انتفاضة “رأس العامود”.. دماء مرابطي الأقصى تفشل اتفاقات “إبراهام” ومقامرات اليمين الصهيوني

- ‎فيتقارير

بعد صمت عربي رسمي ومسسلسل نجس من التطبيع وفق اتفاقات إبراهام الصهيونية التي رعتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، تأتي انتفاصة رأس العامود الفلسطينية، لتجدد دماء القضية الفلسطينية التي يجري ردمها من قبل حكام خونة وإدارة فلسطينية واهية، خطواتها تأتي متراجعة بمراحل عن شعب فلسطين الأبي.
جاءت هبة المقدسيين لتعيد القضية الفلسطينية إلى صدارة المشهد العالمي من جديد بعد أن وجد الفلسطينيون أنفسهم في مواجهة مكشوفة مع محاولات التهويد والتهجير التي لم تتوقف لحظة تحت سمع وبصر حكام العرب ومؤسساتهم الرسمية، بل وبدعم من بعض الحكام الخونة. ومع ثبات الفلسطينيين وهبتهم وانتفاضتهم ضد بطش الصهاينة الذين يستهدفون باستمرار اقتحام المسجد الأقصى ـ أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ـ وقد حاولوا قبل شهور اقتحامه بنحو ألفي مستوطن و إقامة طقوس دينية تلمودية ينقلها العالم، انسحبت اليوم قطعان المستوطنين والقوات الصهيونية، وذلك بعد حصار استمر لأربع ساعات من اقتحام الحرم القدسي وإغلاق المسجد الأقصى، ووقعت مواجهات عنيفة بين المرابطين وجنود الاحتلال وقطعان المستوطنين، في يوم توحيد القدس وفق الروايات الصهيونية إشارة لاحتلال الصهاينة القدس في العام "1967"م.
وفي صباح الإثنين 10 مايو 2021م، دوَّت أصوات قنابل الصوت والمسيلة للدموع والرصاصات المعدنية لإرهاب المصلين المسلمين في باحات الأقصى المبارك، حيث فتحت مليشيات الاحتلال وابلا من الرصاص المطاطي وقنابل الصوت وأخرى مسيلة للدموع، أثناء اقتحامها باحات المسجد الأقصى بشكل مفاجئ ومهاجمتها للفلسطينيين.
ساحة حرب

بدا المشهد أشبه بساحة حرب لكنها غير متكافئة مع سقوط العشرات من المصلين مصابين رغم محاولاتهم تفادي الذخيرة التي لم تتوقف مترافقة مع أصوات قنابل الصوت والمسيلة للدموع.
وكان مئات الفلسطينيين في باحات المسجد وعلى مقربة من "باب المغاربة" في الجدار الغربي من المسجد عندما استبق صوت الرصاص وقنابل الغاز والصوت رؤية القوات وهي تقتحم المسجد. وحاول الكثير من المصلين الاحتماء من الرصاص والقنابل العشوائية باللجوء إلى المصلى القبلي المسقوف، فيما تصدى عشرات الشبان لقوات الاحتلال برشقها بكل ما طالته أيديهم من حجارة وكراسٍ بلاستيكية.
وبدت القوات الإسرائيلية، وكأنها تتقدم بخطة عسكرية مدروسة، إذ بدأت بالتقدم من "باب المغاربة" في الجانب الغربي للمسجد، ثم وصلت مدخل المصلى القبلي المسقوف، وتقدمت من هناك إلى سطح المصلى المرواني في الجانب الشرقي للمسجد. ومن ثم تقدمت مجموعة من القوات، التي استخدمت في كل تحركاتها كمية كبيرة من الذخيرة، باتجاه صحن قبة الصخرة، ولاحقا عبر المنطقة الشرقية للمسجد حتى الأبواب الشمالية.
وقال شهود عيان لـ"الأناضول"، إن القوات الإسرائيلية أطلقت وابلا من قنابل الصوت والمسيلة للدموع باتجاه آلاف المصلين الذين تواجدوا في المسجد القبلي قبل أن تقوم بإغلاق أبوابه بالسلاسل الحديدية. وقال "فراس الدبس"، مسؤول الإعلام في دائرة الأوقاف الإسلامية بالقدس، للصحفيين: "هناك عشرات الإصابات في المسجد الأقصى، والشرطة الإسرائيلية لا تسمح بوصول طواقم الإسعاف". وأضاف: "شرطة الاحتلال تعتقل كل الإصابات الخارجة من باب الأسباط".
وقال الهلال الأحمر الفلسطيني ، إنه سجل "أكثر من 215 إصابة خلال مواجهات مع قوات الاحتلال في المسجد الأقصى ومحيط البلدة القديمة". ولفت الهلال الأحمر الفلسطيني إلى "إصابة عدد من مسعفيه العاملين بمحيط الأقصى والبلدة القديمة"، وشوهد أحد أفراد الشرطة الإسرائيلية وهو يعتدي بالضرب على أحد المسعفين.
وأشار الهلال الأحمر إلى أن "قوات الاحتلال الإسرائيلي تمنع طواقمنا في القدس من الوصول إلى المسجد الأقصى لتغطية الأحداث وتقديم الإسعافات". كما اعتدت القوات الإسرائيلية على الصحفيين عند "باب الأسباط" أحد أبواب المسجد الأقصى، أثناء تغطيتهم للأحداث، ما أدى إلى إصابة عدد منهم. فيما تتصاعد المناشدات من داخل الأقصى لتوفير أنابيب أكسجين للمصابين العالقين داخله، وأن العديد من المصلين الصائمين، خاصة كبار السن كانوا في حالة صعبة بعد إطلاق الشرطة الإسرائيلية قنابل مسيلة للدموع.
وقال مصلون في المصلى المرواني إن الشرطة الإسرائيلية أطلقت غاز الفلفل على المتواجدين فيه، كما حاصرت العديد من المصلين في قبة الصخرة. وفي ساحات المسجد كان بالإمكان رؤية كميات كبيرة من الحجارة تختلط مع مخلفات قنابل الصوت والمسيلة للدموع، بجوارها عدد من سجادات الصلاة التي جلبها معهم المصلون، بحسب شهود عيان.

تحويل القدس العربية إلى "جيتو"
ووفق عزمي بشارة، مدير المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، فان التصعيد الصهيوني في حي الشيخ جراح وراس العامود والمسجد الاقصى، لا يتعلق بقرار قضائي للمحاكم الإسرائيلية، بل بنضال فلسطيني لمنع تحول القدس العربية إلى مجرد جيتو لأقلية في محيط يهودي، وهو ما يجري شعبياً من دون قيادة سياسية ضرورية لتحويل الفعل الميداني إلى نتيجة سياسية، وهو ما تتحمل مسؤوليته السلطة الفلسطينية التي لم تتعظ من فشل كل مسار أوسلو، ولا تزال ترفض سلوك أي طريق لمواجهة الاحتلال.
وعلى الرغم من خطورة ما يجري من تهجير المقدسيين من المنازل والتي يجسد نكبة عام 1948، ما زال الحكام العرب لا يملكون إلا الشجب والإدانة، فيما تصدر التعليمات الأمنية والمخابراتية للبرلمان المصري والإعلام التابع لسلطات الانقلاب بعدم التعرض لقضية الأقصى، فيما يحشد الصهاينة في حي الشيخ حراح قطعان المستوطنين لاقتحام الحي والتظاهر بداخله ورفع الأعلام الصهيونية وتصوير الأمر بأن الأمور مستقرة في القدس والأقصى للصهاينة.
بينما حمّلت الفصائل الفلسطينية الإثنين، الاحتلال الإسرائيلي، المسؤولية عن "المجزرة" التي تحصل على القدس والأقصى، محذّرة من تماديه بالعدوان على الشعب الفلسطيني. وأكدت الفصائل جهوزية المقاومة، داعيةً في الوقت نفسه المجتمع الدولي لتحمّل مسؤولياته ووقف جرائم الحرب الإسرائيلية وسياسات التطهير العرقي.
من جانبه، قال بيان لحركة حماس وقعه القيادي سامي أبو زهري إن ما يجري في المسجد الأقصى هو مجزرة حقيقية وجرائم حرب، وذلك بالتزامن مع نية مستوطنين اقتحام المسجد أمس . وأضاف بيان الحركة أن ما يحدث في المسجد هي "حرب دينية يمارسها الاحتلال، وهي دليل على وحشية الاحتلال ونازيته".
وطالب بيان الحركة "كل شعبنا للنزول للشوارع والاشتباك مع الاحتلال". وأشارت الحركة إلى أن تلك الجرائم سيكون لها تداعياتها. وأكدت أن "الاحتلال سيدفع الثمن غالياً جرّاء تغوله على الأقصى وعلى المصلين فيه".
وقال القيادي بحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، خضر عدنان، إن الاحتلال الإسرائيلي يرتكب مجزرة في المسجد الأقصى. وأكد عدنان، في بيان، أن "تدنيس الأقصى وإصابة المئات من المرابطين جريمة لها ثمنها"، مضيفاً "لدينا ثقة بمقاومة شعبنا".