سرّ الصفقة.. لمن يبيع السيسي شركات البيزنس العسكري وما دور اسرائيل؟

- ‎فيتقارير

"آن لنتنياهو أن يمد قدميه في القاهرة" قد لا تستغرب هذه العبارة فيما لو تابعت ما يجري خلف كواليس ما يقوم به السفاح عبد الفتاح السيسي، فبعد الاستيلاء والتأميم الذي قام به جمال عبد الناصر للشركات المصرية المملوكة للمدنيين، جاء دور السفاح لينهي المهمة ويسلم اقتصاد مصر بالكامل للكيان الصهيوني.
وأعلنت حكومة الاحتلال العسكري نيتها عرض عدد من الشركات المملوكة لـ"وزارة الدفاع" للاستثمار للقطاع الخاص، في خطوة هي الأولى من نوعها في التاريخ المصري.

أيادي تل أبيب
وكشفت وكالة Bloomberg الأمريكية إن شركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك) من بين المهتمين بشراء حصة في واحدة من شركات الجيش المصري ويطرحها للاستثمار، وهي شركة البترول، ويرى مراقبون أن أيادي تل أبيب تتخفى خلف عباءة الإمارات.
وحتى وقت قريب كانت عصابة الانقلاب العسكري تستبعد طرح شركاتها للبيع في البورصة، والأسباب كثيرة منها ما يتعلق بطبيعة هذه الشركات؛ ففي سنوات سابقة تم رفض اقتراحات عدة لطرح الشركات المدنية الملوكة للعسكر للبيع عبر طرحها في البورصة، انطلاقا من رفض العصابة الكشف عن مراكزها المالية وطبيعة مصروفاتها ونفقاتها، بحجة أن ذلك يهدد الأمن القومي للبلاد، رغم أن طبيعة أنشطة هذه الشركات مدنية بحتة، ولا تتعلق بأنشطة الجيش أو الأسرار العسكرية.
وقال المدير التنفيذي لـ" مغارة علي بابا" أو ما يسمى بـ"صندوق مصر السيادي"، إن الصندوق يدرس بيع ثلاث شركات تابعة لوزارة الدفاع لمستثمري القطاع الخاص، وهو ما جاء في أعقاب الإعلان عن طرح اثنتين من الشركات المملوكة للقوات المسلحة في البورصة المصرية؛ هما "صافي للمياه المعبأة"، و"الوطنية للبترول".
وأضاف سليمان أن "الخطة الأولية تشمل بيع حصص تصل إلى 100% فى عشر شركات تابعة للجهاز المملوك لوزارة الدفاع خلال عام 2021".
فيما أعلنت وزيرة التخطيط في حكومة الانقلاب العسكري "هالة السعيد" أن الجيش يخطط لطرح شركتين من الشركات التابعة له للبيع، وفي تصريح للتلفزيون قالت السعيد: "حصص الشركتين قد تعرض في بادئ الأمر على مستثمرين إستراتيجيين على أن تباع النسب المتبقية في طرح عام أولي".
وأضافت "سنتخذ قرارا في الربع الأول من هذا العام، ثم هناك ثلاث شركات أخرى لن أعلن عنها"، وأوضحت: "اخترنا هاتين الشركتين لأن الشهية عالية عليهما، وهنا نتحدث عن جزء سيتاح لمستثمر إستراتيجي لزيادة وتعظيم قيمة الأصل".
والشركتان مملوكتان لجهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع للجيش وهما شركة "وطنية للبترول" ولها شبكة محطات وقود في أنحاء البلاد، والشركة الوطنية لإنتاج وتعبئة المياه الطبيعية والزيوت النباتية، ورفضت "السعيد" الكشف عن الشركات الثلاث الأخرى المحتمل طرحها للبيع.
وفي رؤيته، أشار الخبير الاقتصادي الدكتور عبدالحافظ الصاوي إلى أن "هذا يتناقض مع سلوك الجيش؛ ففي الوقت الذي يطرح مجموعة شركات بالبورصة إن صح زعم السيسي، فالجيش يتوسع بالحياة الاقتصادية المدنية باستحواذه على المشروعات، وإنشاء شركات جديدة كالإسمنت، ومزارع الأسماك، والاستحواذ على تجارة سلع رئيسية، كألبان الأطفال، والأدوية، وغيرها من السلع والخدمات".

وختم بقوله: "هذا نوع من أنواع الخداع السياسي، والمعالجات الإعلامية التي يحاول الانقلاب تحسين وجهه بها".
فيما يقول الناشط أحمد سعد: " قصة بيع شركات الجيش بتقول حاجة من اتنين فيا هما خلاص علي وشك الإفلاس وقرروا يبيعوا يا الإمارات، الصهاينة في صيغة لمصر قالوا عشان نفضل نديكم امتيازات وقروض عايزين حصص لينا في البلد بشكل مباشر".
مضيفا:" إسرائيل دلوقتي بتصدر لينا غاز وقريب هي والسعودية هيستحوذوا علي عائدات كابلات الإنترنت في البحر المتوسط بجانب مشروع نيوم في تيران وصنافير فمصر بس هي مجرد فوطة صحية".
ويقول الناشط القبطي مستر تيتو: " الجيش بيبيع شركاته اللي هي أصلا كلها محتكرة كل أساسيات الحياة للإمارات وطبعا معروف الإمارات هتبيعها لمين مش محتاجة توضيح يعني".
وتُقدر شركات بيزنس الانقلاب العسكري في مصر بالعشرات، وتعمل في عدة قطاعات، أبرزها قطاع السلع الاستهلاكية والقطاع الصناعي وقطاع الخدمات، وكان السفاح السيسي قد قال العام الماضي إنه "ينبغي السماح للجيش بطرح أسهم شركاته في البورصة مثل شركات الدولة المقرر خصخصتها".

بزنس الجيش

كان عدد من شركات بيزنس الانقلاب ازدهر منذ 30 يونيو 2013، من بينها شركة المعادي وهي واحدة من عشرات الشركات التي تعمل تحت مظلة القطاع العسكري.
فمنذ عام 2014، "اجتاح" الجيش قطاع البناء، كذلك يملك بيزنس الاحتلال العسكري 51% من شركة تتولى تطوير العاصمة الإدارية الجديدة، التي تقدر استثماراتها بنحو 45 مليار دولار، وتقع على مسافة 75 كيلومترا شرقي القاهرة.
ولا يغفل المراقبون والاقتصاديون ثلاث رسائل ربما يكون السفاح السيسي قد سعى إلى توصيلها من إعلانه خطوة الطرح التي تصنف على أنها جريئة من وجهة نظر البعض، وصعبة التنفيذ من وجهة نظر آخرين، في حين يصفها طرف ثالث بأنها مجرد مناورة تسعى عصابة الانقلاب من خلالها إلى تخفيف الضغوط والانتقادات المتواصلة المتعلقة بتنامي نشاط الجيش الاقتصادي، وإضفاء الطابع المدني على البزنس الضخم الذي يقوم به، خاصة في قطاعات مدنية بحتة مثل استيراد حليب الأطفال والمزارع السمكية والصوبات الزراعية وإقامة الطرق أو المدن السكنية مثل العلمين الجديدة وغيرها.
وهذه الرسائل مهمة في ظل البيانات الرسمية التي كشفت مؤخرا عن حدوث تراجع حاد في حجم الاستثمارات الأجنبية المتدفقة على البلاد رغم المزايا الكثيرة الممنوحة لها، واستقرار سوق الصرف وتعديل قانون الاستثمار أكثر من مرة وتوافر الطاقة سواء الكهرباء أو الغاز.
فقد كشف البنك المركزي المصري قبل أيام عن تراجع صافي الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر بنحو 1.8 مليار دولار، وبنسبة انخفاض 23% خلال العام المالي 2018/ 2019، مسجلا 5.902 مليارات دولار، مقارنة بـ7.719 مليارات دولار في العام المالي السابق له 2017/ 2018.
كما أن الاستثمارات الأجنبية المباشرة المتدفقة على البلاد لا تزال تتركز في قطاعات لا تمثل قيمة مضافة للاقتصاد المصري، ولا توفر فرص عمل مثل قطاع استخراج الغاز والبترول، ويتكرر هذا الأمر مع تدفقات الأموال الأجنبية الساخنة المستثمرة في سندات الخزانة والأذون، والتي تدخل البلاد وتخرج بسرعة محملة بعوائد ضخمة تحصل عليها من أسعار الفائدة الكبيرة المدفوعة لها.
ويأتي طرح الشركات المملوكة للعسكر بعد تقرير مشترك لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية الدولية و"مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان" و"مبادرة الحرية"، في الشهر الماضي. وقد طالب المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي بمساءلة حكومة الانقلاب عن المعلومات المالية الخاصة بعشرات الشركات العملاقة المملوكة لوزارتي الدفاع والإنتاج الحربي، الجهتين الرئيسيتين اللتين تديران مصالح الجيش الاقتصادية التي تنافس القطاع الخاص.

التعتيم العصابي
وقالت المنظمات الحقوقية إن هذه المعلومات ينبغي أن تمثل جزءا من التقارير التي يطلبها الصندوق عن الشركات التي تملكها الدولة، قبل صرف الشطر التالي من التمويل بموجب برنامج الإقراض الحالي، مستنكرة كون "التعاملات المالية للشركات المملوكة للهيئات العسكرية، والتي تنتج في الأساس سلعا مدنية، محجوبة تماما عن الرأي العام".
وفيما أشار التقرير إلى خطورة حجب البيانات على جعل الاقتصاد العسكري المصري "بيئة خصبة للفساد" وتقويض الرقابة المدنية على تمويل الجيش المصري المتهم بارتكاب انتهاكات خطيرة، شدد على أن "الشفافية والمساءلة في الشركات المملوكة للجيش أمران أساسيان لمعالجة الفساد وسوء الإدارة اللذين يهدران الموارد العامة الثمينة، والتي يمكن استثمارها بدلا من ذلك في تأمين حقوق عدة، مثل الرعاية الصحية، والإسكان، والغذاء، والحماية الاجتماعية".
وفي حين يعتقد بأن الاقتصاد العسكري "يستحوذ على حصة غير متناسبة من الإيرادات العامة"، تثير السرية التي تحيط به التكهنات حول "عدم كفاءة وخسائر خفية"، وهو ما أفاد به تقرير شامل نشره "مركز كارنيجي للشرق الأوسط" عام 2019.
ويعتقد الخبير الاقتصادي، الدكتور أحمد ذكرالله، أن فكرة طرح الجيش شركاته بالبورصة هي "نتيجة ضغط صندوق النقد الدولي على السلطة؛ لإعطاء القطاع الخاص مساحة أكبر بالنشاط الاقتصادي، في مقابل تزايد استبدال القطاع العام، وإحلال شركات الجيش محلها منذ 2014".
الأكاديمي المصري أضاف أن هذا "يتنافى مع وصفة صندوق النقد الدولي، وبرنامج الإصلاح الاقتصادي الذي يتبناه مع الدول؛ وبالتالي كان واضحا أن طرح شركات الجيش للخصخصة أحد مخارج السلطة للتوافق مع الصندوق بشأن القرض والاتفاقية الجديدين".
ويكشف الغموض الذي يلف تفكير عصابة الانقلاب الاقتصادي والتناقضات الكامنة في مقترحهم، تحوّل طرح تلك الشركات إلى مجرد وسيلة لشفط الأموال الخاصة من الأسواق بهدف تعويم الشركات العسكرية ذات الحسابات المُعتَّمة ومجالس الإدارة غير الخاضعة إلى القانون المدني.