ماذا لو لم تقم ثورة؟

- ‎فيمقالات

تخيل لو لم تقم ثورة 25 يناير، وأننا بقينا فى دولة «مبارك» باستبدادها وفسادها وأوهامها.. وقد يسأل سائل: وهل ما نحن فيه الآن أقل فسادًا واستبدادًا ووحلًا من الدولة الذاهبة؟ أقول: بالطبع لا، فدولة اليوم -إن سُميتْ دولة- أشد فُجرًا وضلالًا من سابقتها، بل ربما ترقى إلى مصاف الأنظمة النازية والستالينية، وهى بالفعل من أثر الثورة، غير أنها مثل «الفيروس» الذى يتحوصل بعد تعرضه للأدوية، فى شراسته وفوضويته، لكنه ذاهبٌ لا محالة؛ كى لا ينخدع البعض فى أصحاب المصالح الذين يرددون: «ليت أيامك دامت يا مبارك».

إن من صنع ثورة 25 يناير كمن زرع زرعًا لأول مرة وينتظر حصاده، وقد بذل جهدًا عظيمًا فى استصلاح أرضه التى تعانى الجدب وتملؤها الحجارة، وكلما انقضت مدة واجهته المزالق والعقبات الكبرى، لكنه لم ييأس، فهو اليوم يتخلص من النبات المتطفل، وغدًا يسقى الزرع ويغذيه، ثم هو يكتشف أشياء لم يحسب حسابها، غير أنه فى النهاية سوف يجنى ما زرع، والله لا يضيع أجر المحسنين.

أما من ظن أن ضرر الثورة أكبر من نفعها فهو واحد من اثنين: إما قريب من النظام المنقلب ذو مصلحة من الثورة المضادة، أو أنه بحاجة إلى إفهام وتوعية، وأن الثورة ستنتصر لا محالة، إن عاجلًا أو آجلًا؛ بل إن ما جناه المصريون من ثمار الثورة إلى الآن لا يُعد ولا يُحصى..

فلولاها ما علمنا أن «حاميها حراميها»، وأن من يدعى حماية البلد وحراسته هو من يقوم ببيعه بالقطعة، وسرقة كنوزه ومقتنياته، وأن المحروسة عبارة عن «تورتة» كبيرة يتقاسمها عدة أفراد يحكمونها يلقون بالفتات لشعبها، والحال هكذا فإنهم حريصون أشد الحرص على أن تبقى الأمور على ما هى عليه.

ولولا الثورة لما حدث الوعى الجمعى الذى نراه الآن، ولما انهارت الأوهام التى خدعونا بها لعقود، ولما علمنا أن الحكومات المتعاقبة كانت «عرائس ماريونت» تحركها من وراء ستار «جهات أخرى» لها أجنداتها الخاصة، هى أجندات بضعة الأفراد الذين يحكمون والذين توجههم «ريموتات» من بعيد، ولو تعارضت هذه التوجهات مع مصالح الوطن.

لقد تحرر المصريون من هذه الأوهام، وفكوا قيود الخديعة، واهتموا بالشأن السياسى، وأدركوا أننا لسنا أقل شأنًا من الأمم المتحضرة، وأن إقناعنا بأننا أفضل من «سوريا والعراق» هو من الاستخفاف بالعقول والاستهزاء بشعب لم تعد تخيل عليه هذه الخدع.

لم يعد المصريون ينخدعون بـ«فزاعة»: الإخوان، أو الإرهاب، أو الفتنة الطائفية إلخ؛ لإدراكهم أن تلك «أفلام» مكشوفة لم تعد تقنع أحدًا، كما لم يعودوا ينخدعون بأن الحاكم هو الأحرص على مصالحهم ومصالح البلد بعدما كشفت الثورة جزءًا من رصيد «أبو علاء» فى الخارج (70 مليار دولار)، سرقها من قوت شعبه الذى يعانى الأمرّين، سرقها فى حين كان يظهر عليهم فى صورة الملاك أبى المصريين.

ولولا الثورة ما انكشفت حقيقة العلمانيين ومدعى الديمقراطية وحقوق الإنسان، ممن يقولون ما لا يفعلون، وقد أيدوا الثورة المضادة بكل ما يملكون على حساب مبادئهم التى صدعونا بها، بل رأينا منهم من استحل قتل الإسلاميين لتظهر حقيقتهم المعادية لشرع الله.

ولولا الثورة ما علمنا أن من الإسلاميين شياطين ولو طالت لحاهم وقصرت جلابيبهم وادعوا أنهم «سلف»، وأنهم كانوا أنشط فى حربهم على الدين من غيرهم، وقد اغتر الشعب بهم فأعطاهم ربع أصواته فى استحقاقات سابقة.

ولولا الثورة ما انكشفت حقيقة الإعلام الذى كان -ولا يزال- رأس حربة لمن يجرِّفون البلد وينقلونها إلى قائمة التخلف، مبررًا كل قبيح، مدلسًا، كاذبًا خادعًا قد نُزع من القائمين عليه الحياء بل الضمير، وقد قسَّم الشعب وهيأ الأمة للاشتباك مع بعضها. علم الناس حقيقة هذا الإعلام؛ ومن المسئول عنه، ومن يديره، ومن يموله، وعلموا من كان يخدعهم من أفراده، ومن كان يحسبونه ملاكًا فإذا هو شيطان مريد.

ولولا الثورة ما علمنا بفساد مؤسسات من المفترض أنها مؤسسات الشعب المستقلة غير الخاضعة لحزب أو لسلطة، كشفت الثورة حقيقة هذه المؤسسات التى ساهمت بشكل كبير فى دعم الثورة المضادة ونجاح الانقلاب ولولاها لانعكست الأمور ولوُضع الظالم مكان المظلوم. لقد ضربت هذه المؤسسات المثل فى الفساد وفى خسة القائمين عليها وانعدام ضمائرهم.

ولولا الثورة ما علمنا أن كثيرًا من الشخصيات العامة وقادة الرأى والمشاهير، من الممثلين والدعاة ولاعبى الكرة وغيرهم، من صناعة «الجهات السيادية» وأن كل جهة منها تتكفل بعدد منهم، منذ صناعته وتلميعه وحتى قيامه بتنفيذ مخططاتهم من نشر الشائعات أو تبنى وجهات نظرهم أو تبييض وجوههم إلخ. فوجئ الشعب، ولم يكن يحدث هذا بدون الثورة، أن هؤلاء «النجوم القدوات» هم فى الحقيقة أنذال، بعضهم قد تم السيطرة عليه بعدما سجلوا عليه ما يشينه، أو أنه ساع لشهرة أو لجاه على حساب دينه ووطنه.