3 دروس من جولة “سيف القدس” وبوادر انتصار المقاومة

- ‎فيتقارير

الجولة الراهنة من الصراع والتي أطلقت عليها المقاومة الفلسطينية "سيف القدس"، ورغم ما يقدمه الفلسطينيون من أثمان باهظة في الأرواح والبنية التحتية وبغض النظر عما ستؤول إليه التطورات اللاحقة إلا أن الكيان الصهيوني بجيشه الجرار المدجج بترسانة من أحدث الأسلحة الأمريكية لن تتمكن من القضاء على حركة المقاومة الإسلامية حماس وحركة الجهاد الإسلامي وهما الحركتان اللتان تقودان المقاومة وتمطران بلدات الاحتلال برشقات صاروخية أصابت "إسرائيل" بشلل تام.
الدرس الأول أن إسرائيل تلقت صفعة لا تنسى وتعرى جيشها وأجهزتها الأمنية والمخابراتية كما تعرت قيادتها السياسية؛ فقد أخطأوا جميعا في تقدير قوة حماس والمقاومة واستخفوا بالإنذار الذي وجهه قائد كتائب القسام محمد الضيف يوم الخميس 6 مايو 2021م وحذّر فيه إسرائيل من أنها إذا لم توقف عدوانها على حي الشيخ جرّاح في القدس المحتلة ستدفع ثمناً غالياً. وكذلك الإنذار بأنها إذا لم تغير طريقة تعاطيها مع الاحتجاجات حول المسجد الأقصى، فإنها ستتحمل العواقب. وعندما استخف الصهاينة بتهديدات القسام أمطرت المقاومة بلدات الاحتلال برشقات صاروخية دقيقة وموجهة طالت المستوطنات بالقدس وتل أبيب وعسقلان وأشدود وغوش دان وغيرها. والحق أن صواريخ المقاومة أصابت الكبرياء والغطرسة الإسرائيلية ومرغت بجيش الاحتلال ألأرض وكشفته كم هو هش وضعيف يتستر خلف القصف الجوي ولا يقوى على المواجهة البرية المباشرة. ما حدث في الأيام الماضية وصفه معلقون إسرائيليون بالمفاجأة، لكن وصفه الفعلي هو صفعة زعزعت مبادئ العقيدة الأمنية التي تعاملت بواسطتها القيادتان، السياسية والعسكرية، مع الوضع في غزة، ومع "حماس" تحديداً. كشف ما جرى بالدرجة الأولى تآكل قدرة الردع الإسرائيلية، وأن "حماس" وسائر الفصائل لا تخاف، ولا يردعها الدخول في مواجهة صاروخية مع أقوى جيشٍ في المنطقة، وعلى الرغم من عدم التكافؤ الكبير في القدرات العسكرية بين الطرفين، وعلى الرغم من الثمن الباهظ الذي يدفعه الغزّيون من حياتهم وممتلكاتهم. لقد فاجأت صواريخ "حماس" الجميع، وأجبرت أكثر من مليون إسرائيلي على الاختباء في الملاجئ. وعلى الرغم من تباهي الإسرائيليين بقدرتهم على اعتراض الصواريخ من خلال منظومات متطوّرة مثل القبّة الحديدية وغيرها، فقد فوجئت القيادة العسكرية للجيش الإسرائيلي بالقدرة الصاروخية التي راكمتها "حماس" خلال سبع سنوات، ودقتها في إصابة أهدافها.
الدرس الثاني هو عدم قدرة إسرائيل على ترويض حركة حماس وفصائل المقاومة كما فعلت من منظمة التحرير الفلسطينية التي تحول قادتها وعناصرها إلى قادة بالسلطة يتلقون مرتبات مجزية يبرع بها قوى إقليمية ودولية مقابل أن يكونوا عيونا وجواسيس للاحتلال يضمنون أمنه واستقراره مقابل هذه المرتبات الضخمة والمجزية، وعبر التنسيق الأمني صارت السلطة الفسلطينية حارسا للاحتلال وليست بندقية لحماية فلسطين. وكشفت تطورات هذه الجولة من الصراع عن خطأ التقديرات الإسرائيلية التي توقعت عدم استعداد حماس للدخول في تصعيد كبير حاليا، فقد تهاوت هذه التقديرات التي ترددت على ألسنة خبراء عسكريين وباحثنين في مراكز البحث الإسرائيلية منذ انتهاء عملية الجرف الصامد، في العام 2014، بأن قيادة "حماس" يهمها حالياً بالدرجة الأولى تحصين حكمها، وتحسين ظروف الحياة المعيشية لأهالي قطاع غزة، وأنه كلما تحسّنت هذه الظروف أصبحت "حماس" أكثر مرونة واعتدالاً واستعداداً للدخول في تسوياتٍ وتهدئة بعيدة المدى في القطاع. اعتقد الإسرائيليون أن في وسعهم تدجين "حماس"، كما فعلوا مع السلطة الفلسطينية، لكنهم كانوا على خطأ.
الدرس الثالث بحسب الباحثة رانده حيدر، هو تمكّن حركة حماس من وضع موضوع القدس والصراع على المسجد الأقصى مجدّداً في قلب الأحداث والاهتمام الدوليين. لقد تحركت "حماس"، هذه المرّة، لنصرة الشباب المقدسيين المدافعين عن المسجد الأقصى، ولوقف اقتلاع العائلات الفلسطينية من حي الشيخ جرّاح. ومن خلال تحرّكها العسكري، جسّدت "حماس" وحدة مصير الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية والقدس، وكذلك عرب الـ48، حيث أبرز دليل على ذلك موجة الاحتجاجات العنيفة في بلدات مختلطة في شتى أنحاء البلاد، والمواجهات بين السكان العرب من جهة والشرطة الإسرائيلية وأنصار اليمين من اليهود المتطرّفين من جهة أخرى، ما أثار المخاوف من اندلاع حرب أهلية بين العرب واليهود.

يعترف الصهاينة الآن بفشل سياستهم الملتبسة حيال حركة حماس طوال السنوات الماضية، وافتقارها إلى مقاربة عميقة وبعيدة المدى. لقد تبيّن اليوم أن السياسة التكتيكية القائمة على تعزيز الانقسام الفلسطيني بين الضفة الغربية وقطاع غزة، من خلال إضعاف السلطة الفلسطينية وتأجيج المنافسة بينها وبين "حماس"، لا يمكن أن تشكّل سياسة ناجعة لمعالجة المشكلة الفلسطينية المستعصية، وأن هذه المعالجة الخرقاء حولت "حماس"، بحسب قول أحد المعلقين الإسرائيليين، إلى "زعيمة الساحة الفلسطينية" بلا منازع.
يدّعي الإسرائيليون أن تأجيل أبو مازن انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني جنّبه فوز "حماس" الساحق فيها، لكن الراهن اليوم، على الرغم من الألم والدماء وعدم التكافؤ في موازين القوة، أن "حماس" حققت الهدف الذي كانت تسعى إلى تحقيقه في الانتخابات.
ستكون الأيام المقبلة حاسمة وحرجة للغاية، سيما في ظل التهديدات عالية النبرة من إسرائيل بأنها ستدفّع "حماس" ثمناً باهظاً. ولكن مهما ستؤول إليه المواجهة الدائرة، فإن ما حققته واضح. إسرائيل التي تملك أقوى جيش في المنطقة في ورطة. وما يجري حالياً على الجبهة مع غزة لا بد أن تكون له تداعيات أيضاً على سائر الجبهات. وقد ثبت اليوم أن الإهمال الإسرائيلي المتعمد للمشكلة الفلسطينية، والتعويل على استمرار الستاتيكو في القدس وفي المسجد الأقصى وسياسة إدارة النزاع لم يعد مجدياً، ومن دون حل المشكلة الفلسطينية لن يعرف الإسرائيليون الهدوء.