نشرت صحيفة “واشنطن بوست” مقالا للدكتورة نانسي أوكايل، الباحثة الزائرة في جامعة ستانفورد والمديرة التنفيذية السابقة لمعهد التحرير لسياسة الشرق الأوسط انتقدت فيه حملة القمع التي شنها عبدالفتاح السيسي قائد الانقلاب ضد منظمات المجتمع المدني.
وقالت “أوكايل” إنه في الوقت الذي احتفل الأمريكيون بعيد الشكر، استغل السيسي العطلة – وحقيقة أن واشنطن في مرحلة انتقالية – كستار من الدخان لقمع المعارضة والمجتمع المدني.
إدانة دولية
وأضافت أن جاسر عبد الرازق، المدير التنفيذي للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية الذي تم احتجازه مؤخرا يجلس حاليا في زنزانة باردة بدون ملابس شتوية بعد أن حلق رأسه بالقوة، هكذا يتعامل النظام العسكري في مصر مع أحد أبرز المدافعين عن حقوق الإنسان في البلاد، وقد وقعت هذه المعاملة على الرغم من الإدانة الدولية لاعتقاله مع اثنين من كبار الموظفين الأسبوع الماضي بتهم ملفقة تتعلق بمساعدة جماعة إرهابية.
وأوضحت أن حكومة الانقلاب أعلنت مؤخرا أنها ستضيف إلى قائمتها الإرهابية أكثر من 24 من سجناء الرأي، بمن فيهم الناشط علاء عبد الفتاح والمرشح الرئاسي السابق عبد المنعم أبو الفتوح، وفي نفس الوقت من العام الماضي، اعتقلت قوات أمن الانقلاب رئيسة تحرير صحيفة “مدى مصر” على الإنترنت، لينا عطا الله، واثنين من زملائها.
وأشارت إلى أن “عبدالفتاح” في السجن منذ اعتقاله في نوفمبر 2013، وفي هذا الوقت من العام تم عقد ، المحاكمة الصورية التي بدأتها مصر ضد 43 من العاملين في المنظمات غير الحكومية في عام 2011.
حرية ارتكاب الجرائم
ولفتت إلى أن عدم اتخاذ إجراءات جادة من المجتمع الدولي قد أتاح للحكام العسكريين في مصر الكثير من الحرية لارتكاب العديد من الفظائع والجرائم ضد المواطنين الذين يعبرون عن آراء مخالفة، ومنذ ثورة عام 2011، اعتبرت المؤسسة العسكرية المجتمع المدني المصري عدوا لها وتهديدا لهيمنتها على السياسة والاقتصاد في البلاد، فقد سحقت منظمات المجتمع المدني في إطار قانوني مفرط، ناهيك عن حالات السجن والملاحقات القضائية ذات الدوافع السياسية.
وتابعت:” في أعقاب الانقلاب العسكري في عام 2013 والمذبحة التي راح ضحيتها أكثر من 1000 من أنصار الرئيس محمد مرسي في الساحات العامة، لم يواجه نظام السيسي أي عواقب وخيمة من حلفائه الغربيين. لم؟، السيسي لعب أوراقه بشكل جيد جدا، لقد لعب في ثلاث قضايا كانت ذات أهمية قصوى للغرب، الأولى هي ما يسمى بالحرب على الإرهاب والمخاوف من أنه إذا تم الضغط على الحكام المستبدين مثل السيسي بشدة على حقوق الإنسان، فإن القوى الراديكالية، مثل تنظيم الدولة الإسلامية، ستسيطر على المنطقة، وأن السيسي وصف خصومه بأنهم إرهابيون جعل من حملاته المتكررة ضدهم أمرا مقبولا في العواصم الغربية”.
تخويف متكرر
وأردفت:”الثانية هى المخاوف بشأن أمن إسرائيل في خضم الاضطرابات الإقليمية، والصراع في سوريا، وتهديد طهران وحلفائها، وكواحد من الدول العربية القليلة التي تمتعت بعلاقات سلمية مع إسرائيل، قدم السيسي نفسه على أنه حليف لا غنى عنه لواشنطن – حتى لو كان يحول مصر إلى سجن سياسي واحد كبير”.
وأكملت:”الثالثة هي أزمة اللاجئين، وقد لعب نظام السيسي على خوف الدول الأوروبية من تدفق اللاجئين من بلده، الذي يبلغ عدد سكانه أكثر من 100 مليون نسمة، وهكذا، كانوا على استعداد منذ فترة طويلة للتسامح مع تجاوزاته في مجال حقوق الإنسان ضد خصومه باسم الاستقرار”.
السيسي مرعوب
ولكن اليوم، يشعر نظام السيسي بالرعب من أن الأوراق الثلاث القديمة التي لعبها لصالحه في السنوات الماضية بدأت الآن تفقد قيمتها، ومع الهزيمة العسكرية لداعش، لم يعد الإرهاب أولوية بالنسبة للولايات المتحدة، ومع انحسار مشهد اللاجئين الفارين إلى أوروبا، يُنظر إلى الأزمة بإلحاح أقل على الرغم من أنها لم تختف، ويفقد الموقف الودى لمصر من إسرائيل حداثته مع قيام المزيد من الدول العربية بتطبيع العلاقات ، بما فيها الإمارات العربية المتحدة وعمان والبحرين والسودان، أضف إلى ذلك الثرثرة التي قد تتبعها المملكة العربية السعودية قريباً، في ضوء ولي عهد اجتماع محمد بن سلمان السري مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بحضور وزير الخارجية مايك بومبيو، وفوق ذلك كله، خسر الرئيس ترامب، الذي وصف السيسي الشهير “ديكتاتوره المفضل”، محاولة إعادة انتخابه، وقد أشار الرئيس المنتخب جو بايدن بالفعل إلى أن سياساته تجاه الشرق الأوسط ستبتعد إلى حد كبير عن سياسات إدارة ترامب.
وجاء الهجوم على المبادرة المصرية للحقوق الشخصية بعد أن عقد مسؤولوها اجتماعا حضره كبار الدبلوماسيين من دول أوروبية وكندا لمناقشة وضع حقوق الإنسان في مصر، ومع بداية ظهور نتائج الانتخابات الأميركية، ربما يحاول نظام السيسي استخدام هذه الاعتقالات وانتهاكات حقوق الإنسان كورقة مساومة جديدة لتأمين اجتماع استراتيجي في المكتب البيضاوي في العام المقبل، مقابل وقف القمع وإطلاق سراح المدنيين الأبرياء العام المقبل، مقابل وقف القمع وإطلاق سراح المدنيين الأبرياء.
رفض الصمت الدولي
وفي الوقت الذي يزيد فيه النظام قمعه الانتقامي، يجب ألاّ تُقابل هذه الأعمال بالصمت أو بالإدانة من المجتمع الدولي، لقد ولى وقت الإعراب عن الشواغل والأمل في تحقيق الأفضل، إن سحق الأصوات التقدمية وإسكات المعارضة بهذه الطريقة غير المسبوقة ليسا علامات على وجود حكومة قوية قادرة على الحفاظ على الاستقرار وعلى العكس تماماً، تعكس هذه الإجراءات نظاماً ضعيفا يتسم بقيادة غير مسؤولة، وهو ما يمثل خطراً هائلا نظرا لتقلبات الشرق الأوسط، مضيفة أنه يجب أن يكون هناك موقف قوي ضد سلوك نظام السيسي.
رابط التقرير:
https://www.washingtonpost.com/opinions/2020/11/27/sissi-unleashes-another-crackdown-egypt/