بعد سنوات من التأخير والفشل.. هل تنقذ الشكوى لمجلس الأمن مصر من أخطار السد؟

- ‎فيتقارير

بعد سنوات من العناد والفشل في قراءة الواقع ومآلات كارثة سد النهضة التي تضرب مصر في أعماقها وأراضيها وشعبها، جاء لجوء مصر بشكوى رسمية لمجلس الأمن حول أضرار سد النهضة، لتكشف التخبط والعجز والعشوائية، فبعد أيام من تأكيدات رسمية لوزير خارجية السيسي سامح شكري بأن الملء الثاني لسد النهضة لن يضر مصر، تقدمت مصر بالشكوى لمجلس الأمن، من الأضرار.
وبالتزامن مع بدء اتصالات جديدة لمحاولة عقد جولة مفاوضات جديدة حول قضية سد النهضة، بين مصر والسودان وإثيوبيا، يحاول خلالها الاتحاد الإفريقي الانطلاق من الخرطوم للتوصل إلى جدول أعمال يمكن التأسيس عليه للاجتماع والتفاوض، أرسلت مصر يوم الجمعة الماضي ثاني خطاب إلى مجلس الأمن خلال العام الحالي، للتأكيد على نواياها السلمية، ونأيها عن الحل العسكري، ورغبتها في الالتزام بالمسار التفاوضي لأبعد ما يمكن الوصول إليه. وتواصل مصر الرهان على ضرورة تدخل القوى العظمى، وبالأخص الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي، بعيدا عن الصين وروسيا، لإقناع إثيوبيا بالتوصل إلى اتفاق نهائي وملزم على قواعد الملء والتشغيل، سواء قبل إتمام الملء الثاني في 22 يوليو المقبل، أو بعده.
وجاء في الخطاب الذي أرسله وزير الخارجية سامح شكري للجهات الأممية المذكورة، تحذيرات مصرية متكررة من الإضرار بالأمن والسلم في المنطقة كلها إذا أصرت إثيوبيا على تعنتها، والملء الثاني دون اتفاق كامل مع دولتي المصب. كما اتهم الخطاب أديس أبابا بالتسبب في أضرار استراتيجية جسيمة بحياة الشعبين المصري والسوداني.

لفت انتباه مجلس الأمن!
وجاء في الخطاب، أن "مصر اختارت مرة أخرى لفت انتباه مجلس الأمن الدولي إلى هذه المسألة، في ضوء مسؤوليته عن الحفاظ على السلام الدولي، ومواجهة التعنت المستمر وسلوك إثيوبيا الأُحادي، مُجسدا في تصميمها على ملء وتشغيل سد النهضة، بغض النظر عن تأثيره على مصر والسودان، ما قد تكون له تداعيات خطيرة، تهدد السلام والأمن في جميع أنحاء المنطقة، وإن تجنب هذا الاحتمال يتطلب مشاركة نشطة من المجتمع الدولي للتوصل إلى تسوية سلمية لهذه المسألة".
ودعت القاهرة صراحة  للضغط لاستئناف المفاوضات، قائلة: "يجب التغلب على القصور الحالي في إحراز تقدم في المفاوضات". وأشارت إلى أن "إثيوبيا، خلال الجولات المتعاقبة من المفاوضات، رفضت باستمرار مقترحات مصر التي كانت تستند إلى مبادئ القانون الدولي المعمول بها، والتي سعت للتوصل إلى اتفاق عادل ومربح للجميع، يضمن أن تحقق إثيوبيا أهدافها الإنمائية، مع تقليل الآثار السلبية لسد النهضة. وأن مصر قدمت مقترحات لا حصر لها، تضمن أن تولد إثيوبيا الطاقة الكهرومائية من سد النهضة بسرعة وكفاءة، وبشكل مستدام في جميع الظروف الهيدرولوجية، بما في ذلك فترات الجفاف الشديدة والممتدة".
وشكت مصر رفض إثيوبيا جميع المقترحات ومشاريع الاتفاقات التي طورها الشركاء الدوليون، الذين حاولوا مساعدة الدول الثلاث في التوصل إلى اتفاق، مثل الولايات المتحدة في العام 2020، والتي وقعتها القاهرة منفردة بالأحرف الأولى ،كدليل على حسن النية.

وشددت على أن "عدم التوصل إلى اتفاق حول أكبر مرفق للطاقة الكهرومائية في أفريقيا، يمكن أن يكون له آثار اجتماعية واقتصادية كبيرة -إن لم تكن كارثية- على مصر".
وفي محاولة لتحسين الأداء التعريفي بالوضع المصري الحقيقي في القضية، أرفقت وزارة الخارجية بخطابها عدة مذكرات فنية تؤكد الأضرار الجسيمة التي ستلحق بالشعب المصري جراء مشروع السد. وقالت: "على الرغم من جهود مصر المستمرة لاتخاذ تدابير احترازية للتخفيف من الآثار الضارة لملء وتشغيل سد النهضة، فإن كل جانب من جوانب الحياة في مصر يمكن أن يتأثر سلبا ؛بسبب الأثر التراكمي للملء أُحادي الجانب، وصولاً إلى تخزين 50 مليار متر مكعب. فمن المقلق للغاية أن إثيوبيا سعت إلى استغلال مفاوضات سد النهضة من أجل تكريس حق غير مقيد، في إنشاء المزيد من محطات المياه من جانب واحد، والقيام بالتطويرات المستقبلية على طول مجرى النيل الأزرق ،وعبر الأنهار الأخرى العابرة للحدود التي تشاركها مع جيرانها".
إدانة نظام الانقلاب

وبقراءة متأنية لشكوى مصر، فإن كل ما ورد فيها يدين النظام القائم، ويؤكد خيانته وفشله في الحفاظ على مقدرات الدولة المصرية، لدرجة تصل للخيانة العظمى، إذ أن كل المخاوف التي أوردتها مصر في الشكوى الثانية لمجلس الأمن، والتي لا يتوقع أن ينجم عنها أي تحرك دولي في المدى المنظور، لما تتمتع به كلا من روسيا والصين من حق النقض، ما يفوّت أي فرصة لإدانة إثيوبيا أو إجبارها على سياسات معينة.
وقد سبق أن طالبت القوى الوطنية عبر بيانات ومؤتمرات ولقاءات إعلامية عدة نظام السيسي بالتحرك المبكر والتوجه بشكاوى دولية للمحاكم الدولية والأمم المتحدة والتحرك لدى البنك الدولي، وغيره من المؤسسات الدولية لسحب تمويلاتها من إثيوبيا، والانسحاب من اتفاق المبادئ الذي منح إثيوبيا حقوقا غير مسبوقة ،وحررها من الاتفاقات الدولية العديدة التي تحفظ حقوق مصر المائية إلا أن السيسي الباحث عن مصالحه الخاصة بشرعية إفريقية لانقلابه العسكري منذ 2015، كما سعى النظام الانقلابي للتلاعب بعقول المصريين عبر تصدير حملات إعلامية كبيرة بأن السيسي حلها، وخلصت، واطمئنوا، ومضيعتكمش قبل كدا، وغيرها من العبارات الخادعة التي تدفع مصر ثمنها حاليا، والتي كان آخرها حديث سامح شكري عن عدم تضرر مصر، والذي استقبلته أديس أبابا بترحاب وترجمته لكل لغات العالم ووثقته ، وقد يكون أحد أوراقها في المحافل الدولية ودليل على خداع ،وأكاذيب السيسي ونظامه.
وأنجز الإثيوبيون التعلية الوسطى للسد بنحو 566 مترا، ويتبقى 29 مترا لتحقيق الارتفاع المستهدف، علما بأن الجدول الزمني المناسب لتحقيق ذلك والاستفادة منه لحجز الكمية المطلوبة، هو أن يتم الانتهاء من الإنشاءات خلال 25 يوما على الأكثر، لكن هذا الأمر يعني أنه في خلال عملية الملء ذاتها سيتم الحجز بصورة تعسفية دون السماح بتمرير أي كميات من المياه لسد الروصيرص في السودان؛ لتعويض ما فات الإثيوبيون من وقت، وهنا تتضح أهمية الطلبات المصرية والسودانية السابقة بالإدارة المشتركة لفترات الملء والتشغيل، لأن غياب المعلومات وانعدام الشفافية من قبل الجانب الإثيوبي، والترصد المتبادل، يعرقل الاستجابة المشتركة للتغيرات الفنية والمناخية الطارئة، كما يحيط الإجراءات بالغموض، وصعوبة توقع المشاكل الوارد حدوثها. وإلى جانب هذه المسألة، فإن حجز أي كمية دون الإخطار بها سلفا، وبدون منح دولتي المصب الوقت الكافي لتدبير احتياجاتها، يُصعّب قبول استمرار الوضع الحالي المفتقر إلى اتفاق شامل وملزم على قواعد الملء والتشغيل، لأنه يهدد بتكرار حالة الغموض هذه كل صيف، بما في ذلك السنوات التي ربما تشهد انخفاضاً في كميات الأمطار أو فترات الجفاف الممتد.
إنذار "ناسا" بتأثيرات واسعة

ومؤخرا، أعلنت دراسة أجرتها وكالة ناسا لأبحاث الفضاء أن "الرقعة الزراعية يمكن أن تتراجع بنسبة تصل إلى 72% من إجمالي المساحة الزراعية الحالية"..
الدراسة أجرتها جامعة جنوب كاليفورنيا، بالتعاون مع جامعة كورنيل، ووكالة الفضاء الأمريكية "ناسا". وأشرف عليها عالم الفضاء المصري "عصام حجي"، ونشرتها مؤخرا مجلة الأبحاث البيئية البريطانية العريقة (Environmental Research Letters) المعروفة كمرجعية في تحكيم الأبحاث العلمية، بشكل حيادي تام في القضايا البيئية الكبرى.
وخلصت الدراسة، التي حملت عنوان "عجز المياه في مصر وسياسات التخفيف المقترحة لسيناريوهات ملء سد النهضة الإثيوبي"، إلى أنه في حين أن السد الذي يبلغ حجمه 74 مليار متر مكعب، يوفر فرصا تنموية واعدة لإثيوبيا، فإن التدفق المتغير لنهر النيل سيشكل عجزا مائيا صعبا بالنسبة لمصر.
ويُقدّر البحث متوسط إجمالي العجز السنوي للمياه القادمة إلى مصر، بأنه سيبلغ حوالي 31 مليار متر مكعب سنويا (حصة مصر من المياه العذبة تقريبا 77 مليار متر مكعب)، وهو ما سيتجاوز 40% من إجمالي مخزون مصر من المياه حاليا، وذلك مع أخذ التسرب بين الصخور المتصدعة أسفل وحول خزان سد النهضة في الاعتبار.
وهكذا يُفاقم نظام السيسي كوارث المصريين، ويحرمهم من حقوقهم التاريخية في نهر النيل؛ من أجل أن يجلس على كرسي الحكم مستخدما السلاح والإعدامات بحق معارضيه، وهو ما يدفع ثمنه مئات الملايين في مصر والمنطقة..