في ظل سياسات القمع العسكري الجنوني التي ينتهجها نظام المنقلب عبد الفتاح السيسي بلا هوادة ضد جميع أفراد الشعب المصري، والذي بات معه المصريون مجرد أرقام بالمعتقلات أو ضحايا بالمقابر أو مشارح المستشفيات أو المنافي والمهاجر، بعد أن قتل السيسي أكثر من 10 آلاف مصري منذ الانقلاب العسكري الدموي في 2013، واعتقل اكثر من 120 ألف مصري، مات منهم المئات في السجون، ما بين الإهمال الطبي والتعسف والتعذيب الممنهج، وأغلق آلاف المنافذ الإعلامية والقنوات والصحف ولا حق النشطاء والحقوقيين والمعارضين واعتقل كل من يجرؤ على الصراخ من أوضاعه المزرية.
وأمام هذا المشهد الذي فشلت فيه المليارات من الجنيهات التي ينفقها النظام الانقلابي على قنواته وأذرعه الإعلامية لتجميل وجهه القبيح، تعددت المطالبات الغربية والاقليمية والدولية لإنقاذ المصريين من بطش السيسي ووقف انتهاكاته الحقوقية.
كانت آخر تلك المطالبات، ما طالب به أعضاء بالكونجرس الأمريكي بتشكيل لجنة لمتابعة "حقوق الإنسان" في مصر، وذلك في إطار حديثهم عن ثورة يناير بعد عقد من الزمن، مشيرين إلى أن الثورة التي ألهمت آمال الشعب في تقرير مصيره وحريته، لم يبدد آمالها قمع السيسي غير المسبوق وانتهاكه لحقوق الإنسان.
12 منظمة حقوقية
وفي مطلع يناير الجاري، ناشدت 12 منظمة حقوقية، دولية ومصرية، الاتحاد الأوروبي في رسالة مشتركة للضغط على مصر لإحداث تغيير في ملف حقوق الإنسان، واتخاذ إجراءات تجاه ما وصفته بـ "تجاهل" مصر لهذا الملف.
كما ناقش مجلس الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي يوم الاثنين 25 يناير آخر المستجدات في مصر، ضمن قضايا أخرى، على رأسها قضية مقتل الباحث الإيطالي جوليو ريجيني. وجاء ذلك في أعقاب مطالبة منظمات حقوقية دولية غير حكومية بينها "العفو الدولية" و"هيومن رايتس ووتش"، الخميس، في رسالة، دول الاتحاد الأوروبي بـ"إجراء مراجعة شاملة للعلاقات مع مصر"؛ بسبب الانتهاكات بملفها الحقوقي.
وبحسب حقوقيين، فإن الهدف من النقاش هو الاستماع إلى إحاطة بهذا الشأن من قبل وزير خارجية إيطاليا "لويجي دي مايو" والوصول إلى استنتاجات محددة والتشاور فيما يجب اتخاذه من خطوات مقبلة.
ودانت المنظمات الحقوقية في رسالة مشتركة بعثت بها إلى الاتحاد الأوروبي عن فشل الاتحاد في اتخاذ أي إجراءات لمعالجة أوضاع حقوق الإنسان في مصر. وأشارت المنظمات إلى أن عام 2020 شهد ارتفاعا غير مسبوق في صدور أحكام الإعدام، في محاكمات وصفتها بأنها "لم تفِ بالمعايير الأساسية لتحقيق العدالة".
البرلمان الأوروبى
وفي الثامن عشر من ديسمبر الماضي، انتقد البرلمان الأوروبي أوضاع حقوق الإنسان "المتردية" في مصر. وكان البرلمان قد صوت لمصلحة قرار اشتمل على عدد من البنود كان أبرزها الدعوة إلى إجراء مراجعة عميقة وشاملة لعلاقات الاتحاد الأوروبي مع مصر.
ودان القرار حينها عدم التزام الدول الأعضاء بمنع تصدير أية معدات أو أدوات قد تستخدم في عمليات القمع في مصر، وطالب الدول باستخدام جميع الأدوات المتاحة لتحقيق تقدم في ملف حقوق الإنسان في مصر. كما دعا ذلك القرار دول الاتحاد الأوروبي إلى النظر في اتخاذ تدابير تقييدية ضد مسؤولين مصريين رفيعي المستوى متورطين في انتهاكات خطرة، وفقا لقانون "ماجنيتسكي".
ودان القرار في ذلك الوقت حملة القمع ضد المدافعين عن حقوق الإنسان، وحقوق المرأة والمعارضين، وقادة المجتمع المدني، داعيا إلى "الإفراج الفوري وغير المشروط عن المحتجزين تعسفيا والمحكوم عليهم لقيامهم بعملهم المشروع والسلمي في مجال حقوق الإنسان".
وانتقدت مصر حينها قرار البرلمان الأوروبي. وقال مجلس نواب العسكر إن القرار اشتمل على "مغالطات مغايرة للواقع". وأعلن مجلس النواب رفضه ما وصفه بـ "وصاية البرلمان الأوروبي".
وتضامن البرلمان العربي مع موقف برلمان العسكر؛ معلنا رفض القرار الأوروبي بشأن مصر وعدد من الدول العربية. ويمثل قرار البرلمان الأوربي، بشأن حقوق الإنسان في مصر، عودة للدور الأوروبي التقليدي، في الدفاع عن قيم حقوق الإنسان حول العالم، ودعم منظمات المجتمع المدني.
وكان الدور الأوروبي في هذا الشأن قد تراجع خلال الفترة الأخيرة، في وقت انصرفت فيه أوروبا لأولويات أخرى تتعلق بمكافحة الأرهاب والسيطرة على تدفق المهاجرين.
وبرز اسم مصر على الصعيد العالمي لحقوق الإنسان في الآونة الأخيرة، مع التطور الدراماتيكي الذي تشهده أحداث قضية الطالب الإيطالي جوليو ريجيني الذي تقول إيطاليا إنه اختطف وقُتل في مصر في قبضة السلطات الأمنية الانقلابية، وتصر على محاكمة الجناة.
إجراءات قمعية خلال 10 سنوات
وفي أتون الذكرى العاشرة لثورة يناير، تصاعدت الإجراءات القمعية التي أسهمت فعليا في الحد من أي حراك شعبي ملموس ومتميز. وإلى جانب قوانين الزجر السابقة الخاصة بتجريم التظاهر وتقليص أنشطة المجتمع المدني، لجأ مجلس النواب الانقلابي إلى تمديد حالة الطوارئ ثلاثة أشهر. وكان تطورا طبيعيا أن تبدأ مسارات الاستبداد من ممارسة العنف الأقصى حيث يقصد نظام العسكر أن تكون مجازر رابعة والنهضة بمثابة دروس في تأديب الشارع الشعبي، أتبعها بمهازل الانتخابات الرئاسية والتشريعية والقوانين الرادعة وسياسات إفقار الشارع وتجويع الفئات الشعبية.
وتعاقبت فصول الاستبداد التي تحكم قبضة الأجهزة الأمنية على المجتمع والمؤسسات، وتمكين المؤسسة العسكرية أكثر من مفاصل السلطة عبر حفنة من الضباط المقرّبين من النظام والمشرفين أيضا على منافذ الفساد والإثراء غير المشروع.
كذلك كان تتويجا طبيعيا أن يزيف النظام استفتاء على سلسلة من التعديلات الدستورية التي أعادت تأهيل خيارات انقلاب 2013 وضمنت للسيسي الحكم حتى سنة 2030.
والمؤشرات الاقتصادية التي ينشرها النظام ذاته تؤكد مقادير مريعة في هبوط مستوى المعيشة وارتفاع التضخم وانحدار العملة الوطنية وصعود معدلات الغلاء إلى مستويات غير مسبوقة.
كما تبرهن في ذاتها على أن مسعى السيسي إلى الاستعانة بالمؤسسة العسكرية لمواجهة أزمات الاقتصاد قد باء بفشل ذريع وأعطى نتائج معاكسة.
لا حريات
أما على صعيد الحريات وحقوق الإنسان فإن أعداد المعتقلين وأوضاع القضاء وأحكام الإعدام باتت تملأ تقارير المنظمات الحقوقية والمحلية. وأمام هذا المشهد الدامي فإن أيام السيسي المقبلة ستحمل كثيرا من الإشكالات لمصر، مع ما يتبعه السيسي من نهج دموي قمعي ضد كل المصريين.