مصر بالمركز الثالث عالميا.. كيف تحولت إلى سجن كبير لكل الصحفيين الأحرار؟

- ‎فيحريات

كشفت لجنة حماية الصحفيين الدولية أن مصر تحت حكم نظام 3 يوليو الانقلابي احتلت المركز الثالث عالميا ضمن أكثر الدول التي تنكل بالصحفيين وتزج بهم في السجون خلال 2020م. ورصدت اللجنة التي تتخذ من نيويورك مقرا لها، 27 صحفيا قيد الاحتجاز بتهم ملفقة، تشمل الإرهاب ونشر أخبار كاذبة، فيما جاءت الصين في المركز الأول، تلتها تركيا في المركز الثاني والسعودية حلت في الترتيب الرابع.
وعلى عكس الرئيس رجب طيب أردوغان الذي يلاحق الصحفيين والإعلاميين الذين شاركوا وأيدوا محاولة الانقلاب الفاشلة على الدستور والنظام الديمقراطي في منتصف 2016م، فإن الطاغية عبدالفتاح السيسي يلاحق كل من يؤمن بالمسار الديمقراطي ويرفض انقلابه على المسار الديمقراطية وإرادة الشعب الحرة.
وبحسب لجنة حماية الصحفيين الدولية، فإن سلطات الانقلاب كثفت من الاعتقالات وإطلاق الاتهامات الجزافية والتجديد اللانهائي لفترات الحبس الاحتياطي، مشيرة إلى أن هناك ثمانية -على الأقل- من الصحفيين الـ 27، تمدد سلطات العسكر فترات احتجازهم باستمرار. وكشفت أن خطاب الولايات المتحدة تحت إدارة دونالد ترامب «المعادي للصحافة» أعطى غطاءً لممارسات الحكّام المستبدين المعادية للصحافة الحرة.
من جانبها أكدت الحصيلة السنوية لمنظمة "مراسلون بلا حدود" أن عدد الصحفيين المعتقلين في العالم وصل إلى 387 في نهاية العام 2020 وهو عدد لم يشهد تغيرا كبيرا منذ سنة رغم حصول ارتفاع في عمليات التوقيف على ارتباط بالأزمة الصحية. وكما في العام 2019 عندما أحصت المنظمة 389 صحفيا مسجونا لأسباب تتعلق بممارسة المهنة، يتركز أكثر من نصف هؤلاء في 5 دول (61 %). وتبقى الصين الدولة التي تضم أكبر عدد من الصحفيين بـ 117 تليها السعودية (34) ومصر (30) فيتنام (28) وسوريا (27).
قانون الإرهاب
وأكدت "الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان"، وجود 33 صحفيا محبوسين في 19 قضية في دولة العسكر، بموجب اتهامات قانون الإرهاب، فضلا عن مئات المعتقلين الآخرين من الشخصيات العامة والسياسية والمدافعين عن حقوق الإنسان وناشطي المجتمع المدني. جاء ذلك في دراسة قانونية أطلقتها المنظمة الحقوقية بعنوان "قوانين الإرهاب في مصر وتغلغل القمع"، رصدت فيها أبرز المواد التي تم بموجبها تلفيق الاتهامات في قضايا سياسية لصحفيين وفق قانون الإرهاب. وقالت الشبكة "منذ صدور قانون الإرهاب رقم 94 لسنة 2015 بات آلاف المواطنين والمعارضين السياسيين والصحفيين والمحامين والمدافعين عن حقوق الإنسان وناشطي المجال العام ملاحقين قضائيا وقابعين خلف أسوار السجون لمجرد إبداء آرائهم أو التعبير عن رفضهم لسياسات الانقلاب أو كتابة مقال أو مجرد تنظيم وقفة احتجاجية.
حملة قمع
ودعت منظمة العفو الدولية سلطات الانقلاب إلى وقف قمعها وتدخلها في عمل وسائل الإعلام، والإفراج عن كافة الصحفيين المعتقلين، ووقف كافة أشكال الترهيب والقمع الممارس ضدهم. وقالت إنه مع استمرار ارتفاع معدلات الإصابات بفيروس "كوفيد 19" في مصر، تعزز حكومة الانقلاب سيطرتها على المعلومات، بدلا من دعم الشفافية، مشيرة إلى أن أي شخص يتحدى الرواية الرسمية "يعاقب بشدة". ووثقت المنظمة في تقريرها 37 حالة اعتقال لصحفيين ضمن "حملة قمع متصاعدة تشنها الحكومة المصرية على الحريات الصحفية". ولفت التقرير إلى أنه حتى الأصوات المؤيدة لحكومة الانقلاب لم تسلم هي الأخرى، حيث اعتقل 12 صحفيا يعملون في وسائل إعلام مملوكة للدولة لتعبيرهم عن وجهات نظر خاصة مختلفة على مواقع التواصل الاجتماعي. واتُّهم هؤلاء بنشر أخبار كاذبة أو إساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بموجب قانون مكافحة الإرهاب الفضفاض والذي وسع تعريف الإرهاب ليشمل جميع أنواع المعارضة.
غياب نقابة الصحفيين

من جانبه، أكد خالد البلشي، عضو مجلس نقابة الصحفيين السابق، أن الفترة الحالية هي الأشد سوءا في أوضاع الصحافة والصحفيين والانتهاكات التي يتعرضون لها، وكذلك هي أسوأ أوضاع يمر بها الإعلام من محاولات للسيطرة عليه. وأشار البلشي، فى تصريحات صحفية، إلى أن لجنة الحريات والدفاع عن الصحفيين رصدت في تقرير لها، أن عدد الصحفيين المعتقلين والذين يمارسون مهنة الصحافة يزيدون على 70 صحفيا. وأعرب عن أسفه لأن دور نقابة الصحفيين غائب تماما، وهناك تنصّل غريب في الدفاع عن الزملاء المعتقلين، منتقدا تصريحات النقابة التى تقول إنه لا يوجد صحفيون معتقلون، ولا سجناء رأي، وهو ما يخالف التقارير التي أصدرتها لجنة الحريات بالنقابة من قبل. وشدد البلشي على أن النقابة لا تمارس الحد الأدنى من دورها وهو الدفاع عن أعضائها، قائلاً: ولا ننتظر منها هذا الدور. ولفت إلى أن أن هناك عددًا من الصحفيين تجاوزوا فترة حبسهم الاحتياطي ولم يُحالوا إلى محاكمات، مؤكدا أن عددا من الصحفيين المعتقلين يعانون أوضاعا صحية شديدة السوء ويحتاجون إلى علاج ولم يحصلوا عليه. وقال البلشي إنهم يطالبون بالبديهيات والأساسيات فيما يتعلق بالإفراج عن الصحفيين المعتقلين، وعدم تجاوزهم فترات حبسهم الاحتياطي، وتقديم الرعاية الصحية لهم. وتابع: نقول طبقوا القانون الجائر؛ فما نطالب به بديهيات، ولم نطالب مثلا بقضايا حرية النشر التي باتت رفاهية الآن!
تكميم الأفواه
وقالت سلمى أشرف، مسئولة الملف المصري بمنظمة هيومن رايتس مونيتور، إن المنظمة رصدت اعتقال مئات الصحفيين بسجون العسكر منذ أحداث 3 يوليو 2013 وحتى الآن. وأشارت سلمى ، فى تصريحات صحفية، إلى أن الصحفيين فى عهد السيسي يواجهون سياسة تكميم الأفواه؛ فلا تكاد تجد صحفيًّا يكتب عن مواضيع سياسية يعبر فيها عن رأيه أو ينقل آراء المواطنين بحرية إلا وجدته خلف القضبان. ولفتت إلى أن سلطات الانقلاب تستهدف الصحفيين لمنع إيصال الحقيقة للعالم وتقويض حرية الرأي والتعبير، مشيرة إلى أن الإعلام هو أحد الأدوات القوية لنقل الصورة عن حقيقة ما يجري في البلاد التي يهيمن عليها حكم عسكري مثل مصر. وتابعت سلمى: "لا يعتقل فقط من يكتب في السياسة، إنما يعتقل كل من له رأي مؤثر ومستقل، وقد تتجاوز فترات الحبس الاحتياطي السنتين وأكثر". وأشارت إلى أن السجن يهدف إلى كسر إرادة الإنسان في التعبير عن رأيه وممارسة حقه فيها. وكشفت مسئولة الملف المصري بهيومن رايتس مونيتور، أنّ نظام السيسي يمنع الصحفيين المعتقلين من التواصل مع العالم الخارجي أو من زيارات الأهالي، وتصادر الأقلام والأوراق؛ وهذا انتهاك جسيم لأبسط حقوقهم في حرية الرأي والتعبير وحقوقهم كسجناء.