لطالما سمع العرب مرارا وتكراراً في نشرات الأخبار مفردات محبطة مثل "بغداد تحت القصف" و "غزة تحت القصف"، والآن نرى "تل أبيب" عاصمة كيان العدو الصهيوني "تحت القصف"، فهل هذه بداية النهاية؟
"إسرائيل" أكبر قوة احتلال عسكرية في الشرق الأوسط والمدعومة من أقوى ترسانة في العالم كله تحارب قطاع غزة المحاصر والذي مساحته 378 كم، سماء إسرائيل تُمطر نارًا، وقلوب الإسرائيليين تغرق خوفًا وألمًا؛ فبعد عسقلان وحولون ونتيفوت، فصائل المقاومة تقصف تل أبيب بعشرات الصواريخ، 130 صاروخًا إجمالي ما أطلقته حماس فقط على تل أبيب، ولا زالت هذه البداية.
هجوم غير مسبوق
في ظل وضع عربي اختار إما التفرج أو الهرولة لتطبيع العلاقات مع العدو الصهيوني، ووضع دولي ينحني لقادة الاحتلال خوفا أو طمعا أو حقدا على الشعب الفلسطيني، رأت المقاومة في غزة أنه في حال فرضت عليها الحرب فستخوضها ببسالة، ولكنها ستحاول تجنبها، أو على الأقل تأجيلها، لأن كل يوم يمر يصب في رصيد تعزيز ومراكمة قدراتها القتالية، كما صار معروفا للقاصي والداني.
وأن تبدأ المقاومة بقصف القدس المحتلة، وبصواريخ نوعية تدخل الخدمة لأول مرة، فهي تريد أن تقول إن "القدس هي العنوان، ومن أجلها لا حدود للمعركة"، وأن تحدد المقاومة "ساعات صفر" فهي رسالة قوة لا تخلو من قيم إنسانية قانونية مقابل جرائم إسرائيلية تطال كل ما هو فلسطيني.
هكذا يقرأ خبراء إستراتيجيون وأمنيون ومحللون سياسيون، عن إدارة المقاومة في غزة لجولة التصعيد الحالية نصرة للقدس والمسجد الأقصى المبارك. وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأمة في غزة الدكتور حسام الدجني، إن المقاومة تعاملت بكثير من الحكمة والقدرة وهي تتابع تطورات الأحداث في القدس المحتلة، وعندما استجابت لنداءات أهل القدس لها كانت على قدر المسؤولية.
وأعلنت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، أنها أطلقت مساء الثلاثاء 130 صاروخا في اتجاه تل أبيب، وقالت القسام في بيان مقتضب “وجهت كتائب القسام ضربةً صاروخيةً هي الأكبر لتل أبيب وضواحيها بـ 130 صاروخاً رداً على استهداف العدو للأبراج المدنية”. وجاءت هذه الهجمات الصاروخية بعد نحو نصف ساعة من عدة غارات جوية صهيونية استهدفت مبنى من 13 طابقا يضم مكاتب لمسؤولين في حركة حماس ودمر بالكامل، غرب مدينة غزة.
من جهته، أكد أبو عبيدة، الناطق باسم "كتائب القسام" أنه "إذا تمادى العدو في قصف الأبراج المدنية فإن تل أبيب ستكون على موعدٍ مع ضربةٍ صاروخيةٍ قاسية تفوق ما حدث في عسقلان". وقالت "كتائب القسام"، في رسالة مصوّرة للاحتلال "عسقلان.. أسدود.. ثم ماذا بعد؟ تل أبيب"، وأضافت "موعدكم مع صواريخ المقاومة في سماء تل أبيب في تاسعة البهاء والمقاومة". يأتي ذلك بعد أن وجّهت "كتائب القسّام" الضربة الصاروخية الأكبر إلى مدينتي أسدود وعسقلان المحتلتين، الأمر الذي أدّى إلى شلل المستوطنات وإخلائها.
ساعات صفر
تحديد "ساعات صفر" التي اعلنتها المقاومة في غزة أمر لا يصنعه إلا الأقوياء، برأي الدكتور نشأت الأقطش، أستاذ الإعلام في جامعة بير زيت بالضفة الغربية، وقال: "المقاومة أظهرت تميزاً في معركتها الحالية، ولو أجري استطلاع رأي الآن ستحصل على 105% من التأييد الشعبي، بعدما أثلجت صدور المظلومين".
وأضاف: رد المقاومة جاء في الوقت المناسب، ومن أجل قضية مقدسة، وقد كانت صادقة بوضع تهديداتها موضع التنفيذ، وهو ما تتميز به الجيوش النظامية القوية. وأعطى العمل بساعات الصفر المقاومة القوة والتأثير، وفي المقاومة إظهار الاستهانة بالعدو، بحسب الدجني، وقال "كما أنها أظهرت للعالم أن المقاومة تمتلك أخلاقاً في إدارة المعركة". وبالنسبة لحبيب فإن المقاومة تماهت مع مبادئ القوانين الدولية عندما أعلنت عن ساعات صفر، فهي بذلك تعطي مجالاً للمدنيين بالابتعاد عن أماكن الخطر.
غزة هي رأس الحربة في التصدي للمشروع الصهيوني، وتجترح المعجزات للنكاية بالاحتلال، وهذا ما يميزها عن غيرها، وهناك شيء امتاز به الإنسان الفلسطيني عموما والغزاوي على وجه الخصوص، جاء الإسلام وأعاد صياغته وشحنه باتجاه الاعتقاد ألا وهو العزة والكرامة. والمسلم عموما والعربي خصوصا والفلسطيني حصرياً يعشق العزة والكرامة، ويسعى إليها ويراها تستحق التضحية، وهي موجودة في غزة في زمن التخاذل والتطبيع والخذلان، والإنسان العربي ما لم يتصهين يحب ما تبقيه غزة للعرب، أي الكرامة والعزة، وعدم الخضوع لإملاءات العدو مهما بلغت قوته وقوة من يقف وراءه ويسنده…هذا قدر غزة في زمن صفقة القرن.