«الاختيار 2» أكاذيب الدراما بين “مثلث ماسلو” ونظرية “صناعة العدو”

- ‎فيتقارير

بعد أن اغتصب الطاغية عبدالفتاح السيسي الحكم عبر انقلاب عسكري مكتمل الأركان في 3 يوليو 2013م على المسار الديمقراطي لثورة يناير الذي لم يستمر سوى عامين ونصف العام، مدعوما من السعودية والإمارات والكيان الصهيوني؛ اعتمد النظام لبناء سلطوية جديدة أكثر قمعا وطغيانا على ثلاث آليات:
الأولى، هي الاستغراق في صناعة العدو الداخلي والخارجي وتوظيف الخطاب السياسي والإعلامي وجميع مؤسسات الدولة التنفيذية والقضائية والتشريعية والدينية لنسج الأكاذيب حول هذا العدو "الوهمي" (الإرهاب ـ داعش ــ الإخوان ــ تركيا ــ قطر ــ المؤامرة الكونية ــ الزيادة السكانية ـ منظمات المجتمع المدني ــ وصولا إلى الأحزاب المعارضة للسيسي والتي شاركت في الانقلاب بناء على تقديرات خاطئة لم تعتمد على معلومات دقيقة أو استنتاجات صحيحة). فصناعة العدو تتم عبر مراحل عديدة تتمثل في وجود أيديولوجيا (فكر معتدل أو متطرف يتم تشويهه أو تضخيمه والمبالغة فيه وشيطنته وشيطنة أصحابه) ثم وضع استراتيجية محددة وخطاب شيطنة تبريرا للقمع والفتك به، وثالثا توجيه صناع الرأي من الإعلاميين والمثقفين لشيطنة هذه الإيديولوجيا وأصحابها، وأخيرا، تحديد آليات توظيف القوة والعنف لشرعنة القتل والإبادة الوحشية.
الثانية، التخويف المستمر من أكذوبة "هدم الدولة" والفوضى وحكم ما يسمى "بالإرهاب" والإلحاح على الخلط العمد بين مفهومي الدولة والنظام والتلاعب بهذه المفاهيم لتكريس حالة من اللاوعي تضع الرئيس ومؤسسات الحكم موضع الدولة والوطن بحيث تصير المعارضة للنظام معارضة للدولة ذاتها وخيانة للوطن.
الآلية الثالثة، هي توظيف الآليتين الأولى والثاني للتغطية على أكبر جريمة بحق الوطن والشعب تتعلق بتبرير جريمة الانقلاب وما تلاه من مذابح وذلك عبر التوسع في سياسات القمع والبطش دون توقف وبشكل وحشي وغير مسبوق استهدف جميع الذين شاركوا في ثورة 25 ينار 2011م، بدءا من الإسلاميين فالألتراس (أهلاوي ــ وايت نايتس وغيرها) وصولا إلى الحركات الشبابية ومنظمات المجتمع المدني والأحزاب التي تعارض النظام من داخل منظومته السياسية والقانونية؛ في سياق ما تسمى بالحرب الوقائية لإجهاض أي خصم محتمل أو حراك سياسي وشعبي جديد كما جرى في يناير».

أنماط الدعاية والحملات السوداء
وفق آليات عمل الدعاية، فهناك 3 أنماط من أساليب الإقناع، تشمل أساليب عقلية وعاطفية وأساليب التخويف:
1) الأول يعتمد على الحقائق والأدلة المنطقية والشواهد والإحصائيات مثل مستوى الدخل ومعدلات النمو وجودة الخدمات.
2) الثاني، يخاطب المشاعر عبر رفع الشعارات الرنانة التي تكون في غالبها خالية من المضمون.
3) الثالث، فيعتمد على إشاعة الخوف وتهديد الأمن والسلامة، وشن حملات الدعاية السوداء لشيطنة طرف أو جهة لتبرير قتله وإبادته أو على الأقل تبرير الانتهاكات والمظالم بحقه واعتباره فعلا مشروعا.
لا تستطيع الأنظمة الدكتاتورية أو الاستبدادية في بلاد العرب والمسلمين وغيرها أن تحيا بلا عدو تبتكره، تؤجل بحجته أي مطالبة باحترام الحقوق أو تحقيق نمو اقتصادي أو مكافحة الفساد؛ فصناعة العدو وإشاعة الخوف في قلوب الحماهير: سر استمرارية أنظمتنا العربية؛ فتحشد وسائل الاعلام، في النظم الاستبدادية قواها من أجل التضخيم من الأخطار والتهديدات وحجم المؤامرات التي يحيكها الأعداء سواء كانت حقيقية أو مزيفة، من أجل إشاعة الخوف والهلع في قلوب الجماهير.
«صناعة العدو في النظم الاستبدادية لا تتم عفوياً، وإنما تستند إلى أسس ونظريات علمية، هدفها ترسيخ الخوف وإفقاد الجماهير الإحساس بالأمان، وفق تخطيط استراتيجي، تعمل عليه الأجهزة الأمنية والمخابراتية والآلة الاعلامية. فصناعة العدو هي صناعة خوف يمنع تطلع الشعوب إلى التغيير، ويدفعها إلى قبول قرارات وسياسات وممارسات النظام الاستبدادي مهما كانت ظالمة او مجحفة، خشية ذلك الخطر الداهم والتهديد المجهول. "فالعدو وحده ومؤامراته الدنيئة هي المسئولة عن الفشل والأزمات التي تواجه الشعوب التي ترزخ تحت نير الاستبداد، فيما تواجه النظم الحاكمة هؤلاء الأعداء وتحبط مؤامراتهم فتحافظ على مؤسسات الدولة وأمن الشعب". تلك الرسالة التي دائماً يحاول أن يروجها الإعلام الشمولي تجد صداها لدى الجماهير الجائعة والخائفة، التي بدورها لا تستطيع مواجهة آلة البطش والقمع الجبارة فتلجأ وربما لا شعورياً ووفق ما يسمى سيكولوجياً بالحيل الدفاعية، إلى تحميل معاناتها لهؤلاء الاعداء».

احتياجات الأمان ومثلث "ماسلو"
ووفق هرم الاحتياجات الانسانية المتدرج الذي وضعه العالم الامريكي الشهير ابراهام ماسلو، فان الاحتياجات التي تحرك دوافع السلوك الإنساني تنتظم بشكل تصاعدي، قاعدته الاحتياجات الفزيولوجية الأساسية التي تشمل المأكل والمشرب والجنس لضمان بقاء الحياة واستمرار النوع. فاذا أشبعها تطلع نحو حاجته إلى الأمن والسلامة، ليأتي بعدها بحثه عن حاجاته للعلاقات الاجتماعية ثم تقدير واحترام الذات وصولاً إلى تحقيق الذات. ووفقاً لهذا النموذج، فإن النظم الاستبدادية حريصة دائماً على أن تبقى شعوبها في أسفل هرم الاحتياجات الإنسانية، فلا تنشد سوى تحقيق ما يضمن بقاءها وأمنها، ولا تتطلع نحو الاحتياجات الأكثر رقياً والتي يمكن تفسيرها سياسياً ومجتمعياً بأنها تشمل احترام حقوق الإنسان وضمان الكرامة وصيانة مناخ الحريات والابداع.
ولعل هذا يفسر أسباب العبارة الشهيرة التي تروج لها آلة النظام الإعلامية: (مش أحسن ما نبقى زي سوريا والعراق)"، لإقناع الجماهير بأن تتحمل فشل سلطة العسكر وقمعها وفق معادلة الأمن مع الدكتاتورية خير من الفوضى مع الديمقراطية، رغم أن هذه الفوضى التي أعقبت ثورات الربيع العربي ما كانت إلا فعلا مدبرا من المؤسسات الأمنية للدولة العميقة التي رأت في الربيع العربي تهديدا لوجودها ومصالح رعاتها الإقليميين والدوليين فكان بيان الانقلاب في 3 يوليو 2013 الذي لم يكن ليحدث لولا مظاهرات 30 يونيو التي ثبت أنها كانت مدبرة ومفتعله من جانب الجيش والمخابرات برعاية إسرائيلية إماراتية سعودية وبضوء أخضر أمريكي.