تركيا لم تكن يوما على الحياد في المسألة الليبية، أعلنها الرئيس التركي رجب طيّب إردوغان صراحة منذ البداية أنه يقف إلى جانب حكومة الوفاق الشرعية في طرابلس، لا شيء في العلاقات بين الدول يحصل بالمجّان، فالتدخّل العسكري التركي في ليبيا سبقته اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين طرابلس وأنقرة، ليوجّه من خلالها أردوغان ضربة مباشرة إلى خصومه اليونان وعصابة الانقلاب بمصر وكيان العدو الصهيوني في حربه معهم على مكامن وخطوط أنابيب الغاز تحت مياه البحر المتوسّط.
على مدار الأعوام العشر التي سبقت الثورة الليبية، فازت تركيا تقريبا بجميع عقود البناء المربحة في ليبيا، وبالتالي كان هناك ما يصل إلى 30 ألف مواطن تركي يعملون ويمارسون أعمالهم في ليبيا، واتهم العديد من المنتقدين تركيا بأنها براجماتية في ديمقراطيتها ودفاعها عن حقوق الإنسان، ويرى مراقبون أن براجماتية الموقف التركي قائمة على واقعية السياسة الخارجية التركية التي تسعى كما تفعل القوى الغربية إلى موازنة المكاسب والخسائر المحتملة التي تؤثر على مصالحها الوطنية قبل إنتاج سياسة تدخل نحو ليبيا.
بين أنقرة وطرابلس
قال المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن إن قوات بلاده المنتشرة في ليبيا ستظل هناك ما دام الاتفاق الثنائي العسكري قائما بين أنقرة وطرابلس، وما دامت الحكومة الليبية تطلب ذلك.
وأوضح قالن أن القوات التركية موجودة في ليبيا وفقا للاتفاقية الأمنية والعسكرية التي أبرمت معها، وأن تلك القوات مستمرة في تقديم التدريب والمشورة.
من جهته يقول الكاتب والمحلل السياسي، السنوسي بسيكري؛ إن "الاتجاه التركي الجديد يشير إلى إمكان قبول أنقرة بإعادة النظر في الاتفاقية الأمنية والعسكرية، ويمكن أن يكون خيار التجميد مناسبا للطرفين، حتى إذا تأكد استبعاد شبح الحرب، وانتقلت البلاد إلى مرحلة أكثر استقرار، فيتم إلغاؤها".
ويعتقد المحلل السياسي أنه "إذا تم بالفعل تجميد الاتفاقية الأمنية والعسكرية بين طرابلس وأنقرة، فإن آخر ذرائع الأطراف الإقليمية والدولية التي كانت سببا رئيسيا في تأزيم الوضع قد تلاشت، وصار الوضع ممهدا أكثر لتثبيت أقدام السلطة الجديدة على الساحة الدولية، ليكون ثباتها محليا تحصيل حاصل".
أما إذا نكثت الأطراف الدولية والإقليمية عهدها مرة أخرى، فإن وضع تركيا في المعادلة الليبية سيكون أكثر صدقية وموثوقية، وستكون قوات الغرب الليبي جاهزة كما كانت في العدوان على طرابلس لتتكامل مع القوة التركية الجوية الضاربة.
ومنذ بداية انقلاب الجنرال ذو الجنسية الأمريكية "خليفة حفتر" أيقن إردوغان خطورة وضع حكومة الوفاق الشرعية، وأن إمداد مدينتي طرابلس ومصراته بالسلاح لم يعد كافيا، وعلم وقتها وقبل ثلاث سنوات من الآن أن الوقت قد حان للتدخّل المباشر لإعادة التوازن في المعركة، فأرسل في الثاني من شهر يناير 2020 طلباً إلى البرلمان للموافقة على إرسال قوات إلى ليبيا، وحصل بعد خمسة أيام على الموافقة.
هكذا دخلت تركيا مباشرة في عين المعركة، ضبّاطها خبروا قتال الجيوش النظامية وحرب الشوارع الضيّقة، نظّموا الصفوف على الأرض وفعّلوا طائراتهم المُسيّرة في السماء، غارات على مدار الساعة، وقصف متواصِل أربك قوات الانقلابي خليفة حفتر.
تم تأمين طرابلس على نحو كبير، ساعدتها على ذلك بنحو حاسم استعادة قوات الوفاق السيطرة الكاملة على مدينة غريان وقاعدتها العسكرية، وهي النكسة الأساسية لحفتر، الذي خسر مقر قيادته الرئيسي في المواجهة، وخط الإمداد من شرق ليبيا إلى غربها.
الغرب المُنقسِم
نجحت حكومة الوفاق في إعادة التوازُن العسكري مع حفتر، وتمكّن إردوغان من تثبيت أقدامه في ليبيا، وسجّل أهدافا في مرمى عصابة شيطان الإمارات وحليفه السفاح السيسي بمصر، بينما يقف الغرب المُنقسِم عاموديا حول تَرْكَة القذافي مُتفرّجا، فهمّ فيروس كورونا يثقل كاهله حاليا.
يقول المحلل الليبي والكاتب عماد فتحي :"لولا التدخل التركي في ليبيا لما كان هناك شيء اسمه طرابلس ولا كنا نسمع بالانتخابات كانوا يريدون ان ينصبوا عجوز الرجمة حاكما عسكريا بالقوة و تدمير العاصمة على رؤوسنا".
مضيفاً:"التدخل التركي اوقف تلك المجازر و وضع علوج بن زايد و السيسي و ماكرون و بوتين في حجمهم الحقيقي".
من جهتها شنت سميرة العزابي الناطقة باسم "حزب العدالة والبناء" في ليبيا هجوما على وزيرة الخارجية بحكومة الوحدة الوطنية نجلاء المنقوش، وجاء الهجوم على خلفية دعوة وزيرة الخارجية لانسحاب القوات التركية من البلاد.
واعتبرت العزابي أن "دعوة المنقوش أمر يثير الاستغراب، زاعمة تواجد مرتزقة آخرين وورود تقارير دولية تفيد بتوريد شحنات سلاح إلى المشير خليفة حفتر".
وقالت: "وزيرة الخارجية لا تدرك أن القوات التركية المتواجدة في ليبيا جاءت دعما للاستقرار وبناءا على اتفاقية رسمية وأنهم ليسوا قوات مرتزقة".
وأضافت: "حسب خارطة الطريق التي جاءت بالحكومة، فإن الاتفاقيات الدولية الموقعة تعتبر خارج مهام حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة والمجلس الرئاسي.
وكانت المنقوش قد أدلت بكلمة خلال جلسة استماع مع لجنة الشؤون الخارجية بمقر مجلس النواب الإيطالي في روما قالت خلالها إن الحوار قد بدأ مع تركيا ومصممون على انسحابها من ليبيا.
ويعلق الناشط محمود كبرة بالقول :" وتخرج العلمانية الملحدة وزيرة خارجية حكومة ليبيا المؤقتة التي لولا تركيا كان ممكن أن تغتصبها عصابات حفتر لو وصلوا العاصمة لاسامح الله لتقول في إيطاليا لتخرج تركيا من ليبيا".
من ناحية أخرى، فإن عصابة الإمارات والسعودية وفرنسا وروسيا والسفاح السيسي بمصر تدعم حفتر وقواته غير الشرعية سياسيًا ولوجستيًا، ويتماشى الدعم الدبلوماسي والعسكري الذي قدمه له التحالف السعودي الإماراتي بشكل مباشر مع محاولتهما مقاومة الثورة الليبية والحركات الديمقراطية في الدولة العربية تحت مسمى القتال ضد ما يسمى "المتطرفين".
ويعد دعم أنقرة لحكومة الوفاق الوطني أحد قرارات السياسة الخارجية العديدة التي وضعتها أنقرة لمواجهة عصابة الانقلاب بمصر وحلفائها من دول الخليج، مما دفع بعض المحللين إلى وصف الصراع الليبي بأنه حرب بالوكالة الإقليمية.
ووقعت ليبيا وتركيا اتفاقيتي تعاون عسكري واقتصادي في نوفمبر 2019، حيث يواجد بموجب الاتفاقية العسكرية مستشارون عسكريون، يقدمون الدعم للجيش الليبي التابع للحكومة في طرابلس.