تساؤلات عديدة طرحت بلا إجابات حتي الآن منذ إعلان أمريكا يوم 15 يناير الماضي 2021، وقبل خمسة أيام من مغادرة ترامب الحكم، ضمّ إسرائيل للقيادة المركزية العسكرية في الشرق الأوسط بدلا من القيادة الأوروبية. "إسرائيل" كانت ضمن القيادة الأمريكية في أوروبا، وبعد التطبيع العربي صدر قرار ضمها الى القيادة المركزية الأمريكية التي تضم دول الخليج والأردن ومصر. وما أسباب نقل جيش إسرائيل من نطاق قيادته الأوروبية إلى قيادته في الشرق الأوسط؟ وماذا يعني ذلك؟
التطبيع العلني
التطبيع العلني مع الكيان الصهيوني معناه أن تتقبل الجيوش والشعوب وجود الجندي الإسرائيلي بجانب الجندي العربي بعدما كانا أعداء يتواجهان في الجبهات.
ولكن السؤال هو: في وجه من سيرفع الجندي المصري وزميله الصهيوني السلاح بعدما أصبحا "حبايب" في عهد السيسي وترامب، واللذان باتا يشتركان في قيادة أمريكية واحدة؟ ولحماية من؟
هل لحماية الأنظمة الحاكمة العربية؟ أم لمحاربة القوى والتيارات والأحزاب الاسلامية في المنطقة لمنع تكرار الربيع العربي مرة أخري وقمع الشعوب؟ وما تداعيات ذلك على مستقبل الجيوش العربية وتطلعات الشعوب للحرية والانعتاق من حكم العسكر؟
القرار الأمريكي سيقود إلى تنسيق عسكري واستخباراتي مباشر بين الكيان الصهيوني والدول العربية تحت القيادة الأمريكية.
وفي ظل الوضع الجديد، ستشكل هذه الدول تحت القيادة الأمريكية تحالفات عسكرية مختلفة، وسترى جنودا من "إسرائيل" ودولا عربية يعملون معا خلال عملية واحدة، لكن "جونز" قال إن هذا التحالف سيحتاج بعض الوقت ليصل لهذه المرحلة.
ويقول الدكتور صالح النعامي أن ضم "إسرائيل" إلى قيادة المنطقة الوسطى الأمريكية، المسؤولة عن الشرق الأوسط يعني: إدماج إسرائيل وحلفاء واشنطن العرب في إستراتيجيتها للمنطقة.
إعلان ومأسسة التعاون العسكري بين "إسرائيل" وحلفاء أمريكا العرب، وإحداث تكامل بين المؤسسة العسكرية الصهيونية وجيوش النظم العربية.
إلحاق "إسرائيل" بنفوذ القيادة الوسطى في الجيش الأمريكي يعني أيضا تمكينها من توظيف المقدرات العسكرية لحلفاء واشنطن العرب التي تستخدمها هذه القيادة، وليس بالضرورة من أجل تنفيذ الأجندة المتفق عليها بين الولايات المتحدة والنظم العربية، بل أيضا لأجندة "إسرائيلية" صرفة.
دلالات ضم "إسرائيل" للجيوش العربية
أصبحت "إسرائيل" الدولة رقم 21 في قائمة الدول التي تشملها عمليات القيادة المركزية الأمريكية (سنتكوم)، ويشمل نطاق مسؤولية القيادة المركزية 20 دولة وهي (أفغانستان، البحرين، جيبوتي، مصر، إريتريا، إثيوبيا، الأردن، إيران، العراق، كينيا، الكويت، عمان، باكستان، قطر، السعودية، الصومال، السودان، الإمارات، اليمن، سيشل).
الدول العربية كانت في حالة "عداء ظاهر" مع دولة الكيان الصهيوني ولكن بعد موجة التطبيع الاخيرة من جانب 4 دول عربية بخلاف مصر والاردن وتوقع انضمام دول اخري مستقبلا جعل وقوف الجندي المصري والعربي بجانب الصهيوني في ترتيبات عسكرية واحدة تقودها أمريكا أمرا عاديا.
الجيش المصري كانت عقيدته هي اعتبار الكيان الصهيوني عدوا وكذلك الجيوش العربية ولكن السيسي قام بتغيير عقيدة الجيش لتصبح محاربة التيارات الإسلامية مثل إسرائيل واعتبار العدو الصهيوني دولة صديقة، ولذلك لم تجد أمريكا حرجا من ضم الجيوش العربية والجيش الصهيوني في قيادة واحدة تشمل تدريبات مشتركة وعمليات مشتركة.
ولكن السؤال هو: من سيحارب الجندي المصري وهو يقف بجوار الجندي الصهيوني؟ هل سيحارب "إسرائيل"؟ بالطبع لا سيحارب طرف ثالث مشترك يكن له الطرفان (السيسي ونتنياهو) العداء وهو التيارات الإسلامية وأي قوي للربيع العربي.
معني هذا أن القيادة المركزية الأمريكية، التي تشرف على القضايا العسكرية في الشرق الأوسط، ستضم "إسرائيل" الآن في هيكلها الدفاعي، وهي خطوة لطالما دعت إليها الجماعات الموالية للكيان واللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الأمريكية.
وتقول صحيفة Wall Street Journal الأمريكية، إنه بموجب هذه الخطوة ستُشرف القيادة المركزية الأمريكية على السياسة العسكرية الأمريكية المتعلقة بالدول العربية و"إسرائيل" على حد سواء، في خروج من عقود من هيكل القيادة الأمريكية الذي صُمِّم بسبب الخلاف بين إسرائيل وبعض حلفاء البنتاجون العرب.
جاء هذا التغيير في السياسة العسكرية المستمرة منذ عقود، والذي أكدته وزارة الدفاع الأمريكية، الجمعة 15 يناير الماضي، في أعقاب موافقة العديد من الدول العربية على تطبيع علاقات دبلوماسية مع الكيان الصهيوني بعد وساطة أمريكية ومحفزات جديدة.
وتاريخيا، كُلِّفَت القيادة الأوروبية للجيش الأمريكي بالإشراف على العلاقات مع "إسرائيل" بسبب العداء بين الدول العربية وقوة الاحتلال. وسمح هذا التنظيم للجنرالات الأمريكيين في الشرق الأوسط بالتفاعل مع الدول العربية دون وجود ارتباطٍ وثيقٍ بـ"إسرائيل".
وبينما رفضت معظم الدول العربية إقامة علاقات دبلوماسية معها في ظل احتلالها العسكري لفلسطين؛ فإن الدول الخاضعة لسلطة القيادة المركزية التي وقَّعت اتفاقات مع دولة الاحتلال تشمل مصر والأردن والإمارات والبحرين والسودان.
ما هي قيادة سنتيكوم؟
القيادة المركزية الأمريكية USCENTCOM هي قيادة عسكرية جغرافية ضمن ست قيادات عسكرية أخرى معرف لها منطقة مسؤولية جغرافية تمارس عليها كافة المهام العسكرية الهادفة إلى تأمين مصالح أمريكا أو التعامل مع تهديدات قد تنشأ في تلك المناطق.
والقيادات الخمس الأخرى هي: القيادة الشمالية USNORTHCOM ومنطقة مسؤوليتها أمريكا الشمالية التي تضم كندا، القيادة الجنوبية USSOUTHCOM ومنطقة مسؤوليتها أمريكا الجنوبية، القيادة الإفريقية USAFRICOM ومنطقة مسؤوليتها القارة الإفريقية، القيادة الأوربية USEUCOM ومنطقة مسؤوليتها أوربا، قيادة الباسفيك USPACOM ومنطقة مسؤوليتها المحيط الهادي.
وتم إنشاء القيادة المركزية الأمريكية في عام 1983 بعد الثورة الإيرانية تحت اسم "قوات التدخل السريع" والتي كان الهدف منها النزول على الأرض في حال تعرض منابع النفط وخطوط نقله من منطقة الخليج العربي لأي تهديد، ثم تطور هذا التشكيل العسكري إلى ما بات يعرف الآن باسم "القيادة المركزية الوسطى"، وقد تعاقب على هذه القيادة ثلاثة عشر قائد برتبة جنرال، وهو ما يعادل في الرتب العسكرية العربية فريق أول، وكان آخرهم الجنرال كينث ماكنزي الذي خلف الجنرال لويد أوستن الذي عينه الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن وزيرا للدفاع.
أما عن منطقة مسؤولية هذه القيادة فهي تضم دول منطقة الشرق الأوسط ودول الخليج بالإضافة إلى العراق، الأردن، سوريا، لبنان، إيران، باكستان، أفغانستان بالإضافة إلى مصر، وهي الدولة الإفريقية الوحيدة التي لا تقع تحت مسؤولية "أفريكوم" وإنما تحت مسؤولية "سنتكوم".
ويقع مقر قيادة هذه المنطقة، على غير المعهود عسكريا، في أمريكا في مدينة تامبا بولاية فلوريدا، كما تملك هذه القيادة كثيرا من القواعد العسكرية في جغرافية المسؤولية، وأكبر هذه القواعد هي قاعدتي العديد والسيلة في قطر، ولها قاعدة مهمة في الأردن تم تدشينها في عام 2013.
أما عن عديد هذه القيادة فيبلغ في الأيام العادية ما بين 18 ــ 25 ألف جندي من مختلف الأسلحة، ويأتمر بإمرتها ما لا يقل عن 30 قطعة بحرية و200 طائرة عسكرية.
كيف ستستفيد "إسرائيل"؟
إضافة الكيان الصهيوني إلى منطقة القيادة المركزية الأمريكية "سنتيكوم" التي بها الجيوش العربية، يعني فتح أجواء منطقة المسؤولية أمام النشاطات الجوية للكيان الصهيوني من خلال تنسيق سلاح جو الكيان مع وسائط السيطرة الجوية للقيادة المركزية.
بحيث تقوم طائرات الكيان الصهيوني الجوية بطلعات الاستطلاع والتدريب وجمع المعلومات في أي بقعة جغرافية من هذه المنطقة بما فيها سيناء، بشكل مباشر أو عن طريق التسهيلات التي يمكن أن تمنحها قيادة المنطقة لها، بحيث تظهرها على أنها جزء من القدرات القتالية لمنطقة القيادة المركزية، فلا تثير الشكوك والاعتراضات من دول المنطقة.
أيضا ستستفيد من تبادل المعلومات والتقديرات الاستخبارية مع دول المنطقة بشكل مباشر أو غير مباشر وهو مما يستوجب دخول الكيان ضمن منطقة المسؤولية.
وكذا القيام بعمليات تبادل المعلومات والتقارير الأمنية وتقديرات الموقف العملياتية والمعلوماتية، بحيث يكون الكيان مواكب لتطورات الموقف الميدانية في منطقة المسؤولية، هذه المعلومات ستصل للكيان بشكل مباشر من جهات المسؤولية في القيادة المركزية، كما أنها ستصل له بشكل غير مباشر من دول لا ترتبط معه بعلاقات، عبر قناة المعلومات التابعة للقيادة المركزية.
كما أنه سيكون لـ"إسرائيل" حق المشاركة في المناورات العسكرية والمشاريع التعبوية التي تقوم بها القيادة المركزية مع مختلف الدول التي تقع ضمن مسؤولية هذه القيادة، حتى الدول التي لا تربطها بالكيان علاقات دبلوماسية؛ فإن جنودها سيكونون ضمن التشكيلات المناورة التي ستضطر للتنسيق مع تشكيلات الكيان المشاركة في المشاريع التعبوية، حكما ولو بشكل غير مباشر !
كما سيستفيد الكيان الصهيوني من عمليات الإسناد الناري له في أي عملية قد يقدم عليها في المنطقة، ويمكن أيضا أن يقدم له الإسناد الإداري المطلوب أثناء القيام بالمهام التعبوية أو التدريبية كعمليات التزود بالوقود جوا أو تأمين الذخائر والمؤن لجنوده وتشكيلاته المنتشرة في منطقة المسؤولية.
كما ستتيح عملية الضم هذه للكيان إمكانية دمج الوسائط النارية الخاصة به والمنتشرة في جغرافية فلسطين المحتلة ضمن منظومات قتال تخوض عمليات مشتركة، مما يكسب أطقم عمل هذه المنظومات خبرات قتالية مهمة، كما يكسب وسائط النار تلك مصداقية لكفاءتها مطلوبة من حيث المبدأ من أجل رفع مستوى ثقة المقاتلين بما تحت إمرتهم وسيطرتهم من وسائط قتالية مختلفة.
والاخطر: القيام بالعمليات المشتركة مع مختلف القوات العسكرية في منطقة المسؤولية، وقيام تشكيلات الكيان العسكرية بالمناورات والمشاريع التدريبة مع القيادة المركزية، يساعدها على القيام مستقبلا بعمليات مشتركة مع تلك القوات، بعد أن تكتسب عناصر الكيان الخبرة اللازمة في القتال ضمن العمليات المشتركة.