رَمَضَانُ: كَيْفَ نُعَظِّمُ شَعَائِرَهُ؟

- ‎فيمقالات

شعائر الله -كما قال العلماء-: «هى أعلام دينه الظاهرة التى أمر بتعظيمها»، أو هى: «كلُّ أمرٍ وجبت طاعة الله فيه»، وعلى هذا فهناك شعائر مكانية مثل بيوت الله فى الأرض (المساجد)، وعلى رأسها بالطبع المساجد الثلاثة: الحرام، النبوى، الأقصى. وهناك شعائر زمانية، مثل: يوم الجمعة، العشر الأواخر، شهر رمضان إلخ. وقد قرن الله تعالى بين التقوى ومن يُعظِّم تلك الشعائر، قال سبحانه: (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) [الحج: 32]، (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ…) [الحج: 30].

ورمضان يشتمل العديد من الشعائر التى وجب الاحتفاء بها والاستبشار لقدومها وحمد الله على أن بلَّغنا إياها؛ منها: رؤية الهلال، الصوم، صلاة التراويح، ليلة القدر، العشر الأواخر، الاعتكاف، الإفطار، السحور، زكاة الفطر إلخ. وجميعها تصنع قلوبًا حية وأفئدة زكية، وتربى صاحبها على السمع والطاعة لله بارئ الأرض والسماوات، فضلًا عن تقوية الإرادة وشحذ الهمة وتهيئة النفس لجهاد لا قعود فيه.

ويأتى رمضان هذا العام بعدما حُرمنا موسمه السابق من صلاة المساجد والتراويح والاعتكاف وحتى سماع الأذان، فالنفوس والأرواح مهيأة هذه الأيام لاستقباله واغتنام فرصه التى لا تتكرر إلا مرة واحدة فى العام، فوجب علينا الفرح بهذا الزائر الكريم، بشتى ألوان الفرح المشروع، وعقد العزم على تعميره بالطاعات، والإكثار من العمل الصالح، والإقبال على الخير، وهجر السيئات، والإقصار عن الشر. وكيف لا نحتفى به وهو شهر القرآن (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآَنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ…) [البقرة: 185].

وقد كان رسول الله ﷺ يمهد لهذا الشهر، فيكثر الصوم فى شهر شعبان تهيئة للنفس لحسن استقبال رمضان. وكان ﷺ «أجود ما يكون فى هذا الشهر -لعلمه بفضله ومضاعفة الثواب فيه- حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه كل ليلة فى رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله ﷺ أجود بالخير من الريح المرسلة». وهو القائل ﷺ: «إذا جاء رمضان فُتِّحَتْ أبوابُ الجنة وغُلِّقَتْ أبوابُ النار وصُفِّدتْ الشياطين».

ومن وسائل تعظيم شعائر هذا الشهر الفضيل: قراءة القرآن وتدبره؛ لما فيه من حكم وعظات، ومن أسماء الله وصفاته، ومن آيات ومعجزات تشير إلى قدرته وعظمته، كذلك التفكر فى كون الله من حوله، ودعاء الله بصدق وتجرد، والتفكر فى أحوال الأمم الغابرة، والتقرب إلى الله بالطاعة بما يرقق القلب ويستدر عطف الرحمن الرحيم.

إننا أمام موسم روحى ممتد (30يومًا) نختبر فيه صدق نياتنا ودرجة إيماننا ومقدار حبنا لله وشرعه وشعائره، ولا ينفلت هذا الموسم وتنقضى أيامه إلا بسبب الغفلة، أما أهل العزم فإنهم ماضون إلى ما أُمروا به من الإحسان، شعارهم: «اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك»، مخلصون فى توجههم وعبادتهم لخالقهم؛ (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) [البينة: 5].

ولسوف يظل رمضان وإخوته من باقى شعائر الدين هى الشاهد والدليل على صمود عُرى الإسلام وسلامة بنيه، فما يعظِّمها الآن، والمسلمون يُتَنَاوَشُون من كل مكان وقد تداعت عليهم الأمم من كل حدب وصوب، إلا كل ذى لب واع وإيمان راسخ، مؤملين فى وعد الله بأن تكون العقبى لهم؛ (وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران: 139]، فهم متوجهون بكليتهم إلى الله تعالى فلا رب غيره ولا معبود سواه؛ (إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي) [طه: 14]، وكتاب الله هو دستورهم ومنهاج حياتهم؛ (وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [الأنعام: 155].