من الحليب إلى الجزر.. هل بقي شئ لم يتاجر فيه عسكر الانقلاب؟

- ‎فيتقارير

استغل عبد الفتاح السيسي إمكانات الجيش في منافسة المنتجين للسلع الغذائية وتربية الماشية والطيور ومزارع الجمبري والأسماك، بدلا من وظيفته الأصلية في حراسة الحدود، ولأول مرة في التاريخ يتسلل ديكتاتور خلسة إلى داخل النفس المصرية، فيعيد ترتيب أولوياتها وفقا لأحلامه المزعجة، ويعبث بالمشاعر، ويخلط الأحاسيس، ويفجر طاقات من اللامبالاة بالوطن فتخرج إلى العلن في مشهد معتم عل شكل سلوكيات لا يصدق من عرف مصر قبل انقلاب 30 يونيو 2013 أنها فعلا أم الدنيا.
عالم عجيب من الفهلوة والاحتيال والنصب صنعته رؤية السفاح السيسى للسلطة، فتسارع في ظله لصوص الحزب الوطني “حزب مستقبل مصر” والأثرياء الفسدة لينتشروا في كل مكان تحت حماية الجنرال في محاولة لنهب مقدرات الشعب المصرى.

ماذا قدم بيزنس الجيش؟
من المؤكد أن هيمنة الجيش على أكثر من 60% من اقتصاد مصر، حسب تقارير محلية ودولية غير رسمية، لم يكن وليد اللحظة، فقد استغرق ذلك 63 عاما من حكم أداره العسكر بشكل مباشر، عن طريق رؤساء ينتمون إلى الجيش منذ الاستقلال في عام 1952، وهم محمد نجيب والطاغية عبد الناصر والسادات والمخلوع مبارك ثم السفاح السيسي، وكان الاستثناء الوحيد هو الدكتور الشهيد محمد مرسي أول رئيس مدني بعد ثورة 25 يناير عام 2011، ولم يتحمله العسكر سوى عام واحد ثم انقلبوا عليه.
وتوسع الجيش في عهد السفاح السيسي اقتصاديا فزادت ملكيته لمحطات البنزين والمخابز والمجمعات الاستهلاكية ومصانع المعجنات، وحصل على امتيازات شق الطرق وبناء الجسور، وكلما توسع بيزنس الجيش تفاقمت معاناة الشعب، فزادت نسبة الفقر إلى 26% والبطالة إلى 13.3% وتدهورت جميع مؤشرات الاقتصاد.
وأصبح هناك سؤال حائر على لسان كل المصريين.. ماذا قدم بيزنس الجيش من حلول للمشاكل المعيشية لفقراء مصر، ومنها البطالة وانقطاع الكهرباء ونقص البوتاجاز والوقود وارتفاع أسعار جميع السلع الأساسية والكمالية؟

فقر وعوز
من جهته يقول والباحث السياسي عباس قباري، إن "التحركات المكوكية لإنشاء العاصمة الإدارية رغم ما تعانيه مصر من (فقر وعوز) كما يردد دوما قائد الانقلاب، بالفعل إيذان بدولة جديدة؛ لكنها دولة خاصة تمثل مشروع الدولة العسكرية الكاملة التي تحكم و(تمتلك)".
قباري، أضاف أن "العاصمة الإدارية مشروع اسمه حسب قرار إنشائها بالجريدة الرسمية (العاصمة الإدارية وتجمع الشيخ محمد بن زايد العمراني)، والشارع الرئيسي الواصل بينها وبين العاصمة القديمة القاهرة اسمه شارع الشيخ محمد بن زايد".
ولفت أيضا، إلى أن "أرض العاصمة الجديدة، مملوكة للقوات المسلحة، وساهمت بها كحصة بشركة مساهمة باسم العاصمة؛ وانتقال وزارات ودواوين الدولة للعاصمة مشروط باستيلاء شركة العاصمة على مقرات الوزارات بالقاهرة والمحافظات في بيزنس كبير بين القوات المسلحة، ودول في الإقليم تمتلك حصصا في (عاصمتنا الجديدة)".
وأشار إلى أن "ذلك البيزنس لا تستفيد منه الدولة إلا بالحي الحكومي الذي يمثل واحدا على 300، فمساحته 550 فدانا من 185 ألف فدان هي مساحة العاصمة الكلية، أما الباقي فهو استثمار مفتوح تديره شركة العاصمة ولا يدخل في موازنة الدولة في أي باب".
الناشط والباحث المصري قال إن "العاصمة الإدارية تأتي على غرار المنطقة الخضراء التي ينشئها المحتل للحفاظ على رجاله المسيطرين على مقاليد الحكم".
وختم حديثه بالقول: "بالفعل هي دولة جديدة يقيمها العسكر على أنقاض دولة قديمة اسمها مصر، سيكون المواطنون فيها مجرد رعايا تدار شؤونهم من عاصمة محصنة عالية الأسوار لن يستطيعوا المرور من أمامها، فضلا عن دخولها لقضاء مصالحهم".

امتصاص الغضب
وفي وقت سابق طرح العسكر بعض شركات الجيش ذات الطابع الاقتصادي المدني للبيع في البورصة، ويرى الخبير الاقتصادي عبد الحافظ الصاوي، أن إعلان السيسي بطرح شركات القوات المسلحة في البورصة المصرية يأتي في إطار لهجة دفاعية تستهدف امتصاص الغضب المتصاعد محليا ودوليا حول توسع الجيش المصري في السيطرة على الاقتصاد المصري، وغياب الشفافية وقواعد الإدارة الصحيحة في شركات الجيش.
وقال الصاوي إن "السيسي أراد أن يدفع كل هذه الانتقادات بحجر واحد وهو إعلان طرح شركات الجيش في البورصة"، مستبعدا حدوث ذلك كون السيسي لم يصدر قرار ببدء عملية الطرح، ولم يكلف جهة أو مؤسسة بالبدء في التجهيز والاستعداد لذلك.
وأضاف: "لو صدق السيسي وقام بطرح حصة ما من شركات الجيش في البورصة المصرية أيا كانت نسبتها فسيكون مجرد إجراء شكلي، وسيجبر الجيش الصناديق العامة وصناديق الاستثمار التابعة للجهات الحكومية على شراء أسهم الشركات العسكرية لتفويت فرصة تملك أسهم شركات الجيش على المستثمرين الأفراد سواء كانوا مصريين أو أجانب".
وتابع: "لو تمت عملية الطرح افتراضا فمن المتوقع أن يتم إداراتها بطريقة ما (من خلف ستار) لإظهار أنها تسير بشكل صحيح ومنطقي"، مرجحا في الوقت ذاته أن يتم حظر الجزء الأكبر من المعلومات المتعلقة بعملية الطرح أو بيع الأسهم في البورصة في حال نفذ السيسي ما قاله.