تدندن أبواق المخابرات العربية في إعلامهم وقنواتهم وبرامجهم ومقالاتهم بأن سيء الذكر الفرنسي ايمانويل ماكرون انتقد الإسلام السياسي وليس الإسلام نفسه، وأن جماعة الإخوان المسلمين التي تزاحم صفوف المدافعين عن الرسول الأعظم يتاجرون بالدين في هجومهم على باريس!
وتبدو حادثة قتل المدرس الفرنسي صامويل باتي، على يد شاب مسلم غضب للرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، أسهمت في تسريع وتيرة حملة السلطات الفرنسية العنصرية ضد الإسلام، وقد تحدثت تقارير عن الاتجاه إلى ترحيل المئات من المسلمين وإغلاق العشرات من المقار والجمعيات الإسلامية الفرنسية.
والسؤال الذي يبتسم ساخرًا هل النبي الذي يساء إليه في فرنسا ويصر ماكرون على نشر الرسوم المسيئة له هو نبي الإخوان أم نبي المسلمين؟
مولانا الشيخ ماكرون..!
وفي مقابلة أجراها الكاتب الفرنسى ألكسندر ديلفال مع المخابراتي "عبدالرحيم على"، انتقد الأخير سعي جماعة الإخوان المسلمين إلى إحياء الخلافة الإسلامية، وخلط الأوراق بالقول: "إن هذا المشروع ومنذ زمن طويل أساس فكر الإخوان المسلمين، لقد وضع مؤسس جماعة الإخوان حسن البنا عام 1928، مشروعًا شموليًا لغزو العالم، يهدف هذا المشروع لبناء دولة إسلامية تسعى للحكم، وبالتالى للسيطرة على العالم بأسره، هذا المشروع ما زال قائمًا، ولم يُعلن أبدًا عن إلغائه من قِبل جماعة الإخوان المسلمين".
مضيفًا في المقابلة التي اعادت نشرها صحيفة اليوم السابع وثيقة الصلة بالمخابرات الحربية: "لقد ألهم هذا المشروع جميع مفكرى جماعة الإخوان، دون استثناء، منذ إنشائها، وما زال يلهم أعضاء الجماعة وأولئك الذين يستلهمون أفكارهم منها، وإن كانوا يحاولون إنكاره أو إخفائه تكتيكيًا، إن كتابات ومراجع الإخوان تتحدث عن نفسها، أريد أن أوضح أنه من وجهة نظر المسلم المعتدل أو المستنير، فإن فكرة الدولة الإسلامية فى حد ذاتها ليست سليمة من الناحية الشرعية، فالإسلام لم يأت ليؤسس دولة وإنما ليؤسس أمة ويهدى الناس إلى الحق والخير والحب والعدل والمساواة والإنسانية"، على حد قوله.
ولم يتأخر سيء الذكر ماكرون في الدخول على خط الهجوم على الإسلام بعد انتهاء مرحلة اللعب بورقة تنظيم داعش المخابراتي، بعدما صار الخوض في الإسلام وقضاياه سنة مؤكدة، على كل رئيس جديد يدخل قصر الإليزيه.
وبعد ثمانية أشهر من حكمه؛ وبالتحديد في فبراير 2018، أعلن سيء الذكر ماكرون عن مساعيه لإزالة اللبس أو ما يعتبره سوء فهم كبير بين الإسلام وقيم الجمهورية، مؤكدا أنه "اعتبارا من الخريف سنوضح هذا الوضع عبر منح الإسلام إطارا وقواعد، ستضمن بأن يمارس في كل أنحاء البلاد طبقا لقوانين الجمهورية، سنقوم بذلك مع الفرنسيين المسلمين ومع ممثليهم".
ويكتسي الصراع الآن بين فرنسا وتركيا أبعادا متعددة، استراتيجية وعسكرية في البحر الأبيض المتوسط واقتصادية في العمق الإفريقي وأيديولوجية بين "فرنسا العلمانية" و"تركيا العثمانية". وتبدو بلدان المغرب حقل صراع مفتوح على النفوذ بين القوتين التقليدية الفرنسية والتركية الصاعدة.
وتشكل أحزاب الإسلام السياسي المشاركة في الحكم بتونس والمغرب وليبيا، هدفًا واضحًا في مرمى فرنسا وفق استراتيجية ماكرون؛ ففي ليبيا تكبدت فرنسا خسائر استراتيجية كبيرة بسبب التدخل التركي، ولذلك كان رد فعل باريس قويًا إلى جانب اليونان ضد تركيا في صراعها، وها هي الآن تناوش أردوغان في نزاع ناغورني كاراباخ.
إذ نتج عن التحالف بين حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، تداعيات عسكرية واستراتيجية دراماتيكية على النفوذ الفرنسي.
وفي تونس لا تخفي فرنسا عدم ارتياحها لنفوذ "حزب النهضة الإسلامي" الذي يتزعمه رئيس البرلمان راشد الغنوشي حليف أردوغان، إضافة إلى انزعاج فرنسي من حضور "ائتلاف الكرامة" ذو التوجه الإسلامي الشعبي الذي يرفع منذ ظهوره على الساحة السياسية التونسية شعارات موجهة ضد النفوذ الفرنسي في البلاد.
أبواق السيسي
وفي تصريح بلغ سقف الإجرام لمفتي العسكر بمصر، شوقي علام، قال إن: "أكثر من 50% من الجيل الثاني والثالث من المسلمين الأوروبيين أعضاء في تنظيم داعش الإرهابي"، مثيرا بذلك موجة عارمة من الغضب الشعبي وفتح الباب أمام التساؤلات عن دوافعه والأهداف منه لا سيما أنه ياتي متزامنًا مع التصريحات العنصرية لماكرون.
علام خلال لقاء تليفزيوني له على شاشة قناة "صدى البلد" التابعة لوزارة الداخلية، شن هجومًا على المسلمين في أوروبا، مبررًا تصريحاته بأنها تستند إلى دراسة أجريت عام 2016 كشفت تزايد أعداد الأوروبيين المنضمين لتنظيم داعش المخابراتي، مطالبًا في الوقت ذاته بإعادة النظر في أوضاع المراكز الإسلامية في الخارج بزعم إعطاء صورة صحيحة عن الإسلام.
اللقاء الذي أجراه مفتي العسكر بمصر مع الإعلامي المقرب من الانقلاب، حمدي رزق، في برنامجه "نظرة" كان يهدف للرد على التصريحات المستفزة الصادرة عن الرئيس الفرنسي التي قال فيها "الإسلام يعيش في أزمة حاليًّا"، لكن علام بدلًا من التصدي لعنصرية ماكرون عززها بتصريحات لا تختلف كثيرًا عنها في المضمون وربما التأثير الخارجي.
وأضاف علام أن "منظومة المراكز الإسلامية على مستوى العالم تتنازعها في الغالب أجندات مختلفة إخوانية وغير إخوانية، ويتم تمويلها بسخاء وبأشكال مختلفة، لأنها تحمل خطابًا معينًا أدى بالفعل إلى تأزيم وتقزيم الموقف"، وهي التصريحات المعتادة لديه خلال السنوات السبع الماضية.
ورغم التحفظ الإعلامي للمفتي على تصريحات الرئيس الفرنسي، داعيًا إلى فهم أفضل للإسلام من مصادره المعتبرة والمعتمدة، فإن التزامن بين حديثه وتلك التصريحات فسره البعض أنه غطاء شرعي وتبرير مقنن أهداه السفاح عبد الفتاح السيسي لماكرون الذي اعتاد الهجوم على الإسلام أكثر من مرة دون أن يحرك المفتي ساكنًا.
ولم تكن تصريحات مفتي العسكر الجدلية مفاجئة ولا مستغربة، فالرجل اعتاد السير دومًا على خطى السفاح السيسي، الذي أينما ولّى وجهه كان علام على نفس المسار، محولًا دار الإفتاء المصرية إلى أداة سياسية لدعم الانقلاب وإصباغ أفكاره ومقترحاته وآرائه بصبغة دينية، الأمر الذي أفقد المصريين الثقة بهذا الكيان الذي كان يتمتع بقدسية كبيرة لديهم، وبات الارتكان لمحرك البحث "جوجل" أكثر مصداقية لكثير من الباحثين عن الفتوى مقارنة بالتي فقدت بريقها بعدما تخلت عن دورها الأساسي لحساب خدمة العسكر.
مليارا مسلم
ودعا نائب المرشد العام لجماعة الإخوان، إبراهيم منير، ماكرون لتصحيح فكره عن الجماعة، والإسلام، وأوضح في رسالة أن ماكرون "تحدث على أن الإسلام يعيش فى أزمة، وعن جماعة الإخوان والتى شملها الوصف بالانعزالية والراديكالية والتَزَمُتْ وتوظيف الدين والسعى إلى إقامة نظام مواز وإنكار الجمهورية إلى آخر ماجاء فى اتهاماتكم".
وطالب منير الرئيس الفرنسي، بأن "يأتي الحديث عن الإسلام بصورة تراعي مشاعر أكثر من ملياري مسلم، و"ليس في إطار سياسات دول تحكمها عوامل خارجية ومنافسات حزبية داخلية".
وعن الجماعة، أضاف منير في الرسالة التي ترجمت للفرنسية: "نؤكد التزام أصحاب هذا الفكر بأمانة الكلمة وأمانة العهود، والالتزام بالمواطنة وحقوقها فى أي دولة يتواجدون علي أرضها، واحترام قوانينها بإعتبارها أساس العيش فيها".
وتابع: "من واجبات هذا الفكر ليس فقط هذا الالتزام وإنما أيضًا الحفاظ علي أمن هذه الدولة باعتبار أن من يحمل هذا الفكر أصبح واحدًا من شعبها".
وقال نائب مرشد الإخوان: "ما كنا نتوقع أن يأتى حديثكم بما جاء فيه من إتهامات يراها الناس وبمنظور العلمانية غير صحيحة وما كنا نرجو أن يأتى ذلك علي لسان رئيس الجمهورية الفرنسية".