تواصلت الاحتجاجات العمالية ضد الاتجاه لتصفية مصانع حكومية عريقة من أقصى الشمال في كفر الدوار مرورا بالدقهلية ثم حلون حيث يوجد مصنع الحديد والصلب الذي كان يد رمزا للصناعة الوطنية المصرية وأحد اكبر القلاع الصناعية منذ سنوات طويلة.
ويرى رافضو البيع أن السلطة العسكرية تسابق الزمن لبيع هذه المصانع لإخلاء أماكنها حتى تباع بثمن بخس لجهات سيادية ومستثمرين إماراتيين، بينما تبرر حكومة الانقلاب إصرارها على بيع هذه القلاع العملاقة بأن هذه الشركات باتت تمثل عبئا كبيرا على ميزانية الدولة دون إنتاج ولا قيمة مضافة للصناعة.
ومع تصفية القلاع الصناعية الكبرى بحجة خسائرها ثارت عاصفة من الجدل في الشارع المصري خلال الفترة الماضية بعد إعلان حكومة الانقلاب توقيع مذكرة تفاهم مع شركة "سيمنز" العالمية لتنفيذ منظومة متكاملة للقطار الكهربائي السريع في مصر يبلغ طولها حوالي 1000 كيلومتر على مستوى الجمهورية بتكلفة إجمالية 360 مليار جنيه.
وواجه المشروع انتقادات واسعة وسيلا من الأسئلة دون إجابات واضحة من مسؤولي الانقلاب عن أولوية وجدوى مثل هذا المشروع في ظل أزمات اقتصادية متلاحقة.
انتقادات للقطار السريع
وفي تعليق له على المشروع قال رجل الأعمال القريب من سلطة الانقلاب نجيب ساويرس، في تغريدة عبر حسابه على "تويتر"،:"ما السبب في عدم وصول القطار السريع إلى القاهرة أو الغردقة"؟
كما انتقد مغردون عدم خدمة المشروع معظم المصريين حيث يمر بين مدن صحراوية لا توجد فيها كثافة سكانية ولا تخدم إلا فئات محدودة وتجارة رجال الأعمال بعيدا عن وجود ملايين المصريين في القاهرة والدلتا، وكان الأولى إنفاق هذه الأموال في مشروعات أخرى.
من جانبه أشار صندوق النقد في تقرير المراجعة الأولى لاتفاق الاستعداد الائتماني الموقع مع حكومة الانقلاب إلى أن الاضطراب في النشاط الاقتصادي لمصر خلال الربع الأخير من العام المالي الماضي كان أقل من التوقعات حيث شهد انخفاضا قياسيا في السياحة مع تراجع التصنيع والإنشاءات مع تباطؤ الاستثمارات بشكل حاد.
وقال الدكتور مصطفى شاهين، أستاذ الاقتصاد بجامعة أوكلاند الأمريكية، أن مشروع القطار الكهربائي يمكن أن يكون له جدوى لو أنشىء ضمن خطة للتطوير العمراني في مصر كلها، بحيث يدفع مشروع القطار إلى تنمية عمرانية جيدة وتوفير مناطق سكنية جديدة مأهولة بالسكان.
وأضاف أنه للأسف الشديد مشروع القطار الكهربائي يخدم مدينة العلمين لأنها مدينة الأغنياء، مضيفا أن القاهرة بها 20 مليون مواطن أي خمس سكان مصر، كما أن تمويل المشروع سيكون عبر الاقتراض الخارجي الذي يتحمل تكلفته المواطن البسيط.
وأوضح شاهين أن تصفية شركة الحديد والصلب التي تم إنشاءها في الخمسينات ولم يتم تطويرها إلا مرة واحدة في السبعينات اي ما يقرب من 50 سنة، مضيفا أن الرئيس الشهيد محمد مرسي أعلن عن نيته تطوير المصنع وضخ استثمارات جديدة لكم تم الانقلاب عليه.
وأشار شاهين إلى أن المشكلة الكبيرة غياب الشفافية في حكومة الانقلاب فبعد أن فازت الشركة الصينية لإنشاء الخطوط الحديدية بمناقصة المشروع في سبتمبر الماضي بتكلفة 9 مليارات دولار، تم الإعلان عن إسناد المشروع للشركة الألمانية دون عرض الأمر على برلمان الانقلاب.
أعباء إضافية
وقال الكاتب الصحفي مصطفى يوسف، إن مشروع القطار السريع أثار جدلا واسعا لسببين أولهما ان السيسي صرح من قبل بأن تطوير السكك الحديدية في مصر يتكلف 250 مليار جنيه وهذا رقم مبالغ فيه ولا يمكن توفيره ولا توجد مصادر لتمويل المشروع ورفض إنفاق 10 مليارات لتطوير المزلقانات وتأمين أرواح 50 مليون مصري يستخدمون هذا المرفق الحيوي بحجة عدم وجود مصادر تمويل كافية، وفي المقابل يتكلف مشروع قطار المونوريل 2.9 مليار يورو بالإضافة إلى مشروع العلمين- العاصمة الإدارية وهي أماكن لا يرتادها أكثر من 1% من المصريين.
وأضاف يوسف، في مداخلة هاتفية لتليفزيون "وطن"، أن المشكلة الكبرى في مصر عدم وجود محاسبة، مضيفا أن توقيع اتفاق مع شركة سيمنز الألمانية لإنشاء مشروع القطار الكهربائي بهدف اكتساب شرعية لأن ألمانيا دولة ضمن الاتحاد الأوروبي وكان يمكن للشركات المحلية بالتعاون مع الشركات الصينية تنفيذ المشروع بأقل من خمس التكلفة، كما يعتبر المشروع بابا ضخما للفساد.
وأشار يوسف إلى مشروع توسعة قناة السويس تكلف أكثر من 100 مليار جنيه، والعاصمة الإدارية الجديدة تتكلف أكثر من 700 مليار جنيه في كل مرحلة بإجمالي 1.4 تريليون جنيه، وأيضا القطار الكهربائي يتكلف 360 مليار جنيه، وهو ما يؤكد إصرار حكومة الانقلاب على إهدار إمكانات ومقومات الدولة ويضع حجما كبيرا من الديون على كاهل الأجيال المقبلة.