11 مليار جنيه إلى جيوب الضباط.. تبرعات رمضان لا يستفيد منها الفقراء

- ‎فيتقارير

التبرعات والصدقات الرمضانية تحولت في عهد الانقلاب إلى بيزنس يهيمن عليه اللصوص والحرامية ويحكمه قانون الفساد والسرقة بحيث لا يصل للفقراء والمحتاجين منه شيء. وهكذا تتوافق أجهزة الانقلاب على حرمان الجوعى والمشردين حتى تمتلئ بطون الضباط وتتضخم أرصدتهم في البنوك بينما يموت أكثر من نصف الشعب جوعا وفقرا وحرمانا.
ورغم أن نظام الانقلاب يعلم جيدا أن أكثر من 60% من سكان مصر يعيشون تحت خط الفقر حسب تقديرات البنك الدولى ما يجعلهم يتسولون من أجل الحصول على الغذاء والاحتياجات اليومية إلا أن الأجهزة الانقلابية تصر على تجويع هؤلاء وحرمانهم من أبسط حقوقهم الأساسية (الطعام).
ومع قدوم شهر رمضان تتدفق التبرعات المادية والعينية على العديد من المؤسسات، مثل المستشفيات ودور الرعاية الصحية وبنوك الطعام ومؤسسات المجتمع المدني، وهي المؤسسات التي ترفع شعار رعاية الفقراء وسد رمق الجوعى ومساعدة المحتاجين والأرامل والمطلقات والغارمين وغيرهم. ولذلك لجأ نظام الانقلاب إلى تنظيم حملات إعلانية مسعورة ومكثفة على مدار الساعة تدعو إلى التبرع لمؤسسات عدة، منها مستشفى (57357) لعلاج سرطان الأطفال، وبنك الطعام المصري، ومؤسسة مصر الخير، وبنك الشفاء، ومؤسسة مجدي يعقوب للقلب، والمعهد القومي للأمراض – مستشفى 500500، ومستشفى أبو الريش للأطفال، وجمعية رسالة، ومعهد الكبد، والمعهد القومي للأورام، وجمعية الأورمان، ومستشفى أهل مصر لعلاج الحروق، ومستشفى الناس للأطفال وغيرها.
هذه الحملات أثارت تساؤلات المصريين: أين تذهب أموال التبرعات؟ ولماذا لا يستفيد منها الفقراء والمساكين على النحو المأمول؟ ولماذا لا تخصص لعلاج الفقراء فى وقت تمتنع فيه هذه المستشفيات عن علاج من لا يملك المال؟

حرب على الجمعيات الخيرية
نظام الانقلاب تسلط على الجمعيات الخيرية وأغلق معظمها حتى يتمكن من الاستيلاء على أموال التبرعات.. حيث كانت هناك حوالى 48 ألفا و300 جمعية خيرية، منها 29 ألف جمعية نشطة ، تجمع ما يزيد علي 80% من التبرعات السنوية خلال شهر رمضان فقط، والعدد الأكبر من هذه الجمعيات موجود فى القاهرة والجيزة والإسكندرية، حيث يوجد بالقاهرة 8899 جمعية، والجيزة نحو 4683 جمعية.
كانت هذه الجمعيات الخيرية قبل عهد الانقلاب قد قدمت حملات ومبادرات خيرية وبرامج تطوعية متعددة، هدفها إيصال الزكاة والصدقات والمساعدات الغذائية ، للأسر المحتاجة والعمالة اليومية، واستطاعت الانتشار فى ربوع المحافظات، والانطلاق نحو القرى والمناطق الأكثر فقراً، إلى جانب الخدمات الصحية والعلاجية، والأنشطة الإجتماعية مثل تزويج الفتيات أو إنقاذ قرى الصعيد من الفقر.
وتكشف البيانات أن تبرعات المصريين من خلال رسائل التليفون المحمول بلغت 24.6 مليون جنيه، وتشير الأرقام إلى أن مستخدمى الهاتف المحمول أرسلوا حوالى 4.9 مليون رسالة نصية للتبرع للجمعيات الخيرية، وهو ما وفر 24 مليون جنيه لـ 52 منظمة محلية عام 2017.. فيما يقدر البعض تبرعات المصريين فى عام 2021 بـ 11 مليار جنيه.

فساد للركب
من جانبه تساءل الخبير الاقتصادي مصطفى عبد السلام: أين تذهب تبرعات رمضان؟ مشيرا إلى أن بعض المؤسسات والحملات الإعلانية تعمل بكل الوسائل على إقناع المصريين بالتبرع بزكاة أموالهم وصدقاتهم عبر إعلانات مبهرة وإبراز مآسي الفئات المستهدفة بالتبرعات، بل والمتاجرة بتلك المأسي مع إبراز الدور المجتمعي الكبير لها، مثل إطعام الفقير وفك كرب الغارمين ودعم الخدمات الصحية وعلاج الأمراض المزمنة، مثل السرطانات والأورام والقلب.
وقال عبد السلام فى تصريحات صحفية، رأينا قيادات بعض هذه المؤسسات مثل اللواء ممدوح شعبان، رئيس جمعية الأورمان، ينفي وجود فقراء في مصر من الأصل وذلك في تصريحه الشهير في العام 2018 مؤكدا أنه رغم الزخم الذي يحيط بهذه المؤسسات مع كل شهر رمضان إلا أن المؤشرات الأولية تقول إن تبرعات هذا العام تراجعت بسبب الوضع الاقتصادي العام، وتداعيات جائحة كورونا على الاقتصاد ومعيشة المواطن وغلاء الأسعار.
وأضاف: قد يكون التراجع لأسباب أخرى، منها تشكيك البعض في ذمة القائمين على هذه المؤسسات، وأن نسبة كبيرة من أموال التبرعات تذهب لأغراض لا علاقة لها بالدور المنوط بها مثل الإعلانات وجيوب الموظفين وكبار قيادات هذه المؤسسات المتلقية للتبرعات، بل وقد تذهب لجهات حكومية لا علاقة لها بأنشطة تلك المؤسسات الخيرية، مثل هيئة الصرف الصحي.
وذكر عبدالسلام بالحملة التي قادها الكاتب والسيناريست الراحل وحيد حامد على مستشفى 57357 لعلاج سرطان الأطفال في عام 2018، ونشره وثائق ومستندات رسمية تشير إلى وجود فساد وإهدار أموال تبرعات المستشفى وتقدم حامد ببلاغ لنائب عام الانقلاب ضد مدير المستشفى يتهمه بالفساد، واستغلال النفوذ، وتعيين الأقارب والمحاباة.
وأشار إلى أن من صور الفساد وإهدار المستشفى للمال العام التي رصدها حامد في بلاغه، أنه وجد في تقرير المراقب المالي عام 2017، أن قيمة التبرعات التي تلقتها مستشفي 57357 بلغت أكثر من مليار جنيه، وأن أجور الموظفين التهمت وحدها 281 مليون جنيه ، في حين التهمت الإعلانات 136 مليون جنيه، وأن المخصص لعلاج الأطفال بلغ 164 مليون جنيه فقط كما أن الميزانية التقديرية لعام 2018 تصل إلى 400 مليون جنيه، أي أقل كثيرا من قيمة التبرعات، وأن إدارة المستشفى تبرعت لهيئة الصرف الصحي بمبلغ 37.5 مليون جنيه بشكل غير قانوني!
وشدد عبدالسلام على ضرورة مطالبة المتبرعين تلك المؤسسات المتلقية للتبرعات بالإفصاح عن مصير تبرعاتهم، وأن تقدم كشوف حساب موثقة تبرز حجم الإيرادات والمصروفات، وأوجه الإنفاق، ونسبة نفقات الإعلانات ورواتب الموظفين والإداريين. ولفت إلى ضرورة أن تنشر تلك المؤسسات التي تتلقى تبرعات بمليارات الجنيهات سنويا مراكزها المالية في نهاية كل عام، والكشف عن حجم التبرعات التي تلقّتها، وتكلفة الحملات الإعلانية، وما إذا كانت هذه الحملات الدعائية وغيرها تقتطع نسبة كبيرة من أموال التبرعات أم لا.

جرس إنذار
وطالب الدكتور سعيد صادق، أستاذ علم الاجتماع السياسى بالجامعة الأمريكية، بإعادة ترتيب العمل الخيرى والاجتماعى، من خلال التنسيق بين المؤسسات والجهات المانحة للتبرعات مع عمل قاعدة بيانات فى 27 محافظة، لإحكام الرقابة والمتابعة عليهم والاطلاع على ذممهم المالية أولاً بأول، بحيث يتم استبعاد من سبق إعانته، منعاً لإهدار أموال التبرعات والصدقات أو سوء التصرف فيها وتوجيهها لغير مستحقيها.
وقال صادق فى تصريحات صحفية، إن هذه الإجراءات تسهم فى إضفاء الشفافية فى العمل الخيرى والتطوعى، وتعظيم الاستفادة من هذه التبرعات ومنع التلاعب بها من قبل الجمعيات أو من قبل المحتاجين أنفسهم، مشددا على ضرورة الاعتماد على الكروت الذكية المدرج فيها أسماء الفقراء والمحتاجين بعد التحرى عن حاجتهم وظروفهم بشكل دقيق ودورى.
واعتبر أن إعلانات التبرعات الخيرية، هى بمثابة جرس إنذار يذكرنا بالواجبات التى تفرضها المسئولية الاجتماعية على الجميع، لكنها بحاجة إلى تنظيم وإشراف كامل، حتى يتمكن المزكى من معرفة شروط وجوب الزكاة، وآلية دفعها، واستثمارها، وتحصيلها، وحسابها، وأنواعها، ومصارفها. وشدد صادق على ضرورة إيجاد آليات جديدة لدعم حملات التبرع والدعوة إلى الإكثار منها، وتشجيع وتعزيز المبادرات المجتمعية والعمل التطوعى، لإحداث مزيد من التماسك للبنيان الاجتماعى، وتحقيق التكافل والألفة والترابط الاجتماعى والعدالة الإنسانية وحفظ كرامة المستحقين.