علي غرار "المكارثية الأمريكية" التي اضطهدت آلاف الأمريكيين بدعاوي أنهم شيوعيون خلال الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي السابق الذي انهار وتفتت في تسعينات القرن الماضي، بدأ نظام الطاغية عبد الفتاح السيسي، زعيم عصابة الانقلاب، مكارثية (أي سياسية استئصال وفصل عنصرية) جديدة ضد العمال والموظفين بدعاوي انتمائهم لجماعة الإخوان المسلمين؛ والهدف من هذه الخطوة هو التغطية على فشل النظام وعدم قدرته على تحقيق إنجازات حقيقية ملموسة يمكن أن تسهم في تحسين مستويات معيشة المواطنين وقدرتهم على مواجهة الأعباء المعيشية في ظل موجات متتابعة لا تتوقف من الغلاء الفاحش الذي طال كل شيء.
هيستريا "الإخوان" أو "المكارثية السيساوية" الجديدة، التي تعني تأسيس ثقافة الخوف، وتكميم الأفواه، والاتهام بلا دليل، وتقسيم الشعب إلى شعبين، توسعت حلقات انتقامها وجري استغلال القضاء في فصل كثير من الموظفين بالجهاز الحكومي بدعوى أنهم إخوان وأن الانضمام للجماعة جريمة مخلة بالشرف بحسب بعض أحكام القضاء السيساوي!
"المكارثية"، التي تعني اغتيال الخصوم السياسيين معنويًا عبر اتهامات كاذبة تطعن في شرفهم ووطنيتهم، وتبيح التنكيل بهم وإقصائهم، هي نهج ظهر في أمريكا في ذروة الحرب الباردة بين المعسكرين الشيوعي السوفياتي والرأسمالي الأمريكي مطلع الخمسينيات.وكانت التهمة حينئذ هي الاكتفاء بوصف شخص بأنه شيوعي، ليتم التنكيل بهم وفصله من عمله وحبسه وملاحقته.
سميت في أمريكا باسم السيناتور الجمهوري "جوزيف مكارثي"، أما في مصر، وفي ظل الانقلاب العسكري فقد مورست في صورة هيستريا ضد "الإخوان" وتحميلهم المسئولية عن كل شيء، وحملة تشويه عنصرية، حتى أصبح هناك بالفعل "مكارثية سيساوية" تطول جميع المعارضين لا الإخوان فقط.
قوانين سيساوية عنصرية
بعدما أقر مجلس النواب الانقلابي 1 نوفمبر 2020 "قانون فصل الموظفين" بغير الطرق التأديبية بدعاوي "الإرهاب" أو "المس بأمن الدولة وسلامتها"، بدأ نواب طرح قوانين أكثر تفصيلا لفصل موظفي "الإخوان" و"المتعاطفين معهم". النائب عبد الفتاح محمد، أمين سر لجنة القوى العاملة بمجلس النواب الانقلابي سيتقدم بمشروع قانون بعد عيد الفطر يقضى بفصل العاملين بالجهات التابعة للدولة "الذين يثبت انتماؤهم لجماعة الإخوان أو المتعاطفين معهم".
مشروع القانون سيشمل مادة تنص على أنه "إذا حدث شك تجاه موظف يعمل فى أية مؤسسة حكومية أنه عضو فى جماعة الإخوان أو متعاطف معهم، سوف يتم استبعاده بشكل مؤقت، ولو ثبت بعد التحرى أنه ينتمى لتلك الجماعة سيتم فصله نهائيا"، بحسب النائب.
أيضا أكد النائب الانقلابي أمين مسعود، أمين سر لجنة الإسكان والمرافق أنه بعد مشروع تعديل لقانون الخدمة المدنية يهدف إلى "فصل جميع من ينتمون لجماعة الإخوان وجميع التنظيمات والجماعات والتيارات التى خرجت من رحمها".قال «مسعود» فى بيان له، إن سبب إعداده لهذا التشريع هو مطالبة الفريق كامل الوزير، وزير النقل من مجلس النواب دعمه لتعديل قانون الخدمة المدنية ليتم فصل "العناصر الإثارية والمتطرفة". وأكد أن التعديل التشريعى الذى سيتقدم به يستبعد جميع الموظفين الذين ينتمون للجماعات والتيارات (الإرهابية والتكفيرية) بمختلف المؤسسات بالدولة بما فيها السكك الحديدية والجامعات والمدارس ومختلف الوزارات والمحافظات وغيرها من مؤسسات الدولة.
فصل الموظفين المنتمين لجماعة الإخوان بدأ فعليا عقب انقلاب 2013، وبموجبه فصلت عدة وزارات موظفين، قبل أن يبدأ "تقنين" تشريعات لذلك لحرمانهم من العودة أو التعويض.
عام 2018 ترددت أنباء عن فصل حوالي 200 موظف في مجلس النواب ووزارتي الخارجية والعدل، أو نقلهم إلى هيئات خدمية لا تناسب خبراتهم أو مؤهلاتهم تابعة لوزارات النقل والزراعة والتعليم، بعدما أجريت تحريات أمنية واسعة على جميع الموظفين في الفترة من إبريل إلى يوليو 2018، نتج عنها تحديد أسماء هؤلاء.
وتبع هذا قول صالح الشيخ، رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة بسلطة الانقلاب إن «هناك بعض الجهات الحكومية أخطرت الجهاز بأسماء موظفين يعملون لديها، وينتمون للجماعات المحظورة والإرهابية»، وأن هذه الجهات هي المسئولة والمختصة باتخاذ إجراءات مع الذين يثبت انتماؤهم لهذه الجماعات، طبقاً لـ «قانون الخدمة المدنية»، الذي يشترط توافر النزاهة والكفاءة لدى موظفي الدولة.
أيضا قرر وزير التعليم طارق شوقي بحكومة الانقلاب ، عام 2018، فصل 1070 معلمًا بسبب انتمائهم للإخوان أو من وقع عليهم أحكام. أيضا صدر حكم من القضاء الانقلابي في 28 أكتوبر/ أول 2018م عبر "المحكمة الإدارية لرئاسة الجمهورية"، بتأييد قرار وزارة الخارجية بنظام السيسي إنهاء خدمة أحد العاملين بها بدعوي "ثبوت انضمامه لجماعة الإخوان المسلمين.
كما كشفت مصادر إعلامية أن الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة وبناء على أوامر أمنية بدأ في مراجعة ملفات 112 ألف موظف تقول الأجهزة الأمنية أنهم التحقوا بالجهاز الإداري للدولة في عهد الرئيس محمد مرسي وطالبت الأجهزة الأمنية بمراجعتها، وإنهاء خدمة من يثبت منهم انتماؤه لجماعة الإخوان المسلمين. ونقلت التقارير عن مسئولين بالجهاز المركزي للتنظيم والإدارة أن جهاز الأمن الوطني طالبهم بفحص الملفات لقناعته بأن هناك عدداً كبيراً من الموظفين المنتمين للإخوان أو المتعاطفين معها، متوغلون في الجهاز الإداري للدولة، وأن تقديرات الأجهزة الأمنية لأعداد هؤلاء يصل إلى 100 ألف موظف في مستويات إدارية مختلفة.
ويشير نفس المسئولين أن الجهاز كلف موظفين لديه بمراجعة ملفات القضايا السياسية بالمحاكم والنيابات لحصر أعداد الموظفين المعتقلين والصادر بحقهم أحكاما لانتمائهم للإخوان، وطبقا للإحصاء فإنهم توصلوا لوجود 5 آلاف موظف معتقل حاصلين على أحكام نهائية أو أحكام من الدرجة الأولى والثانية وخاصة بوزارات التربية والتعليم والأوقاف والتنمية المحلية والتعليم العالي.
المكارثية السيساوية
هذه المكارثية السيساوية بدأت بشيطنة جماعة الاخوان وتصويرهم على أنهم "أعداء الشعب"، و"تيار الشر"، وهما شعب واحنا شعب"، ومن ثم تبرير قتلهم واستصدار فتاوي حكومية بقتل الجيش والشرطة لهم. ثم اتهامهم بالمسئولية عن كل جريمة أو حادث حتى ولو كان حوادث القطارات أو غرق الإسكندرية بالأمطار أو ارتفاع الأسعار، وانتهت بتقديم أي معارض إلى المحاكمة بتهمة مكارثية هي "الانضمام لجماعة محظورة" ووصل الأمر لاتهام مسيحيين وشيوعيين وناصريين بنفس التهمة.
وبدأت المجزرة الأكبر حين أصدر السيسي قائد الانقلاب قرارا عام 2016م بتجميد أموال أي شخص يجري اتهامه بأنه "إخوان"، فأصبح الباب بموجبه ذلك مفتوحا أمام أي بلاغ من أي شخص أو جهة عن أي إنسان بأنه يحمل أفكار الإخوان المسلمين، كافيا للحكم عليه بموجب قضاء الانقلاب سواء بنهب أمواله أو سجنه أو إعدامه، لتصبح المكارثية السيساوية أكثر بشاعة من الأمريكية.
وتفشت هذه المكارثية السيساوية بسبب فشل الانقلاب اقتصاديا وسياسيا وتصاعد غضب الجماهير والرغبة في توفير وسائل قانونية شكلية للقمع، فضلا عن وسائل أخرى لفصل الموظفين عشوائيا لتوفير أموال لسلطة الانقلاب المفلسة، بادعاء أن موظفين هم من "الإخوان" ومن ثم فصلهم وضمان أن تساندهم محاكم الانقلاب ولا تقبل دعاوي تظلم هؤلاء.
وتمددت هذه المكارثية إعلاميا بالدعوة لتطليق النساء من أزواجهن الإخوان، ومطالبة سكان الحي والمنزل الواحد الإبلاغ عن جيرانهم الإخوان، وفصل الطلاب الإخوان من الجامعات والمدارس، بل وسحق واستئصال الإخوان تماما كما حدث مع النازيين في ألمانيا، بحسب دعوة رئيس مؤسسة "أخبار اليوم"، اليساري ياسر رزق يوم 8 أغسطس 2018م.
ودخل في نطاقها السعي للانتقام من أبناء وأسر الإخوان مثل اعتقال ابنه الشيخ القرضاوي وتلفيق تهم لها هي وزوجها لمجرد الخصومة مع أبيها وتلفيق تهم لأبناء الرئيس مرسي وسجنهم، وكذا أبناء الإخوان خاصة فضيلة المرشد العام الدكتور محمد بديع الذي جرى قتل نجه المهندس عمار وأبناء المهندس خيرت الشاطر، نائب فضيلة المرشد العام، وأبناء الدكتور محمد البلتاجي وأبناء كثير من قادة الإخوان.
وامتد الأمر إلي دعوة وزير أوقاف الانقلاب مختار جمعة، إلى عدم الاختلاط أو التعامل مع أعضاء الجماعة أو حتى مع المتعاطفين معهم، معتبرا أنهم أشد خطرا على المصريين من الأمراض الفتاكة، مثل الإيدز والفيروسات القاتلة، على حد زعمه! ثم تطور الأمر بإعلان النائب البرلماني وعضو "ائتلاف دعم مصر" محمد أبو حامد في 6 أغسطس 2018 نيته التقدم بمشروع قانون جديد إلى البرلمان، يقضي بفصل أعضاء جماعة الإخوان المسلمين من وظائفهم في الجهاز الإداري للدولة.
وضمن هذه المكارثية البشعة ضد الشرفاء بدعاوي الانتماء للإخوان، توسعت سلطة الانقلاب في إصدار قوائم ما تصفه بـ "الإرهاب" التي ضمت المئات من المصريين، سواء كانوا من الإخوان فعلا أو من غير الإخوان، مثل اللاعب الشهير محمد أبو تريكة، ورجل الأعمال المعروف صفوان ثابت، والناشط اليساري المعروف هيثم محمدين وغيرهم.
ولم ينج من هذه المكارثية الصحفيين الذين لا ينتمون إلى الإخوان، حيث تم فصل صحفيين واعتقال وسجن آخرين. ولم تنج المدارس والشركات ورجال الأعمال، حيث تم التضييق على العديد من رجال الأعمال ونهب شركاتهم بدعاوي التحفظ ثم مصادرة أموال الإخوان، وسحب العديد من المدارس من أصحابها سواء كانوا من الإخوان أو غيرهم وضمها لإدارة حكومية تحت اسم "مدارس 30 يونيو".
وضمن هذه "المكارثية" السيساوية، جاءت الأحكام الهزلية بالإعدام والسجن المؤبد والأشغال الشاقة بحق المئات من مناوئي الانقلاب، وانتهاك حقوق المرضي ومنع علاجهم. هذه المكارثية ليست موجهه ضد الإخوان فقط ولكن تطول كل معارضي وأنصار ثورة يناير التي يعاديها الانقلاب والأمر لا يستثني أحدا وطال الجميع.