اعتبرت ورقة تحليلة لموقع «الشارع السياسي» بعنوان "حملة السيسي على رجال الأعمال .. المآرب والمآلات" أن صندوق نهب مصر المسمى زورا "تحيا مصر" هو كلمة السر في الاعتقالات التى أمر بها السفيه المنقلب عبد الفتاح السيسى وطالت ستة من رجال الأعمال وهم بعد صلاح دياب، رئيس شركة جهينة صفوان ثابت ورئيس مجموعة محلات "التوحيد والنور" السيد رجب السويركي، ومالك محلات أولاد رجب ومدير شركة "رنين" وآخرون.
تسريب كاشف
وأعادت الورقة التحليلية إلى الذاكرة تسريب عباس كامل، رئيس جهاز المخابرات بسلطة الانقلاب حاليا والذي كان قتها مديرا لمكتب عبدالفتاح السيسي، رئيس الانقلاب، وقد بدا عباس كامل خلال التسريب في حالة حنق وغضب من رجال الأعمال قائلا: «ومش عايزين حاجة من شوية العيال رجال الأعمال دول»!
وأضافت أن السيسي دعا في يوم 3 يوليو 2014م، إلى إنشاء صندوق «تحيا مصر» وقال إنه يريد في هذا الصندوق مبلغ 100 مليار جنيه وفق حديثه: «أنا عايز 100 مليار جنيه على جنب كده»، بعدها قامت وسائل الإعلام بعمل حملة للتبرع وبدأت الدعوات لرجال الأعمال الكبار (شوية العيال) للاجتماع بالرئيس الذي سطا على الحكم بانقلاب عسكري قبل سنة وخرج للتو رئيسا من مسرحية انتخابية بائسة الشكل والجوهر والإخراج.
وأشارت إلى أنه في 11 يوليو 2014، عقد اجتماعا مع كل رجال الأعمال الكبار في قصر الاتحادية وجلس السيسي معهم قرابة النصف ساعة ودعاهم بشكل غير مباشر إلى التبرع إلى صندوق "تحيا مصر"، وتركهم ليرأس الاجتماع أحد أقرب المقربين للسيسي، ولم يكن وقتها من الحكومة. ودار الحديث حتى منتصف الليل وانتهى إلى ما يلي:
فريق من رجال الأعمال دفع على الفور وبدون نقاش. وهؤلاء خرج مانشيت «اليوم السابع» وهى أحد الأذراع الإعلامية للمخابرات السيساوية في اليوم التالي مباشرة “15 يوليو” تحت عنوان: «قائمة الشرف للمتبرعين لصندوق تحيا مصر»، وشملت «نجيب ساويرس» و «أحمد أبو هشيمة» و «منصور عامر» و«محمد أبو العينين» ورجال أعمال آخرين بقيمة تبرعات وصلت 5.4 مليار جنيه من أصل مبلغ طلبه السيسي وهو 100 مليار جنيه.
وأشارت الورقة إلى فريق ثان وضع شروطا تخدم مصالحه الشخصية. هؤلاء تبرعوا في وقت لاحق بعد حصولهم على امتيازات خاصة وتسهيلات لخدمة أعمالهم.
أما الفريق الثالث بحسب الورقة فقد رفض فكرة التبرع من الأساس باعتباره شكلا من أشكال الإتاوة، خصوصا وأنهم يدفعون ما عليهم من ضرائب والتزامات للدولة. وزاد من تحفظهم غياب أي رقابة على الصندوق والاعتماد على أنه تحت إشراف “السيسي!”.
وأضافت أنه هالهم أنه من يحدد جهات الصرف منه، والتأكيد على أنهم على استعداد للمشاركة في مشروعات تراها الدولة من خلال شركاتهم بدلا من التبرع، وأن جهودهم الخيرية منتشرة في ربوع مصر؛ لكن النظام أصر على التبرعات؛ لأنه سيتم إسناد المشروعات المستهدفة للقوات المسلحة؛ وهو ما رفضه رجال أعمال متسائلين: ” كيف نتبرع للبلد ثم تنفذ القوات المسلحة المشروعات بدلا من شركاتنا؟”.
واستدركت الورقة أن هؤلاء تلقوا تهديدا مباشرا من جانب مفوض السيسي الذي هددهم بقوله ”اللي أخدتموه من البلد أكبر من المطلوب منكم، وكل واحد عنده مشاكل كبيرة في شغله”! وفي يوم 5 اغسطس 2014م، خرج السيسي مهددا: «هتدفعوا هتدفعوا وإن أخدت مني جنيه يبقالك الكلام، عارفين يعنى إيه أقول إن الصندوق ده أنا أشرف عليه.. اسألوا الجيش أنا كنت بعمل إيه وهناخد من جيب المصريين وهناخد إن شاء الله». ويوم 28 أكتوبر 2014 أمر السيسي القوات المسلحة والحكومة باسترداد الأراضي من أباطرة الأراضي بقيمة 100 مليار جنيه.
تهديد وثلاثة أصناف
وأشارت الورقة إلى أنه بعد تهديدات السيسي؛ لم يعد أحد من رجال الأعمال الذين أبدوا تحفظا على التبرع لصندوق السيسي يأمن على نفسه وأهله وشركاته؛ وبدأ النظام في عملية إعادة تصميم المشهد الاقتصادي بما يضمن احتكار المؤسسة العسكرية لمفاصل الاقتصاد، وتشكيل طبقة جديدة من رجال الأعمال تدين بالولاء المطلق للنظام، وبناء على تلك المخططات جرى تقسيم رجال الأعمال إلى ثلاثة اصناف:
الأول، هم المغضوب عليهم؛ وهؤلاء هو رجال الأعمال المنتمون إلى الإخوان، فقد جرى التنكيل بهم على نحو واسع، وصلت حد الاستئصال، كما جرى مع خيرت الشاطر، نائب المرشد العام للإخوان، وحسن مالك وغيرهم؛ فقد جرى اعتقالهم واعتقال أبنائهم، وومصادرة أموالهم وشركاتهم. وسن القوانين التي تشرعن هذا السطو الإجرامي على المال الخاص المفترض أنهم محمي بنصوص الدستور الذي جرى انتهاكه على نحو بالغ.
الثاني، هو فريق المقربين من رجال الأعمال؛ وهؤلاء جرى منحهم امتيازات واسعة، وتسهيلات كبيرة تعزز من نشاطهم بشرط الإذعان الكامل للنظام والولاء المطلق له. على أن يكون نشاطهم تحت إشراف ورعاية من المؤسسة العسكرية التي ستمنحهم هذه الامتيازات عبر احتكارها لجميع المشروعات ومفاصل الاقتصاد من الألف إلى الياء. وبعضهم مجرد واجهة لاستثمارات كبرى خاصة بأجهزة المخابرات وغيرها من أجهزة النظام.
والثالث، هو الفريق الذي يضم خليطا من رجال الأعمال، بعضهم رفض فكرة التبرع من الأساس باعتبارها شكلا من أشكال الإتاوة بعيدا عن القانون، والإقرار بها أول مرة سيغري النظام بتكرار طلب مثل هذه التبرعات. وبعضهم حاول أن يحيط نفسه بهامش من الاستقلالية عبر الابتعاد عن السياسة باعتبارها شرا محضا. وبعضهم تبرع لاحقا لصندوق السيسي “تحيا مصر” بدافع استرضاء النظام وعدم وضع العراقيل أمام نشاطه الاقتصادي رغم التزامه واستقامته، لكن يجمع كل هؤلاء عدم رضاهم عن النظام وتوجهاته الاقتصادية، وربما أن استجابتهم للتبرع لم تكن بالشكل والحجم المطلوب.
الربط بالإخوان
وأشارت الورقة إلى ربط اعتقال رجال الأعمال هؤلاء بالإخوان الهدف منه هو التغطية على الأهداف الحقيقية للحملة، وقد تعمد النظام هذا الربط من خلال تزامن الحملة مع ظهور الدكتور محمود عزت، الذي كان يقوم باعمال المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، والذي اعتقل في 28 أغسطس 2020م. والزعم بأن عزت وشى خلال التحقيقات برجال الأعمال المعتقلين.
وأشارت إلى تزامن الحملة مع تشويش الكتروني بأن اعتقال رجال الأعمال جاء بعد وشاية عزت بهم، وشاركهم في التشويش لنفس الاتهام "فضائيات وصحف ومواقع تابعة للمخابرات" مع حبك القصة المُختلقة. وللدلالة على رؤيتها قالت إن "المصري اليوم" أشارت إلى أن اعتقال وزيرين سابقين بحكومة الدكتور هشام قنديل وربطهم بالقضية من أجل إقناع الراي العام المحلي والعالمي بالاتهامات الموجهة لرجال الأعمال وهما خالد الأزهري، وزير القوى العاملة، والدكتور حاتم عبداللطيف، وزير النقل.
باب التكهنات
وقالت الورقة إن إخفاء الأسباب الحقيقية وراء اعتقال واستهداف رجال الأعمال يفتح المجال أمام تكهنات مختلفة، كل منها له حججه المنطقية الدافعة لطرحه. فالهدف ربما يكون محاولة الضغط على رجال الأعمال المستهدفين للتبرع لمصلحة النظام، وكذلك محاولة الضغط عليهم لبيع شركاتهم أو الأسهم التي يملكونها فيها لبعض الجهات النافذة التابعة في نهاية الأمر للمؤسسة العسكرية. وربما يكون الدافع هو التأثير سلبا في الشركات المملوكة لرجال الأعمال المقبوض عليهم، عبر إفساح المجال لشركات تتبع جهات سيادية في الدولة، للسيطرة على مساحات النشاط التي كانوا يعملون بها. وخلصت إلى أن ما حدث مع رجال الأعمال "سطو بالقوة القاهرة" على الأموال بدون وجه حق وبدون أي مسوغ قانوني حقيقي ومقنع، وسوف يؤثر سلبا بالضرورة في مناخ الاستثمار، كما سيؤثر في الطبقة الفقيرة التي توفر لها الكيانات المستهدفة سلعا بأسعار مقبولة.
وأضافت أن الانقلاب حريص كل الحرص على تعزيز الإمبراطورية الاقتصادية للجيش دون النظر إلى المآلات الخطرة لهذه السياسات على مستقبل مصر واقتصادها الهش.