كارنيجي: استحواذات الجيش على مشروعات القطاعات قصور هيكلي ودافع لارتداد الدولة

- ‎فيأخبار

قالت دراسة أعدها الباحث يزيد صايغ بمركز كارينجي، إن التدخّل العسكري في الاقتصاد المصري أدى إلى ظُهورِ نسخةٍ جديدةٍ من رَأْسماليّة الدولة التي تسْعى إلى الاستثمار في القطاع الخاصّ، لكن وِفقًا لشُرُوطها الخاصّة، وتوسّع النشاط الاقتصادي العسكري، وتُعزّز أيضًا قُدرة الدولة على الإمساكِ بزمام الأمور بدلاً من تعزيز سياسة الأسواق الحرَّة.

وتحت عنوان (رأس الحربة الاقتصادیة لحرّاس النظام: دور المؤسّسة العسكرية في تطَوُّرِ رأْسمالية الدولة الثالثة في مصر)، كتب د. يزيد صايغ، الباحث الرئيسي في مركز مالكوم كير– كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، دراسة كشف فيها أن "نموذج رأسماليّة الدولة 3"- كما يسميه- بعيد كلّ البُعْد عن كوْنه ارْتِدادًا إلى النموذج الّذي وضعه جمال عبد الناصر، سواء على المُسْتوى الاجتماعيّ أو الاقتصاديّ.

نموذج السيسي

واعتبر "صايغ" أن السيسي لا يمْلك مُخَطّطًا اقتصاديًّا واضِحًا أو فهْمًا سليمًا لديناميّاتِ السُوق، لكنّ سعْيَهُ الحثيثَ لتوليد رأس المال – مع الحفاظ على منطق صيانة النظام الّذي دَعَمَ الإدارات المُتَعاقبة منذ إنشاء الجمهوريّة في العام 1953 ساهم في الارتقاء إلى نُسْخةٍ جديدة من رأسماليّة الدولة في مصر.

وأضاف أن السيسي يقوم النموذج مرّة أخرى حيث يستعيد مَرْكَزِيَّة الدولة في وضْعِ المَعَايِير لصُنْع القرار من قبل جميع الفاعلين الاقتصاديّين وتطويع القطاع الخاصّ لاستراتيجيّة الاستثمار الرأسماليّ، حتّى وهي تواصل إعلان الالتزام الرسميّ باقتصاد السوق الحرّة. وكان النموذج 2.0 من رأسماليّة الدولة ملحوظًا بشكل خاصٍّ في شراكات المحْسُوبيّةِ الّتي شُكّلت بين الرئيس ونجليه والأعضاء الأساسيّين في الحزب الوطنيّ الديمقراطي الحاكم ورجال أعمال القطاع الخاصّ المتنفّذين. في المُقابل

وأوضح أن الإدارة الحاكمة الّتي تشكّلت بعد استيلاء القُوَّاتِ المُسلّحةِ على السلطة في يوليو 2013 استبعدت المقرّبين السابقين لمُبارك، وخاصّة بعد تولّي السيسي الرئاسة في مايو 2014 كما أنّها لم تُكوّن مُنتفعين جُدُدًا من بين رجال الأعمال الكبار المُسْتقلّين، علمًا أنّ زُمْرة من رجال الأعمال الأصغر المُفضّلين آخذة بالظهور، والّذين يتمثّل قاسِمُهُم المُشْتركُ في روابطهم بالرئاسة والمُؤسّسة العسْكريّة أو بامتداداتهما المحليّة كالمُحافِظِين، على سبيل المثال.

تسويق الأنشطة الريعية

وأضاف أن التركيز على الأنشطة الريْعِيّة في عهد السيسي توسع ليَشمل المُشَاركة العسكريّة في استخراج الموارد الطبيعيّة وتَسْوِيقِها. حتّى عام 2014  كان التدخّل العسكريّ غير مُبَاشر وغير رسميّ إلى حدّ كبير، وشمل ذلك في الغالب الرشاوى والرسوم غير القانونية الّتي يُطالب بها مُتقاعِدُو القُوّات المُسلّحة (وكذلك المسؤولون المدنيّون) العامِلُونَ في إدارات الحكومة المحليّة لإصدار تراخيصِ المحاجر والمناجم لمُقاولي القطاع الخاصّ. لم تَجْنِ وزارة الدفاع مداخيلَ، حتى عام 2015، حين صدر مرسوم حكوميّ يستوجب مُوافقة  الوزارة على اسْتخراج الثروات المعدنيّة في أيّ مكان من البلاد وفوّضها جباية الرسوم على جميع ما يتمّ استخراجُه في مواقع الإنتاج.

وأشار إلى أنه علاوة على ذلك، حصلت وزارة الدفاع على حقوقٍ حَصْرِيّة من عائدات استخراج ومُعالجة الموادّ الخام من المناجم والمحاجر الموجودة في الأراضي الّتي تُسيطر عليها القُوّات المُسلّحة.

بين القطاعين العام والخاص

وأضاف أن جهاز مشروعات الخدمة الوطنيّة استغل الوضع "السيئ" في بعض الشركات في القطاعين لبناء مصانع للرخام والجرانيت بقُدْرة إنتاجيّة تفوق إجماليّ الإنتاج الحاليّ للبلاد، ما يَضَعُها في موقع احتكاريّ مُحْتَمَلٍ، وبعام 2016، اسْتَحْوَذَت على أغلبيّة في الشركة العامّة الّتي تُسَيْطر على موقع الرمال السوداء الوحيد في مصر، والّذي يُنتج المعادن الثقيلة كالتيتانيوم والزركونيوم بقيمة تصديريّة مُتَوَقَّعَة تبلغ 176 مليون دولار سنويًّا.

وأضاف أن الجهاز اسْتَحَوَذ على حصّةٍ في التنقيب عن الذهب، والّتي تُمثّل لوحدها 1 في المئة من الناتج المحلّي الإجماليّ، وزادت من دورها في إنتاج وتسويق الفُوسْفات والأسْمدة. 31وتقع الغالبيّة العُظْمى من مواقع الاسْتخراج في المناطق الخاضعة للسيطرة العسكريّة، والّتي من خلالها تقود المُؤسّسة العسْكريّة وتوسّع حصّة الدولة في هذه القطاعات، وتُقحم نَفْسها في التجارةِ الخارجيّةِ في آن.

سلوك افترائي

واعتبر صايغ أن سلوك القوات المسلحة افترائي وتمكينه على حدّ سواء بفضل إعْطاء السيسي الأولويّة لتوليد المداخيل بأيّ ثمن، على ما يبدو. لقد غذّى الرئيس هذا التوجُّه من خلال الترخيص القانونيّ لقائمة مُتَنامية من الهيئات العسكريّة (والأمنيّة) لإنشاء مشاريع تجاريّة خاصّة بها. وأكمل أنه علاوة على ذلك، أصدر في ديسمبر 2015 مرْسومًا يُفوّض أيِّ جهةٍ حُكُوميّةٍ بتأسيسِ شركات مُساهمة محدودة بعد الحصول على مُوافقة مجلس الوزراء، ما يمهّد الطريق لكُلٍّ من الهيئات المدنيّة على حدّ سواء لتوسّعها على حساب حصّة القطاع الخاصّ في الأسواق المُخْتلفة.

بشروطي يا "خاص"

وفي هذا الإطار، قالت الدراسة إن إدارة السيسي تسعى للحصول على استثمارات القطاع الخاصّ، ولكن حصْرًا بشُرُوطِها هي. وتَرَى أنّ توليد المداخيل وتوفير السِلَع بأسعارٍ معْقُولةٍ لحاضنات مُخْتارةٍ يتّسمان بأهميّة قُصْوى من الناحية السياسيّة، وتنظر إلى تعْطِيل العلاقات مع رجال الأعمال على أنّه كلفة مقبولة.

وقالت:  "من الواضح أنّ سيطرة الدولة على الأراضي والتجارة الخارجيّة والموارد الطبيعيّة عواملُ يتمّ توظيفها لتحقيق هذه الغايات. إذْ تفسّر أولويّات السيسي السياسيّة تأييده لقيام وزارة الدفاع وجهاز مشروعات الخدمة الوطنيّة في إغراق الأسواق المحليّة بكميّاتٍ كبيرة من الدجاج واللحوم المُسْتوردة الرخيصة لصالح الفئات ذات الدخل المُنْخفض وعرض سلع أقلّ سِعْرًا من سلعِ المُنْتجين المحليّين في القطاع الخاصّ وإلحاق الضرر بهم. وبالمِثْلِ، في عام 2018، انضمّ جهازُ مشروعات الخدمة الوطنيّة إلى ثلاث شركات أُخْرى مَمْلُوكة للدولة في تشكيل شركة هدفها أن يَكُون "الوكيل التجاريّ الحصريّ لجميع مُنْتجي الفوسفات في مصر"، علمًا أنّ اثنتيْ عشرة شركة خاصّة كبرى تعمل فعليًّا في هذا القطاع.

"رأسماليّة الدولة"

وأشار إلى أن انحصار مسار تعميم دور المؤسّسة العسكريّة في الإدارة الاقتصاديّة وفي توليد الإيرادات، ليس بسبب أيّ وعي اقتصاديّ أو فطنة تجاريّة قد تدّعيها، بل لأنّها المُؤسّسة الأكثر مَوْثوقيّة سياسيًّا في الدولة وأقوى أجهزتها .. ومن المُفارقاتِ أنّ النتيجة الرئيسة هي زيادة أوجه القصور الهيكليّة للاقتصاد ودفْعِ دوامّة تَقَهْقُرِه".

وأوضح أن مُشاركة القُوّات المُسلّحة المصريّة في توفير السلع والخدمات العامّة (أو العموميّة) وتوليد المداخيل، كشف عن بُروزِ سياسيّ للقُوّات المُسلّحة المصريّة مُنْذ استيلائها على السُلْطة في العام 2013 ، إلّا أنّها تَعْكِسُ بدرجةٍ أكبر كيفيّة قيام السيسي بالمُهِمَّتَيْن المُزْدَوَجَتيْن المُتمثِّلتيْنِ في تنشيط الاقتصادِ الوطنيّ والماليّة العموميّة.

وأضاف أن "القيمة الصافية للملكيّة العسْكريّة أو السيطرة على الأصول الاقتصاديّة والدخل من بيع السلع والخدمات الّتي تُنْتِجُها أو تحصُل عليها الهيئات العسكريّة المُخْتلفة أقلُّ بكثيرٍ ممّا يتصَوّرُه كثيرون، على الرغم من أنّها باتت الآن أهمّ بكثير ممّا كانت عليه عشيّة الإطاحة بمُبارك قبل عقدٍ من الزمن. ومع ذلك، فإنّ نُموّ الأموال التقديريّة الّتي تُسيطر عليها وزارة الدفاع يُتيح لها الكثير. فتسْمح هذه الأموال للمُؤسّسة العسكريّة زيادة الامتيازاتِ الإضافيّةِ وتعْزيزِ الولاء لها من قبل جُنود الصفّ وتكوين صندوق احتياطيّ يُمْكن من خلاله تمويل وتطوير البنية التحتيّة العسكريّة واقتناء الأسلحة (حيْثما لا يُمكن تمويلها من خلال المُساعدات الخارجيّة) والاستحواذ على وسائل إعلام مُختارة وتحفيز التبرّع إلى هيئاتٍ مُخْتلفةٍ من تحيا مصر، صندوق للرعاية الاجتماعيّة والتنمية".

https://bit.ly/3oZcMjy