أكاذيب الانقلاب لا تتوقف والإنجازات الوهمية تتدفق كل يوم على روؤس المصريين، فكل يوم يزعم نظام الانقلاب أنه حقق إنجازات غير مسبوقة لم تشهدها مصر من قبل، وأن السيسي سيجعل "مصر أد الدنيا وأكبر من كل الدنيا"، فى حين أن الواقع يكشف الكوارث التي يعايشها المصريون ويعانون منها بسبب هذا النظام الانقلابي، ويكفي أن 60 مليون مصرى من إجمالي عدد السكان يعيشون تحت خط الفقر وفق تقديرات البنك الدولي.
في سياق الأكاذيب، أعلن البنك المركزي أن صافي الاحتياطيات الأجنبية ارتفع إلى 40.468 مليار دولار في نهاية شهر مايو 2021 مقارنة بـ 40.343 مليار دولار في نهاية شهر أبريل 2021، بارتفاع قدره نحو 125 مليون دولار.
حول هذه الأكاذيب، قال الخبير الاقتصادي ممدوح الولي، إن بيانات البنك المركزي الخاصة بارتفاع موارد الاحتياطي النقدي لم تتضمن تفصيلا لمكونات هذا الارتفاع. وأضاف الولي فى تصريحات صحفية، أنه لا يمكن إرجاع تلك الموارد إلى زيادة الصادرات أو إيرادات قناة السويس أو السياحة أو تحويلات المصريين بالخارج، ما يدعم توقعات بأن يكون مصدر تلك الموارد بيع حائزي الدولار في البلاد جزءا من مشترياتهم منه بفعل انخفاض سعر صرف العملة الأمريكية، وشراء البنك المركزي لتلك المبالغ وإضافتها إلى الاحتياطي النقدي.
ولفت إلى أن مكونات الزيادة مصدرها شراء أدوات الدين من أذون والسندات المصرية، إذا أضيف إليها قيمة القسط الثاني لقرض النقد الدولي سيكون المبلغ الإجمالي 4.95 مليارات دولار، أي أكثر من صافي زيادة الاحتياطي البالغ 4.7 مليارات دولار، ما يؤكد أن الزيادة ناجمة عن دين خارجي.
ويرى الولي أن تراجع قيمة الاستثمار الأجنبي يشير إلى استمرار العوامل البيروقراطية الطاردة للاستثمار، ويرجع إلى ارتفاع تكلفة التمويل وركود الأسواق في ظل نسب التضخم العالية، وانتظار صدور اللائحة التنفيذية لقانون الاستثمار الجديد، وغياب الاستقرار الأمني.
خداع وتدليس
ويصف المحلل الاقتصادي إبراهيم الطاهر ارتفاع الاحتياطي النقدي المصري بأنه "ارتفاع شكلي"، مؤكدا أن احتفاء نظام الانقلاب بذلك باعتباره "إنجازا اقتصاديا" هو "خداع وتدليس"؛ لأن الاحتياطي الحقيقي يقترب حاليا من الصفر، والبنك المركزي يصدر أرقاما دون أن يشير إلى مصادرها أو حقيقتها.
وقال الطاهر فى تصريحات صحفية، إن قيمة الزيادة في الاحتياطي تكاد تتساوى مع قيمة ارتفاع الدين الخارجي، ما يعني أنها لم تأت من موارد طبيعية أو من فائض في الميزان التجاري، وإنما هي عبارة عن قروض وأذون وسندات خزينة إلى جانب بعض الودائع الخليجية.
وأكد أن البنك المركزي يدير السياسة النقدية بنظام الترقيع وترحيل المشاكل، وهو ما يفاقم من أعباء فوائد وأقساط الدين العام، لافتا إلى أن تزايد فوائد وأقساط الديون يلتهم أي تنمية قد تتحقق في الفترة المقبلة، وأي موارد تسعى حكومة الانقلاب لتدبيرها، انما تكون بزيادة الضرائب أو إلغاء مخصصات الدعم.
موازنة جباية
وحذر الدكتور جودة عبد الخالق أستاذ الاقتصاد ووزير التموين الأسبق، من أن حجم الدين عندنا قد تجاوز حدود الأمان. وأكد عبد الخالق أن فى تصريحات صحفية، أن الأوضاع وصلت الى أن حكومة الانقلاب تقترض لسداد الدين، وهذا وضع شديد الخطورة، فقد أصبحت خدمة الدين مثل الثقب الأسود؛ تكاد تبتلع كل الموارد، لافتًا إلى أن الموازنة الجديدة موازنة جباية واستدانة، وليست موازنة تنمية مستدامة!.
وقال انه بخلاف إحلال الديون، تقترض حكومة الانقلاب لسداد الديون القائمة، فيظل حجم الدين يتزايد بمفعول قانون الفائدة المركبة، موضحا أنه منذ تحرير سعر الصرف في نوفمبر 2016، تم طرح عشر إصدارات لسندات تتراوح آجالها من 3-40 سنة فى الأسواق الدولية، تنوعت بين سندات دولارية، وسندات باليورو، وسندات خضراء بالدولار. وبلغت قيمتها 26.5 مليار دولار، بالإضافة إلى 4 مليارات يورو. وكان آخر محطات الدين الخارجي هو الحصول على قرض من صندوق النقد الدولى بمبلغ 5.2 مليارات دولار في يونيو 2020م.
وأضاف عبد الخالق: أما عن حجم الدين الخارجي الآن، فالمعلن أنه يعادل حوالى 130 مليار دولار. ولكن هذا لا يعبر عن حجم الالتزامات القائمة بالنقد الأجنبى. فهناك (أ) الديون على الجهات غير الحكومية المضمونة من الحكومة. وهناك (ب) الالتزامات الطارئة مثل تلك الناتجة عن قضايا التحكيم الدولى القائمة والمستجدة. وهناك (ج) حيازة الأجانب المتزايدة للأذون والسندات الحكومية بالعملة المحلية، والتي بلغت نسبتها حوالى18%”.
وكشف عبد الخالق أنه بالنظر إلى بنود مشروع الموازنة نلاحظ أن أهم بنود المصروفات العامة ليس الأجور ولا الدعم ولا الاستثمار، بل هو مدفوعات الفوائد على الدين، بمبلغ 580 مليار جنيه!، أي أن حوالى ثلث المصروفات العامة عبارة عن مدفوعات فوائد الدين، بالمقارنة بحوالي الخمس للأجور وحوالى 17% للدعم. وإذا أضفنا إلى فوائد الدين مدفوعات الأقساط وقدرها 593 مليارات جنيه، نجد أن خدمة الدين تلتهم 86% من الإيرادات العامة، أي أنه من كل 100 جنيه من الإيرادات العامة تلتهم مدفوعات الدين 86 جنيها بالتمام والكمال، ولا يتبقى من الـ 100 جنيه إلا 14 جنيها فقط للصرف على تعويضات العاملين وشراء السلع والخدمات اللازمة لتقديم الخدمات الاجتماعية للمواطنين والدعم والمنح والمزايا الاجتماعية والاستثمارات والمصروفات الأخرى!