رجّحت دراسة أن اتفاق التطبيع الذي أعلنته السودان أخيرا "خطوة ملغمة ربما تعيد رسم الخريطة السياسية للبلاد مجددًا وهذا ما ستكشفه الأيام القادمة".
وقالت دراسة لموقع "الشارع السياسي" بعنوان "دراسة: اتفاق التطبيع السوداني – الصهيوني.. دوافعه وتداعياته الداخلية والاقليمية" إنه "وعلى عكس حالة الاستسلام التي بدا عليها المشهدان الإماراتي والبحريني حيال اتفاق التطبيع مع الكيان الصهيوني، فإن الوضعية السودانية تختلف إلى حد كبير، فالتاريخ هنا يقول كلمته، والخصومة التاريخية بين البلدين واضحة للعيان، منذ مشاركة الجيش السوداني في حرب السادس من أكتوبر 1973، بجانب تزايد قوة ومكانة القوى السياسية والشعبية الرافضة للتطبيع، وهو ما يزيد من تأزم الموقف.
وأضافت أن ولوج الكيان الصهيوني بالداخل السوداني يهدد الوحدة السودانية وسيادتها على أراضيها، في ضوء دورها الموثق بفصل جنوب السودان عن السودان، من خلال دعم الحركات الانفصالية بالمال والسلاح والدعم الدولي والغربي، عبر تقارير حقوقية وسياسية شرعنت الضغوط الدولية والاقليمية على السودان، كما أن التمدد الصهيوني في العمق الإفريقي سيخلق معادلة جديدة في إفريقيا، لن يكون لمصر ولا للسودان دور فاعل فيها، في قضايا المياه والتجارة والاتصالات، وغيرها من مجالات الحياة المختلفة.
اتفاق غير دستوري
وخلصت الدراسة إلى أن اتفاق التطبيع مع السودان، الذي قد يوقع رسميا قبل نهاية 2020، يعتبر ثغرة كبيرة وانعراجة في المشهد العربي، تفوق في تأثيراتها اتفاق التطبيع الإماراتي والبحريني مع الكيان الصهيوني، إلا أن الاتفاق الذي يعتبر غير دستوريا، بنص وثيقة تقاسم السلطة الموقعة في ديسمبر الماضي، بين العسكر وقوى الثورة السودانية، والتي خرج لشرعنتها وزير العدل السوداني، الأحد قبل الماضي، بتأكيده أن الاتفاق دستوري ويحقق المصالح الخارجية والداخلية السودانية، سيفاقم الانقسامات السودانية ويزيد من فرص التوتر بالبلاد.
وأكدت مجددا أن الاتفاق قد يفجر اتفاق تقاسم السلطة في البلاد، وهو ما سيؤثر حتما على مستقبل الانتخابات العامة المقررة نهاية 2022، ولعل الخطر الأكبر يبقى في تهديد الأمن القومي العربي، وضربه في مقتل، وتقليص الدور المصري والعربي في قضايا المنطقة ككل، فيما تبقى الأيام المقبلة حبلى بكثير من التطورات السياسية والاستراتيجية على الصعيد السوداني وفي المنظومة العربية ككل.
دوافع التطبيع
وفي شرحها لأبرز الدوافع -4 دوافع رئيسية- التي حفزت السودان نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني، ما تعيشه البلاد من أزمات متلاحقة، منذ الاطاحة بحكم البشير.
1- تعثر المسار الديمقراطي
وأوضحت أنه في هذه النقطة؛ يسير السودان على طريق هش نحو الديمقراطية، نتيجة انقسامات بين الجناحين العسكري والمدني للحكومة الانتقالية، التي تشكلت عقب انتفاضة شعبية أدت العام الماضي إلى الإطاحة بعمر البشير.
وأنه جرت مناقشة محاولة إجراء الانتخابات في أواخر 2022، وهو ما مكن القيادات العسكرية والمدنية من السير مطمئنين، في اتجاه التطبيع المرفوض شعبيا ودستوريا.
2- صراع على السلطة
وأضافت أن قيادات الحكم تبحث عن دعمها في الاستئثار به، وأن علاقات قوية تربط ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، وجنرالات السودان وعلى رأسهم محمد حمدان دقلو "حميدتي” قائد قوات الدعم السريع، الذي كان رجل الأمير الإماراتي في إفريقيا لتنفيذ أجندته الخارجية، ومن بين أدواتها المشاركة في حرب اليمن وليبيا وتزويد جيش المرتزقة الإماراتي بالجنود الأفارقة، بحسب تقدير استراتيجي.
وأوضحت أن الأمر ذاته ينطبق على رئيس المجلس السيادي، عبد الفتاح البرهان، الذي تربطه علاقات قوية بالنظام الإماراتي والسعودي على حد سواء، فالرجل الذي يطمح في ولاية الحكم في بلاده لا يتوانى عن تقديم قرابين الولاء والطاعة لحلفائه الداعمين والممولين له خليجيًا، أحلام الحكم والسلطة التي تهيمن على الجنرالين، البرهان وحميدتي.
وأن رئيس الحكومة الانتقالية، حمدوك، بات الضلع الثالث لهذا الثالوث المتصهين الذي أسقط البلاد في أتون التطبيع، بجانب الترويكا السودانية، يأتي دور رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، الحليف القوي للكيان الصهيوني، ربما يكون له دور أيضًا في دفع حمدوك إلى الولوج في هذا المستنقع، في ضوء مبدأ البراجماتية والميكافيللية التي يرتكن إليها الرجل في سياساته الخارجية.
3- الأزمة الاقتصادية
وأضافت أن الدافع الثالث كشف أنه "على الرغم من مرور أكثر من عام على إطاحة الثورة السودانية نظام الرئيس عمر البشير في إبريل 2019، حيث لا يزال الشعب السوداني يعاني أزماتٍ معيشية متفاقمة، تطاول قوته اليومي، ومستلزمات حياته اليومية وأساسياتها من خبز ووقود وكهرباء، فضلًا عن البطالة المقيمة بين أوساط الشباب وارتفاع نسبة التضخم وسوى ذلك".
وأضافت الدراسة نقلا عن ورقة كتبه الباحث السوداني عمر كوس، إن الحراك الاحتجاجي في السودان لا يزال يطالب بالانتقال نحو الحكم المدني، لكن العسكر يناورون في وقتٍ تشهد غالبية السودانيين تدهورا سريعًا في حياتهم المعيشية ولم تستطع الحكومة الانتقالية التي نتجت عن تقاسم السلطة بين العسكر والمدنيين تقديم الكثير للسودانيين، في ظل تحكم العسكر في مفاصل مهمة من السلطة، فالبرامج الإصلاحية الاقتصادية والسياسية التي أطلقها رئيس الحكومة الانتقالية، عبد الله حمدوك، لم تأت أكلها، إذ ما يزال الاقتصاد السوداني يعاني من نسبة تضخم غير مسبوقة تجاوزت 210% في سبتمبر الماضي، مع توقع انكماش اقتصادي قد يتجاوز نسبة 8% خلال العام الجاري.
4- حصانة العسكريين
وكشف الدراسة أن العسكريين السودانيين لديهم رغبة في الحصانة القضائية الدولية من أعمال القتل، وخاصة البرهان ومحمد حمدان دقلو حميدتي، يتطلع إلى التطبيع لتجنب الملاحقة القضائية من جانب المحكمة الجنائية الدولية فيما يتعلق بجرائم الحرب والإبادة الجماعية التي تورطت فيها حكومة البشير، وفي سياق استخدام واشنطن الجزرة والعصا، أبلغ وزير الخارجية الأمريكي بومبيو البرهان أنه سيكون هناك ضغط أمريكي قوي لإعفاء حميدتي والبرهان من أي محاكمة أمام المحكمة الجنائية الدولية. وخلال زيارة إلى السودان، التقطت صورة للمدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، فاتو بن سودا وهي تصافح حميدتي، الذي قاد الميليشيات التي نفذت سياسة الأرض المحروقة في دارفور بأمر من البشير، وكان شخصية بارزة في جرائم الحرب في دارفور إلى حد ورود اسمه في طلب المحكمة الجنائية الدولية لعام 2008 باعتقال البشير.