“رفع الحد الأدني للأجور”.. ما المصيبة التي يحضرها العسكر للمصريين؟

- ‎فيتقارير

"الحداية مبتحدفش كتاكيت والعسكر ملهومش خير في مصر"، يمكن اعتبار هذا المثل الشعبي ترجمة حقيقية لمواقف السفاح عبدالفتاح السيسي، رئيس عصابة الانقلاب العسكري، وأركان نظامه، خصوصا بعد حزمة التحفيز التي أعلن عنها السيسي مؤخرا بزيادة الحد الأدنى للأجور للعاملين في الجهاز الإداري للدولة من 2000 جنيه إلى 2400 جنيه، مع اعتزام حكومة الانقلاب فرض زيادة جديدة في سعر البنزين اعتباراً من مطلع إبريل المقبل، بقيمة تتراوح بين 25 قرشاً و50 قرشاً لكل لتر.
وحددت حكومة الانقلاب سعر برميل النفط في موازنة العام المالي 2020-2021 عند 61 دولاراً للبرميل، في حين شهدت أسعار الوقود العالمية ارتفاعاً أخيراً، بلغت فيه متوسطات سعر خام برنت نحو 71 دولاراً للبرميل، وهو ما يعني ارتفاع سعر البنزين المبيع في السوق المحلية خلال الربع الأخير من العام المالي الجاري، طبقاً لآلية التسعير التلقائي للمنتجات البترولية في مصر.

كيف ينفق المصريون؟
على مدار نحو ثماني سنوات، اتبع السفاح السيسي إجراءات مؤلمة للفقراء ومتوسطي الدخل في الدولة التي يعيش أكثر من ثلثها تحت خط الفقر، حيث تعاقبت قرارات رفع الأسعار بشكل غير مسبوق لمختلف السلع والخدمات، متجاهلة تحذيرات الكثير من المحللين من تداعيات هذه السياسة على استقرار البلاد.ولطالما ارتبط سؤال كيف ينفق المصريون رواتبهم بأذهان كثيرين في ظل الغلاء الفاحش، وهو ما دعا المقاول والفنان محمد علي إلى طرح السؤال ذاته في أحد تسجيلاته المصورة السابقة، التي أربكت عصابة السفاح السيسي على مدار ما يقرب من شهر.
فقد وجه المقاول المصري سؤالاً للسفاح السيسي وحكومته والإعلاميين المؤيدين للعسكر، حول كيف تعيش أسرة مصرية مكونة من 4 أفراد بالحد الأدنى للأجور الذي حددته الدولة بنحو 2000 جنيه شهرياً وكيفية إنفاق هذا المبلغ على البنود المعيشية الرئيسية من طعام وسكن وعلاج وتعليم وتنقل وغيرها.
وحتى الآن لم يخرج مسؤول واحد في حكومة الانقلاب، ليجيب عن السؤال الذي ظل ملازماً لملايين الأسر على مدار الشهر تلو الآخر خلال السنوات الست الأخيرة، قبل أن يوجهه المقاول المصري إلى عصابة الانقلاب.
تقول الناشطة سناء وناس :" ده مؤشر هام أغلب مشروعاتهم السكنية مغالي في تسعيرها لم يتم بيع وحدات متوسطة أو فخمة. استحقاقات المقاولين، لا توجد سيولة دعم البنوك للبيع الآجل بفائد 3% على 30 سنة! رفع الحد الأدنى للأجور لإنعاش السوق وهناك غلاء قادم أخطره رفع سعر خدمات مثل الوقود! حافز لمن ينتقل للإدارية! المهجورة ".
ويقول طارق محمود :" إستني الضربة اللي تقسم وسط المصريين في آخر الأسبوع. الحاج طارق عامر ناوي يرقص الجنيه المصري ويعومه". ويقول ابن محمود:" زيادة الأجور تعني زيادة الأسعار، ومن جهة أخرى زيادة الضرائب والرسوم، وهذا ما سيحرق عامل اليومية.

لا يكفي الخبز
ويظهر رصد لـ"الحرية والعدالة" أن أسعار السلع الغذائية التي تستحوذ وحدها على ما يقرب من 40 في المائة من إنفاق المصريين، قفزت بنسبة تصل إلى 300 في المائة في العديد من السلع، كما قفزت أسعار المنتجات البترولية بما يقرب من 800 في المائة والكهرباء نحو 400 في المائة، فضلاً عن استبعاد ملايين المواطنين من دعم البطاقات التموينية. وفي مقابل هذه الزيادات، خرجت حكومة الانقلاب قبل عامين لتعلن زيادة الحد الأدنى للأجور من 1200 جنيه إلى 2000 جنيه شهرياً، وهو مبلغ يكفي بالكاد الاحتياجات الأساسية فقط لأسرة مكونة من فردين بالغين وفق البيانات الحكومية.
وفي تقرير صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الحكومي في يوليو 2018 ، حول الدخل والإنفاق والاستهلاك للعام المالي 2017/ 2018 أي قبل ثلاث أعوام، اتضح أن الأسرة المكونة من فردين بالغين وطفلين تحتاج إلى 2691 جنيهاً، فيما تحتاج الأسرة المكونة من فردين بالغين وثلاثة أطفال إلى 3225 جنيها في الشهر.
وبحسب التقرير فإن النسبة الكبرى من رواتب المصريين تذهب في بند الطعام والشراب بمعدل متوسط 37.1 بالمائة، ثم 18.6 بالمائة إلى المسكن ومستلزماته، ثم الخدمة والرعاية الصحية والتعليمية بنسبة 9.9 في المائة، والتنقلات بنسبة 6.1 بالمائة، ثم الملابس بـ 4.8 بالمائة.
وأشار التقرير إلى أن نسبة الفقراء خلال ذلك العام هي الأعلى مقارنة بالأعوام العشرين السابقة، إذ بلغت معدل 32.5 بالمائة، مقابل 27.8 في المائة في تقرير 2015، بينما يشير خبراء اقتصاد إلى أن النسبة الحقيقية تتجاوز هذه المعدلات كثيراً. ورغم أن بيانات الجهاز الحكومي أشارت إلى الصعوبات المعيشية التي يواجهها المصريون إلا أن محللين يؤكدون أنها لم تنقل الصورة بشكل كامل، إذ إن الحد الأدنى للأجور المقدر بألفي جنيه لا يكفي احتياجات فرد بالغ وليس أسرة مكونة من فردين بالغين.

وعود من دخان
مرت سبع سنوات كاملة على انقلاب السفاح السيسي ، يسبقها عام كامل من إحكام قبضته على الحكم بعد الإطاحة بأول رئيس مدني منتخب في تاريخ المحروسة، الشهيد محمد مرسي، الذي جاء في أعقاب ثورة الخامس والعشرين من يناير 2011م التي أزاحت حسني مبارك من كرسي السلطة بعد 3 عقود.
وخلال السنوات الماضية أطلق السيسي وعودا وردية ثبت أنها مجرد وعود زائفة، بدءًا من جعله مصر "قد الدنيا" مع بداية العام الأول للانقلاب، مرورًا بالتعهد بأن يكون عام 2015 عام الرخاء، ثم مناشدته للمصريين بالصبر خلال الأعوام 2017 و2018 و2019 وصولًا لوعده الأخير بأن مصر ستكون "حاجة تانية خالص في يونيو 2020م"!
في سبتمبر 2018 قال السفاح السيسي في أثناء افتتاحه مجموعة من الفناكيش، بحضور كبار مسؤولي عصابة الانقلاب والإعلاميين الطبالين: "في 30 يونيو 2020 سنقدم دولة بشكل مختلف خالص غير اللي إنتم موجودين فيها، بجهد الدولة والحكومة والناس، وجهد ولاد مصر". وها هو الموعد الذي حدده السفاح قد مرّ مرور السحاب، ليبقى السؤال: هل بالفعل مصر باتت "حاجة تانية" كما وعد؟ سؤال انقسمت الإجابات بشأنه إلى قسمين، الأول يرى إنجازات السفاح صداحة مدوية تتمثل في شبكة الطرق والكباري والمشروعات السكنية، فيما يذهب القسم الثاني إلى أن مصر بالفعل أصبحت "حاجة تانية" لكنها "حاجة" سلبية، فقد تراجعت مكانة الدولة وهيبتها، كما تعرضت مواردها للسرقة لتجد الشريحة العظمى من الشعب نفسها في أتون الفقر أو على مشارفه.
أمواج متلاطمة من الفشل والتراجع يصدع بها المشهد المصري حيال عدد من الملفات، الداخلية والخارجية، فبينما تعزف وسائل الإعلام المطبلة للعسكر على أوتار التمجيد والإنجازات التي لا وجود لها إلا في مخيلة أنصار الانقلاب، هناك الملايين على مشارف الموت البطيء، إما من الفقر المدقع الذي تتسع رقعته يومًا تلو الآخر وإما من قهر السجون والمعتقلات.