لم يُتخذ أي إجراء لمحاسبة من نفذوا المذبحة.. هل ضاع حق شهداء “رابعة” بعد أحكام العار لقضاة السيسي؟

- ‎فيتقارير

بإسدال أعلى محكمة مصرية (النقض) الستار على الحكم الأخير في قضية "فض رابعة" بأحكام إعدام، وسجن لمن نجوا من مجازر رابعة والنهضة، يبدو أن "حلم" محاكمة من نفذوا المجزرة من ضباط الشرطة والجيش، ومن أصدروا أمر الفض انتهي أيضا ،وضاعت حقوق قُرابة ألف شهيد على الأقل.

بسبب مقتل 8 من رجال الشرطة في الميدان برصاص مشبوه لتشجيع القوات المُهاجِمة على استخدام أقصى درجات العنف ؛لإنهاء اعتصامي رابعة والنهضة، حُوكم 739 مصري، وصدرت أحكام بإعدام 75 منهم، ثم 12آخرين، وسجن المئات.

ورفض قضاة المحكمة مجرد مناقشة فكرة محاكمة من قاموا بقتل المعتصمين ؛لأن المجزرة كانت "سياسة نظام"، هو الذي عيّن هؤلاء القضاة، ورئيس محكمة النقض الذي أصدر الحكم عبد الله عمر شوضة عينه المنقلب السيسي في 21 أغسطس 2021.

وطلب المرشد العام د. محمد بديع من قضاة أكثر من محكمة نظر قضية قتل ابنه في الاعتصام دون جدوى، وكذلك فعل د. محمد البلتاجي عن مقتل ابنته وأخرين، ولم يُستجب لهم ،وسخر منهم القضاة.

900 مدني سلمي قُتلوا بحسب منظمة العفو الدولية، أو أكثر من ألف باعتراف السفاح حازم الببلاوي رئيس الوزراء في ذلك الحين ،الذي قال :"إنه من أصدر الأمر في حوار مع قناة CBS الأمريكية يوم 14 أغسطس 2013".

تواطؤ إقليمي ودولي

التواطؤ كان إقليميا ودوليا، لا محليا فقط، فرفض الأمم المتحدة فتح تحقيق دولي شفَّاف في مجزرة رابعة أو ملابسات وفاة الرئيس محمد مرسي حتى الآن يبرهن على هذا التواطؤ.

إعدام من نجا من المجزرة بعد مرور 7 سنوات ، ورفض محاسبة من نفذوا الجريمة اعتبرته منظمة العفو الدولية في بيانهاالصادرفي 15 يونيو 2021 "تلطيخا لسمعة أعلى محكمة استئناف في مصر، ويُلقي بظلال قاتمة على نظام العدالة بأكمله في البلاد".

قالت: "رغم مقتل ما لا يقل عن 900 شخص،وإصابة الآلاف تواصل قوات الأمن المصرية التهرب من العدالة بشكل مثير للصدمة على العنف المُميت الذي شنته ضد المتظاهرين في ميدان رابعة العدوية ،والنهضة بالقاهرة في أغسطس 2013".

استغربت أنه "لم تتخذ السلطات المصرية حتى الآن أية إجراءات لمحاسبة مرتكبي هذه المجزرة"، وتحول مصر لثالث أكثر دول العالم تنفيذا للإعدام حيث تم إعدام ما لا يقل عن 51 رجلاً وامرأة في عام 2021 ".

انتقدت "عدم عقاب المسئولين عنها مؤكدة أن "عدم عقباهم شجعهم على زيادة القمع وقتل المصريين".

"ماجدالينا مغربي"، نائبة مدير قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في العفو الدولية قالت في بيان سابق :"إن عدم محاسبة فرد واحد من قوات الأمن ،أو أولئك الذين يضطلعون بالمسؤولية على مستوى القيادة، عن أعمال القتل عزز مناخ الإفلات من العقاب".

أكدت أن :"هذا الهروب من العقاب ،شجع  قوات الأمن على القيام بعمليات إخفاء قسري جماعية ،وتعريض المعتقلين بشكل روتيني للتعذيب ،وغيره من أنواع سوء المعاملة دون خوف من تقديمهم للعدالة".

الإفلات من العقاب

يمكن رصد ثلاثة أسباب وراء استمرار إفلات الانقلابين من العقاب حتى الآن على النحو التالي:

أولها: التواطؤ الدولي مع قادة وسلطة الانقلاب؛ بسبب استفادة أمريكا ،وأوروبا، وإسرائيل ،ودول أخرى من خدمات نظام السيسي لهم ،وتحقيق مصالحهم داخل مصر أو على المستوي الإقليمي.

السبب الثاني: كراهية حكومات الغرب ،وأنظمة عربية للربيع العربي، خصوصا بعدما ثبت لهم أن المستفيد من الديمقراطية الحقيقية، والانتخابات الحرة التي تلت هذا الربيع ،هو التيار الإسلامي ومخاوفهم الحرمان من النفوذ والمصالح.

وحين سأل مذيع برنامج 60 دقيقة 60Minutes على قناة CBS عبد الفتاح السيسي يناير 2019 عما إذا كان قد أصدر الأمر بقتل ألف من المعتصمين في رابعة، برر السيسي قائلا: "كان هناك الآلاف من المسلحين في الاعتصام لأكثر من 40 يوما، لقد حاولنا بكل وسيلة سلمية صرفهم".

وتابع: "عندما تكون هناك أقلية تحاول فرض عقيدتها المتطرفة، علينا أن نتدخل بغض النظر عن أعدادهم"، وهو تأكيد على أنه ـ أي السفاح السيسي ـ هو من أصدر أوامر فض الاعتصام.

https://www.cbsnews.com/news/egypt-president-abdel-fattah-el-sisi-denies-holding-political-prisoners/?fbclid=IwAR3QQKQCFLV7NCogeJ7sSNSdBi6jud5AMcV5U_juaybv10o09pOHIKPsDIg

السبب الثالث: استفادة ضباط الجيش والشرطة، ورجال أعمال، وقوى الدولة العميقة عموما مما جري من إجهاض للربيع العربي في صورة امتيازات ومصالح ظهرت بوضوح في بيزنس الجيش والشرطة المنتشر المهيمن على الاقتصاد.

وكذا إصدار السيسي قانونا يحصن ضباط الجيش من المسئولية عن جرائمهم منذ الانقلاب وحتى عام 2016، وهي الفترة التي شهدت مجزرة رابعة والنهضة، والحرس الجمهوري ،ورمسيس ،وغيرها من بين 27 مجزرة في كافة أنحاء مصر، وإعطائهم صفة دبلوماسية خلال سفرهم؛ بما يمنع ملاحقتهم خارج مصر.

هل ضاع حق شهداء رابعة بين أقدام قضاة السيسي المُعينين؟ ما دلالات هذا ؟ وما يترتب على ذلك؟ هل هو ضوء أخضر للشرطة والجيش لقتل من يرغبون مع ضمان الإفلات من العقاب؟ هل هناك وسائل أخرى لمحاكمة القتلة؟ هل يدفع هذا لعودة العنف الذي حذرت صحف من أنه ينمو ببطء في غياهب السجون وتحت سياط التعذيب؟.

لماذا ترفض الأمم المتحدة فتح تحقيق؟

عام 2016 نفي مكتب الأمم المتحدة في مصر صدور أي بيان على لسان الأمين العام للأمم المتحدة السابق "بان كى مون" بشأن ما أُثير في الإعلام عن شئون مصر، في إشارة لما نشرته وسائل إعلام حول مطالبة الأمم المتحدة بـ "تحقيقات كاملة في مقتل مئات المصريين في فض "رابعة" بعد مرور 3 سنوات.

وأهاب المكتب، بحسب بيان، بكافة أجهزة الإعلام "تحري الدقة في نقل البيانات وكل ما تتناوله من معلومات عن الأمم المتحدة".

أيضا نقلت بوابة "أخبار اليوم" المصرية نفي "فرحان حق" نائب المتحدث باسم "بان كي مون" الأمين العام للأمم المتحدة، طلب الأمين العام للمنظمة الدولية إجراء تحقيق شامل بشأن فض قوات الأمن المصرية اعتصام جماعة الإخوان في ميدان رابعة العدوية قبل ثلاثة أعوام.

وأكد حق لـ "أخبار اليوم" "عدم صدور تصريح منه أو من المنظمة الدولية، فيما يخص فض اعتصام رابعة، ونفيه للتصريح الذي نسبته إليه وكالة أنباء «الأناضول» التركية الرسمية، بشأن دعوة الأمين العام للأمم المتحدة "بان كي مون"، بإجراء تحقيق كامل بشأن فض اعتصام ميدان رابعة العدوية في أغسطس 2013".

ونقلت وكالة الأناضول عن نائب المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة "فرحان حق":" أن الأمين العام للأمم المتحدة دعا في 13 أغسطس 2016 إلى ضرورة إجراء تحقيقات كاملة بشأن مقتل مئات المدنيين على أيدي قوات الشرطة والجيش المصري، خلال فض اعتصام ميدان رابعة العدوية، شرقي القاهرة، منذ 3 سنوات في أغسطس 2013".

وأضاف:" أن بان كي مون يعتقد أنه من المهم للغاية إجراء تحقيق كامل بشأن مقتل مئات المدنيين خلال فض اعتصام ميدان رابعة العدوية في شهر أغسطس2013".

وحول الدعوات لإنشاء لجنة دولية للتحقيق في المذبحة ،ومحاكمة الجناة أكد:" أن مجلس حقوق الإنسان (التابع للأمم المتحدة) هو المُخوّل بإنشاء لجنة للتحقيق في جميع انتهاكات حقوق الإنسان الناجمة عن القتل الجماعي للمحتجين في مصر خلال ذلك اليوم".

لذلك استغرب حقوقيون رفض الأمم المتحدة فتح تحقيق دولي شفَّاف في مجزرة رابعة أو ملابسات وفاة الرئيس محمد مرسي حتى الآن.

وطالبوا الأمين العام للأمم المتحدة بالتحقيق في مجزرة فض اعتصامي رابعة العدوية والنهضة، مؤكدين أن رفض التحقيق قد يكون له دلالة سياسية، ويعبر عن تواطؤ الغرب مع السيسي مقابل حمايته لمصالحهم.