في مطلع شهر أبريل الماضي نظمت السلطات الإماراتية، احتفالا خاصا بذكرى ما يسمى المحرقة النازية بحق اليهود "الهولوكوست"، وأعدت أبوظبي العدة لإحياء احتفالات ما يسمى بـ"يوم استقلال إسرائيل"، في الوقت الذي تشهد فيه الأراضي الفلسطينية خصوصا القدس وحي الشيخ جراح اشتباكات عنيفة أدت إلى إطلاق المقاومة في قطاع غزة صواريخ ردعليها كيان العدو الصهيوني بغارات جوية على القطاع أدت إلى استشهاد تسعة فلسطينيين.
ووفقا لوسائل الإعلام، فإن حفلا خاصا أقيم ضمن وفد من الصهاينة إلى الإمارات، بينما أضاءت الإمارات (الشهيرة بإسرائيل العرب) برج خليفة بعلم الكيان الصهيوني في يوم إعلان إقامة الكيان الغاصب على أرض فلسطين، واكتفت أبو ظبي عاصمة الشرّ بالتعبير فقط عن قلقها إزاء ما يجري للفلسطينين في القدس المحتلة، وبعبارة تدليل وطبطبة حمّلت العدو مسؤولية "خفض التصعيد"!
عبارات مطاطة
وحتى تحافظ أبوظبي على تحالفها المدنس مع كيان العدو الصهيوني، استعملت عبارات مطاطة ذات تأثير ضعيف جداً في صياغة بيانات الشجب والإدانة، وأكدت عاصمة الشيطان محمد بن زايد في بيان نشرته وكالة الأنباء الرسمية (وام)، "رفضها الدائم وإدانتها لجميع أشكال العنف والكراهية التي تتنافى مع القيم والمبادئ الإنسانية".
ودعت عاصمة الشيطان حلفاءها الصهاينة إلى تحمل المسؤولية في خفض التصعيد، وإنهاء كافة الاعتداءات والممارسات التي تؤدي إلى استمرار حالة من التوتر والاحتقان، حسب البيان المتصهين. وشددت عاصمة الشيطان على ضرورة الحفاظ على الهوية التاريخية للقدس المحتلة والتهدئة وممارسة أقصى درجات ضبط النفس لتجنب انجراف المنطقة إلى مستويات جديدة من عدم الاستقرار وتهديد السلم، وفقا لبيان الخارجية الإماراتية العبرية.
وعمد الإعلام الإماراتي ذو النهكة العبرية الخالصة إلى تسويق رواية كيان العدو الصهيوني في انتفاضة القدس وتجاهل الفلسطينيين وما يتعرضون له من انتهاكات يومية في المدينة المحتلة.
إعلام الشيطان
شكلت الأحداث الجارية في القدس الاختبار الأبرز للإعلام الإماراتي من توقيع اتفاقية إشهار التطبيع بين أبوظبي وتل أبيب منتصف سبتمبر الماضي، ولوحظ أن الإعلام الإماراتي سجل ـكالعادة ـ سقوطا مدويا في وحل التطبيع والتماهي مع الموقف الإسرائيلي على حساب فلسطين والقدس وقضيتها.
وباستثناء صحيفة “الخليج” الصادرة عن إمارة الشارقة، اكتفت الصحف والمواقع الرسمية في الإمارات بتغطية أحداث القدس من منظور الرواية الصهيونية، وتم رصد تغييب مصطلح “الاحتلال” أو حتى الإشارة إلى أن القدس مدينة محتلة، فيما تجاهلت صحف أخرى تغطية الحدث بشكل كلي.
وكتبت صحيفة “الإمارات اليوم” تحت عنوان “105 مصابين فلسطينيين بمواجهات مع الجيش الإسرائيلي في القدس” مشيرة إلى إصابة 20 شرطياً إسرائيلياً فيما قالت عنه إنه “اشتباكات بين الجانبين في القدس الشرقية ليل الخميس الجمعة”. وتعكس تغطية “صحيفة الإمارات اليوم”، رواية الكيان الصهيوني، وكان لافتاً غياب كلمة الاحتلال الاسرائيلي أو القدس المحتلة في متن الخبر، فضلاً عن تجاهل التصعيد الاسرائيلي في قطاع غزة، وكذلك جرائم المستوطنين بحق الفلسطينيين وهتافهم بالموت للعرب.
أما صحيفة “البيان” الصادرة عن مؤسسة دبي للإعلام، فقد تجاهلت الأحداث الجارية في القدس المحتلة، وقطاع غزة تماما، وبالمثل تجاهلت صحيفة “الاتحاد” الصادرة عن أبوظبي للإعلام الأحداث في فلسطين بشكل عام.
بالمقابل، كتبت صحيفة “الخليج” تقريرا خبريا تحت عنوان “القدس ثكنة عسكرية.. و60 ألفاً يصلون في الأقصى” ، وعلى الرغم من تجاهل الصحيفة للتصعيد الصهيوني في غزة، إلا أنه كان لافتاً في تغطيتها هو استمرار الصحيفة في كتابة الخبر، على النمط المعتاد عليه، في توصيف الاحتلال والقدس المحتلة، على عكس صحيفة الإمارات اليوم التي تبنت الرواية الصهيونية، فضلاً عن تجاهل إعلام دبي وأبوظبي للعدوان الصهيوني.
الرذيلة السياسية والأخلاقية
تجاهل السفير الإماراتي لدى الاحتلال الصهيوني محمد آل خاجة، الأحداث التي اندلعت في مدينة القدس المحتلة منذ 23 أبريل الماضي، وتحديدا عند باب العامود، وفي حي الشيخ جراح. آل خاجة الذي قدّم أوراق اعتماده كأول سفير إماراتي لدى تل أبيب مطلع مارس الماضي، تجاهل أي ذكر لما يجري في القدس المحتلة من انتهاكات وجرائم إسرائيلية ضد الفلسطينيين، ولم يتوقف عند ذلك، إذ كثّف من نشاطاته التطبيعية بشكل شبه يومي.
وبعد يومين من اندلاع الأحداث، وبرغم انتصار المقدسيين بإرغام الاحتلال على رفع حواجز باب العامود، نشر آل خاجة صورة مع مستوطنة إسرائيلية بعد تناوله الطعام الهندي في متجر تملكه، مذيّلا تغريدته بهاشتاج"الإمارات في إسرائيل".
وفي 27 أبريل حضر آل خاجة مأدبة إفطار أقامتها السفارة الألمانية لدى الاحتلال، وغرّد بعلم إسرائيل، مع هاشتاغ "الإمارات في إسرائيل"، وفي 29 أبريل رافق آل خاجة رئيس كيان العدو الصهيوني رؤوفين ريفلين "ضمن أجواء رمضانية" بحسب وصفه، وذلك إلى مسؤول محلي في إحدى البلدات العربية.
وواصل آل خاجة تجاهله للقمع والقتل من قبل قوات الاحتلات تجاه الفلسطينيين في القدس، ليرسل في 30 أبريل برقية تعزية إلى المستوطنين بعد حادثة سقوط الجسر في جبل الجرمق المحتل، واصفا إياها بـ"الكارثة"، وقائلا إنه شعر بـ"الحزن الشديد".
واعتبر الناشط والمعارض الإماراتي حمد الشامسي، أن موقف وزارة الخارجية، محبط وغير كاف، وقال الشامسي إنه "بما أن الامارات قررت الانخراط في عملية التطبيع مع الكيان الصهيوني، فإن واجباتها اتجاه القضية أصبحت أكبر". ولفت إلى أن "المطالبة الإماراتية المخجلة من الكيان الصهيوني بخفض التصعيد لم تعد مقبولة ولم تعد متفهمة وكنا نتفهمها قبل التطبيع، أم الآن فعلى الإمارات واجب الانسحاب من هذه الاتفاقية والعودة لوضع ما قبل تاريخ ١٦ أغسطس ٢٠٢٠ تاريخ إعلان التطبيع المشؤوم وخاصة أن الإمارات بررت تطبيعها بإيقاف المستوطنات".
ونوّه الشامسي إلى أن الشارع الإماراتي عبّر عن موقفه بشكل واضح، مضيفا: "نلمس في هذه اللحظات موقف الشارع الإماراتي الرافض للتطبيع والداعم للقضية الفلسطينية وللمسجد الأقصى عبر برامج التواصل الاجتماعي، حتى أن هاشتاج المسجد الأقصى أصبح تريند في الإمارات". وقال إن "هذه الوقفة الشعبية الإماراتية من أجل القضية الفلسطينة والمسجد الأقصى توجب على الحكومة القيام بأكبر من تنديد مخجل وأقلها الانسحاب من الاتفاقية".