ولكم في عبدالناصر عبرة.. لهذه الأسباب ستفشل حرب استصال الطغاة ضد الإخوان

- ‎فيتقارير

يصر تحالف الثورات المضادة على مواصلة حرب الاستئصال التي يشنها ضد جماعة الإخوان المسلمين، كبرى الحركات الإسلامية في مصر والعالم، وذلك منذ الدور الكبير الذي قامت به الجماعة في ثورات الربيع العربي التي أطاحت بعدد من المستبدين كحسني مبارك في مصر ومعمر القذافي في ليبيا وعلى صالح في اليمن. وما كان للإخوان أن يشاركوا في موجة الربيع العربي لولا أنها رفعت شعارات وقيم من صميم الإسلام كالحرية والعدالة والمساواة أمام القانون، ومحاربة الفساد ووقف انتهاك حقوق الإنسان والتداول السلمي للسلطة عبر أدوات الشوري بالاحتكام إلى صناديق الاقتراع بدلا من الاقتتال على السلطة واستنزاف البلاد في صراعات مدمرة للجميع.
وإن شئنا الدقة فإن الحرب على الإخوان المسلمين أسبق من الربيع العربي بعقود طويلة؛ فالقيم التي نادت بها الجماعة عبر المطالبة بالاحتكام إلى الشريعة الإسلامية تنفيذا لمواد الدستور تعرضت لعمليات تنكيل وانتقام تواصلت من العهد الملكي وتصاعدت بشدة في عهد الديكتاتور جمال عبدالناصر الذي أعدم عددا من قيادات الجماعة على رأسهم المفكر الإسلامي الكبير سيد قطب، وتباهي أنه اعتقل 19 ألفا من الإخوان في ليلة واحدة أثناء زيارة له للعاصمة السوفيتية" موسكو".
الإجرام الذي مارسه نظام عبدالناصر بحق الإخوان، دفع صحف الحكومة وقتها إلى التأكيد بشكل مستمر أن الإخوان قد انتهت ولم يعد لها وجود للأبد، ويمكن الرجوع إلى ما كتبته هذه الصحف خلال فترة الخمسينات والستينات، والتي تمتلئ بهذه التخرصات والأكاذيب.
محاولات الشيطنة

وعلى مدار السنوات الماضية؛ تم حشد الأموال والقنوات التلفزيونية وطالبي الشهرة لشيطنة التيارات الإسلامية وتشويهها، باعتبارها الخطر الذي يهدّد المجتمعات العربية. وقامت دول عديدة -كالإمارات والسعودية- بإنشاء وتمويل مراكز أبحاث وقنوات إعلامية وصحف في الشرق والغرب، ليس لها وظيفة سوى الهجوم على أي تيار يحمل مرجعية إسلامية، في حين تدّعي هذه الدول أنها تمثل الإسلام الوسطي المعتدل دون سواها.
كذلك تقوم هذه السلطويات الأصولية بتحريض الدول الغربية على الجماعات والجمعيات الإسلامية من أجل تصنيفها ككيانات إرهابية، وذلك على غرار ما قامت به السعودية والإمارات ومصر في أمريكا من خلال الضغط على إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب لتصنيف الإخوان المسلمين جماعة إرهابية.
وحقيقة الأمر هي أن الأنظمة السلطوية لا تخشى من الحركات العنيفة والراديكالية قدر خوفها من نظيرتها المعتدلة. فهذه الأخيرة هي الوحيدة القادرة على تهديد نفوذ أنظمة الطغيان العربية الحاكمة، سواء من خلال صناديق الاقتراع أو من خلال المظاهرات والانتفاضات السلمية. وهو ما يفسر إصرار هذه الأنظمة على التخلص منها.
ويرى الكاتب والمحلل السياسي خليل العناني، أن حرب الاستصال ضد الإخوان ستفشل حتما، مؤكدة أن النظم العربية لا تدرك أن التيار الإسلامي ليس مجرد تيار سياسي، وإنما هو أيضا تيار شعبي ذو قواعد تنظيمية قوية -بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع أطروحاته- يصعب اقتلاعها، ولا يمكن هزيمته من خلال القمع فقط. ويستدل على ذلك أن بلدانا كثيرة جرّبت قمع الإسلاميين على مدار العقود الماضية ولكنها فشلت، وذلك على غرار ما فعل جمال عبد الناصر، وحافظ الأسد، وحسني مبارك، وزين العابدين بن علي، ومعمر القذافي. كما أثبتت التجربة التاريخية أيضا أن الإسلاميين يعودون أكثر قوة في كل مرّة يتعرضون فيها للقمع والتنكيل .
ويرى في مقال له أن هذه السلطويات لا تقرأ التاريخ ولا تفهم دروسه، بل تصرّ على اجترار تجاربه كما هي، من دون تعلّم أو فائدة سوى تبديد أموالها وثرواتها. كما أنها تسعى لتوسيع رقعة الاحتراب والانقسام الأهلي في أكثر من بلد عربي، كما هي الحال في سوريا واليمن وليبيا ومصر. وينتهي إلى أن الحركات الإسلامية ربما قد تكون تراجعت في السنوات القليلة الماضية، سواء بفعل الضربات الأمنية القاسية التي تعرّضت لها ولا تزال، لكنها قطعا لم تمت، بل لا تزال حيّة بأفكارها وقضاياها. كما أن تواطؤ السلطويات العربية وتفريطها في قضايا عربية كثيرة مؤثرة -كقضية فلسطين والقدس- يمنح هذه القوى والتيارات إكسيرا للحياة، ويزيد أسهمها في الشارع العربي مؤكدا أنه لا جدوى إذن من الحرب على الإسلاميين؛ هي خاسرة ابتداء ليس فقط لكونها تكرارا لمحاولات مثيلة فشلت في تحقيق أغراضها، ولكن لكونها بالأساس تسير عكس منطق الأمور في منطقتنا.

من يملأ الفراغ الذي تركه الإخوان؟
وفي مقال له بعنوان "من يملأ فراغ الإخوان"، يرى الكاتب والمحلل السياسي ياسر الزعاترة أن السحق الأمني، أو ما دونه لا يعني نهاية الجماعات السياسية ذات الأيديولوجيا واسعة الانتشار والجذور الاجتماعية، والسبب أن قوة تلك الجماعات لا تقاس بعدد أفرادها، بل بظهيرها الشعبي، أو حاضنتها الشعبية، والدليل أنه ما إن تتغير الظروف أو يُسمح للناس بالتنفس والاختيار، حتى تتصدر تلك الجماعات الانتخابات.
ويضيف: «بوسعنا أنت نتذكر مثلا حالة "النهضة" في تونس بعد الثورة، وهي التي كانت مسحوقة أمنيا قبل ذلك، ثم حالة إخوان مصر في أكثر من محطة. أما الأهم، فيتمثل في أن محاولات بعض الأنظمة صناعة جماعات أو أحزاب تأخذ مكان الإسلاميين، قد باءت بالفشل، لأنها تمثيلية لا تنطلي على الناس. وحتى حين حدث ذلك بشكل عادي، لم تسجل تلك التيارات ذات الحضور الذي كان للإسلاميين، والسبب بالطبع هو وجود صحوة دينية، ولو كانت هناك ظروف مختلفة، وعبّرت تلك التيارات الجديدة عن ضمير الجماهير، فإن إمكانية تحقيقها لبعض النجاح واردة».
وينتقل الزعاترة إلى قضية أخرى مرتبطة بالموضوع، موضحا أنه في العام الماضي؛ قال قيادي فيما يعرف بـ"الحركة المدنية الديمقراطية" في مصر إن أحزاب وشخصيات الحركة فشلت تماما في ملء الفراغ السياسي والانتخابي الذي خلّفته جماعة الإخوان المسلمين بعد إقصائها من المشهد السياسي. مشيرا إلى أنه علق على ذلك بتغريدة في تويتر قائلا: "السياسة ليست سوقا للدجاج. تغيب شركة توريد، فتملأ الفراغ شركة أخرى".
وفي الأردن، حين أعطي ترخيص جماعة الإخوان لمجموعة خارجة عنها، كانت النتيجة هي عجز المجموعة الجديدة عن تحقيق حضور ذي قيمة، وبقيت الأصيلة هي الأكثر حضورا في مختلف الجولات الانتخابية الطلابية والنقابية والنيابية.
وينتهي إلى أن الجماعات السياسية ذات الجذور الأيديولوجية تحافظ على حضورها الشعبي، ما بقيت أفكارها سائدة، وما بقيت قضيتها الجوهرية حاضرة، حتى لو تم ضربها أمنيا، ما يعني أن هستيريا "الثورة المضادة" بمطاردة ما يسمى "الإسلام السياسي" ستنتهي إلى الخيبة، ليس فقط لأن جذوره حاضرة في وعي الناس ويمكن أن تتجدد وحسب، بل لأن المطالب التي عبّر عنها في الربيع العربي، ممثلة في الحرية والتعددية والعدالة الاجتماعية ورفض الفساد، مع نصرة قضايا الأمة الكبرى، ما زالت باقية، بل تزداد إلحاحا في ظل التراجعات الاقتصادية، بجانب الفشل الخارجي.