دلالات وقف أسامة كمال بسبب “كابل جوجل”.. مصلحة العصابة فوق الوطن

- ‎فيسوشيال

واقعة وقف الإعلامي المقرب من نظام الانقلاب أسامة كمال عن تقديم برنامجه على قناة "المحور" لمدة أسبوعين، بعد أن حذَّر من تضرر مصر البالغ إزاء تمديد خطوط اتصالات بالإنترنت لا تمر بمصر وتعبر عبر السعودية والكيان الصهيوني، تمثل دليلا جديدا على خيانة نظام الطاغية عبدالفتاح السيسي ، وبرهانا على أن عصابة الجنرالات التي اختطفت الجيش لحساب مصالحها الخاصة ومصالح كفلائها الإقليميين، لا تكترث لحماية مصالح مصر أو ما يهدد أمنها القومي.
كما يعبر الموقف عن مدى هيمنة أجهزة السيسي الأمنية على الإعلام، بعدما جرى تأميم الفضاءين الإعلامي والسياسي وتلاشى هامش الحرية الضئيل الذي كان متاحا في عهد المستبد حسني مبارك. فلا يجرؤ أحد من ذيول النظام الانقلابي أن يتحدث عن حرية الرأي أو الإعلام بعدما وضع السيسي وأجهزته الأمنية يدهم على كل الصحف والفضائيات، فالحقائق تؤكد أن أجهزة الأمن تدير هذه الفضائيات بسكريبت موحد وبرسالة سامسونج واحدة لا يحيد عنها الإعلامي قيد أنملة، ومن يفكر في التجاوز حتى لو كان من داخل منظومة السيسي في التعبير عن خطر يراه، فالتنكيل في انتظاره.
أضرار بالغة

وكان ما يسمى بالمجلس الأعلى للإعلام قد أوقف الأحد 7 ديسمبر 2020م، الإعلامي "أسامة كمال" عن العمل، ومنعه من الظهور على الشاشات لمدة أسبوعين. وجاء القرار، على خلفية ما كشفه عن أضرار بالغة ستلحق بمكانة مصر، كنقطة عبور مركزية إستراتيجية للكابلات البحرية الدولية لصالح إسرائيل. وتضمن القرار تغريم قناة "المحور" التي تبث برنامجه عبر شاشتها مبلغ 100 ألف جنيه.
وقال "الأعلى للإعلام"، عبر "فيسبوك"، إن "ما جاء بالحلقة من شأنه الإضرار بالمسار التفاوضي بشأن أحد مشروعات الاتصالات، وأن مقدّم البرنامج غير مقيد بجداول العضوية في نقابة الإعلاميين، وغير حاصل على تصريح من النقابة بمزاولة النشاط الإعلامي". ونسي كرم جبر الذي يدير المجلس أن الاعلامي أسامة كمال يعمل بالإعلام منذ سنوات دون أن يتم وقفه من جانب النظام، بل جرى اختياره لإجراء حوار تلفزيوني كامل مع رئيس الانقلاب.
والشهر الماضي، قال "كمال"، إن شركة "جوجل" اتفقت على مد خط كابل بحري للاتصالات يربط بين قارتي آسيا وأوروبا، مارا بخليج العقبة، وليس بمصر. وطالب "كمال" المعروف بقربه من أجهزة أمنية وسيادية في البلاد، بمحاسبة المسؤول عن ضياع المشروع، وتراجع مكانة مصر كمركز لالتقاء الكابلات البحرية.
وقالت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، إن مشروعا لشركة "جوجل" يهدف لربط أوروبا بالهند عبر الألياف الضوئية سيربط أيضا إسرائيل بالسعودية بشكل مباشر، وأن الربط الإسرائيلي السعودي سوف يتجاوز مصر، تجنبا لفرض القاهرة رسوما على استخدام أراضيها ومياهها. ويعد الخط الجديد أحد نتائج التنازل والخيانة المصرية عن جزيرتي "تيران وصنافير" التي مكنت السعودية وإسرائيل للتواصل المباشر متجاهلين مصر.
وتتنافس Alphabet ، مالكة Google ، مع Facebook لتوسيع شبكة الألياف البصرية الخاصة بها لدعم الطلب المتزايد من المستخدمين على مقاطع الفيديو ونتائج البحث وغيرها من المنتجات. جوجل – التي سميت معظم كابلات الإنترنت الخاصة بها على اسم العلماء – أطلقت على هذا الكابل اسم Blue Ramen ، على اسم الفيزيائي الهندي Chanderskara Vankata Raman ، وسيكلف مشروع الكابلات البحرية Raman Blue ما يصل إلى 400 مليون دولار.
وحذر أشخاص على اطلاع بتفاصيل مشروع Google من أن هذا قد لا يتحقق؛ لأنها ستتطلب اتفاقيات مع العديد من الجهات التنظيمية ، وقد تجبر إحدى العقبات Google على إعادة تصميم المسار، لأنها لم تتلق الضوء الأخضر الذي تحتاجه من السلطات السعودية لربط مشروع بلو رامان.
الرياض وتل أبيب
وقال أشخاص مطلعون على المشروع، إن عملاق التكنولوجيا مهتم بفتح طريقة جديدة لتخفيف عبء الإنترنت في مصر، حيث تفرض الحكومة المصرية على مشغلي الاتصالات بعضا من أثقل العمولات لعبور أراضيها ومياهها، والتي قد تصل إلى 50٪ من الطريق من أوروبا إلى الهند، وفقًا لمستشاري الصناعة. وأضاف المستشارون، أن هذا الازدحام يزيد أيضًا من مخاطر انقطاع الإنترنت نتيجة تعطل الكابلات في ممرات الشحن المزدحمة في البحر الأحمر. قد يشمل المسار كابلا تحت الماء بين الهند والمملكة العربية السعودية ، مع روابط إلى الدول المجاورة مثل عُمان. قال أشخاص مطلعون على المشروع إنه سيعبر عبر الأردن وإسرائيل ، على الأرجح من خلال البنية التحتية الحالية للألياف الضوئية.

وبحسب محللين ومراقبين، فإنه بعد ما يزيد عن 7 سنوات من التطبيل للسيسي وانقلابه ومحاربة رافضي انقلابه، لا يملك أحد المطبلين الشرف لمناشدة السيسي التدخل –كما فعل أسامة كمال- وهو يعلم يقينا أن الكرسي الذي يجلس عليه السيسي مؤمن من الجانب الصهيوني ومدعوم من الجانب السعودي طرفي الأزمة.
القصة في الأصل لم يتبناها أسامة كمال إلا بعد أن نشرت صحيفة "وول ستريت جورنال"، في 24 نوفمبر الماضي، تقريرًا عن اعتزام شركة "جوجل" مد كابل من الألياف الضوئية "بين السعودية و"إسرائيل"، سيفتح ممرا جديدا لعبور البيانات، وأوضح التقرير أن الكابل، الذى اختارت له "جوجل" اسم "بلو رامان" تيمنا بالعالم الهندى تشاندرا سيخارا فينكاتا رامان، سيتكلف حوالى 400 مليون دولار، وسيربط بين الهند وأوروبا". وبحسب الصحيفة، فإن الكابل الذى يربط أيضا الهند وإفريقيا، بحسب التقرير، هو رقم 14 في سلسلة الكابلات البحرية، التي تمتلكها جوجل كليا أو بشراكة مع شركات أخرى، وسيتمتع بقدرات أكبر لدعم طلب المستخدمين المتزايد على قطاع الفيديو والبحث والمنتجات الأخرى، ولأن التقرير أشار إلى أن هذا الكابل يهدف إلى تقليل الاعتماد على مصر، التي تعد ثاني أكبر ممر عالمي لكابلات الإنترنت، بزعم أنها تفرض رسوما مرتفعة على شركات الاتصالات.
وعندما تظهر كلمة "رسوم" أو "ضرائب" أو "ادفع"، يكون السيسي حاضرا، وتقوم أذرعه الإعلامية بدور سنيد المزاد بهدف رفع قيمة ما سيتقاضاه السيسي.
وكان نص تحذير أسامة كمال هو: «ضياع مليارات الجنيهات أو منجم ذهب على الدولة المصرية، بإهمال، بعدم اتخاذ قرار، أو باتخاذ قرار خاطئ»، وطالب بمحاسبة المسئول عن ذلك، بعد أن أوضح كيف أن ذلك الكابل سيؤثر على مصر تقنيا، واجتماعيا، واقتصاديا وسياسيا.
وبحسب مراقبين فإن وجه الاعتراض ليس أن يمد كابل ألياف ضوئي يكون فيه العدو التاريخي للمصريين "إسرائيل" طرفا مستفيدا منه ليواصل تمدده وبقاءه على الأرض العربية، أو تهميش الدور المصري لتكون مجرد "ممر" للكابلات لا أن تكون طرفا أصيلا لدى جوجل التي باتت تنحاز إلى الثورة المضادة والكيان الصهيوني في خرائطها وتعريفاتها ومجالات بحثها. الطريف أن أسامة كمال شرح تأثير كابل جوجل على مصر فنيا، ولكنه لم يستدرك أن مصر تفقد دورها في أن تكون لاعبا رئيسيا في مجال أعمال مراكز البيانات، نظرا لتراجع مكانتها كمركز لالتقاء الكابلات البحرية.
خدام النظام
وخلال سنوات الانقلاب وحتى في عهد المخلوع مبارك، ظل أسامة كمال مدعوما بشكل رسمي كبير من أعلى سلطة في البلاد، حيث عمل مترجما في رئاسة الجمهورية وقت الرئيس الراحل حسني مبارك، وبات من المذيعين القلائل الذين حاوروا السيسي تلفزيونيا، وكافأه السيسي بحضور افتتاح المعرض السنوي “القاهرة للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات”، وهو من تنظيم شركة خاصة يتولى كمال رئاستها التنفيذية، ومن مظاهر الدعم الرسمي الكبير للمعرض في دورته الأخيرة، مشاركة وزارة النقل بجناح كبير يضم شركاتها المتعددة، وحضور وزير النقل بحكومة الانقلاب اللواء كامل الوزير على زيارة المعرض وافتتاحه لفعالياته رفقة السيسي.
وفسر البعض هجومه على وزارة الاتصالات بدوافع شخصية؛ ففي الدورة الأخيرة للمعرض في نوفمبر الماضي، لم تشارك وزارة الاتصالات بهيئاتها وشركاتها، بدعوى كورونا، ولكن عدم حضورها كان بسبب خلاف بين كمال ووزير الاتصالات بحكومة الانقلاب عمرو طلعت، وهو ما جعله يستغل برنامجه في هذا الملف في الهجوم عليه رغم علمه أن التعاون الدولي مسؤولية قرار سياسي بالدرجة الأولى –في ظل الاستبداد- وليس منوطا به وزارة يتحكم العسكر فيها!