتسع مداه بذات  الطريقة، وهي التظاهر في الأطراف ومئات القرى في المحافظات المختلفة؛ سوف يمثل ذلك إرباكا وإنهاكا حقيقيا للآلة الأمنية للنظام التي تتنتشر بكثافة في العاصمة والميادين الكبرى، وبالتالي فإن استمرارية هذا الحراك لعدة شهور واتساع مداه شيئا فشيئا ربما يكون سببا من أسباب اندلاع شرارة الاحتجاج في أطراف العاصمة وصولا إلى قلب الميادين الكبرى. في هذه الحالة فإن صمود الحراك الشعبي وإصراره سيكون كفيلا بإجبار الرعاة الدوليين والإقليميين لنظام انقلاب 3 يوليو وكذلك إجبار المؤسسة العسكرية على إعادة تقييم مواقفها  في إطار معادلة "الإطاحة برأس النظام لحماية النظام ذاته" وهي ذات المعادلة التي جرى التعامل بها مع الرئيس الأسبق حسني مبارك، على أن  تشرع هذه المافيا في إعادة هندسة وتصميم النظام من جديد بما يضمن التفافا آخر على الإرادة  الشعب وضمان بقاء مصر "شعبا ومجتمعا ودولة" تحت وصاية المؤسسة العسكرية التي ستكون هي الأخرى تحت وصاية "سيسي" جديد وشلة من الجنرالات الجديد يدينون بالولاء للمشروع الأمريكي الصهيوني والنظام الإقليمي العربي المنبطح لإسرائيل. لكن العقبة الكبرى في  هذه الحالة أمام رعاة الانقلاب هو الوعي الشعبي المتراكم من خلال الدروس المستفادة من تجربة "الثورة والانقلاب"، والوعي الكبير بأن الجيش مخطوف لحساب مافيا قليلة العدد من الجنرالات تعمل لحساب مصالحها ومصالح رعاتها وهذا الجيش المخطوف يقوم بفرض وصايته على الدولة كلها لحساب هؤلاء الرعاة وتلك المافيا، وبالتالي فإن الشعب سيكون بالغ الحذر من ألا يلدغ من ذات الجحر مرتين.

سيناريو  وأد الحراك

السيناريو الثاني هو قدرة نظام الانقلاب على وقف الحراك، عبر مسارين: الأول، كثافة البطش الأمني وحصار القرى ومناطق الاحتجاج الساخنة، واعتقال الآلاف وهو ما شرع فيه النظام بالفعل قبل بداية الحراك ذاته، حيث جرى رصد انتشار آليات الشرطة وعناصرها بكثافة في القاهرة والجيزة والإسكندرية والسويس والمحلة وهي المناطق التي شهدت احتجاجات واسعة في ثورة يناير المغدور بها وفي أعقاب انقلاب 3 يوليو. ورغم حالة الإنكار الإعلامي من جانب النظام لهذه الاحتجاجات الواسعة إلا أن بيان النيابة  بإخلاء سبيل نحو 68 طفلا معتقلا مثل برهانا ووثيقة رسمية تفضح الإنكار الإعلامي للنظام.

المسار الثاني هو  تراجع نظام السيسي عن بعض القرارات الاستفزازية التي دفعت المواطنين إلى الاحتجاج؛ حيث جرى تعليق هدم منازل المصريين مؤقتا بعد الحملة الإعلامية المضادة التي شنتها الآلة الإعلامية المؤيدة لثورة يناير والفضائيات التي تبث من الخارج ووسائل التواصل الاجتماعي. كما جرى مد فترة التصالح من نهاية سبتمبر إلى نهاية أكتوبر، واستدعاء البرلمان في أكتوبر لـتعديل قانون التصالح ليضم المخالفات التي جرت العام السابق والحالي فقط. كما طالب الدكتاتور رئيس حكومته ببحث عودة نشاط البناء وهو القرار الذي اتخذه السيسي نفسه في مايو الماضي وأسهم في بطالة ملايين المصريين من  المهنيين وعمال المعمار وتسبب في خراب آلاف الشركات.

الرسالة الواضحة الدلالة أن نظام السيسي يتسم بأعلى درجات الكبر والعتاد لكن الإرادة الشعبية قادرة على تأديبه وإجباره على التراجع عن القرارات بالغة الضرر بالشعب. وبالتالي فإن سلوك النظام على هذا النحو سوف يعزز فكرة الاحتجاج باعتباره الوسيلة القادرة على مواجهة النظام وإجباره على التراجع؛ وهو ما يخشاه النظام بشدة.

ويرى المكاتب والمحلل السياسي فراس أبو هلال أنه من السابق لأوانه القول إن هذه الاحتجاجات ستكون قادرة على تحقيق تغيير جوهري في سلوك النظام، ولكنها استطاعت خلال أيام أن تجبر الحكومة الانقلابية على التراجع في قضية الإزالة للمباني غير المرخصة، وهو إنجاز لم يكن ليتحقق لولا إدراك النظام أن الاحتجاج يمكن أن يتطور لحالة عامة على مستوى البلاد. ولكن الإنجاز الأهم من هذا الاحتجاج هو كسر حالة الخوف وإدراك الشعب لقوته، وهو إنجاز لا يمكن التقليل منه، بل إنه جوهر الربيع العربي الذي عملت الثورة المضادة على وأده في مهده.

خلاصة الأمر، أن انتفاضة 20 سبتبمر والحراك الشعبي الجارف في الريف المصري قد لا يستطيع أن يحدث تغييرا كبيرا في النظام، ولكنه بلا شك مثل خطوة في التحرر من الخوف، وهو إنجاز عظيم له ما بعده، ولا يجب أن ننسى هنا أن الصراع السلمي مع الاستبداد هو دائما صراع ينتهي بالنقاط المتراكمة، وليس بالضربة القاضية، ولا يمكن النظر إلى الاحتجاجات المصرية الجديدة إلا باعتبارها نقطة على طريق الانتصار على الاستبداد، ولو بعد حين.