حصاد ما بعد «نكبة 30/6»

- ‎فيمقالات

ثمانى سنوات مضتْ على ما اعتبرها الانقلابيون «ثورة»، وأسماها المعارضون «سهرة»، والحقيقة أنها كانت انقلابًا غادرًا خطط له العسكر مبكرًا بمشاركة أذنابهم المدنيين منذ يوم الأحد (٢٤/٦/٢٠١٢)، تاريخ فوز الدكتور «محمد مرسى» برئاسة الجمهورية..

ولن نستطيع هنا حصر جميع الكوارث التى حلَّت بنا عقب هذا اليوم، فنشير إلى بعضها باختصار؛ إذ على إثره تم التحول من التجربة الديمقراطية الوليدة والعودة إلى النظام العسكرى المستبد الذى فاق ما سبقه بمراحل فى الديكتاتورية والطغيان، وكبت الحريات وانتهاك حقوق الإنسان، وتكميم الصحافة وتفريغ الساحة السياسية من أى نشاط؛ حتى تحولت مصر إلى معتقل كبير يحيطه الزبانية، وهم يحملون شتى أدوات القتل، من كل مكان.

لقد جاء هذا اليوم ومعه الانقسام المجتمعى، والفرز الطائفى، وغياب السلم الداخلى الذى لا تقوم الدول إلا به، وهذا كله كان مخططًا له؛ لأنه لا تدوم مثل هذه الأنظمة غير الشرعية إلا على صناعة التخوين بين الأحزاب، وإشعال الفتنة بين مكوِّن الجماعة الوطنية، وقد نجحوا فى ذلك بدون شك، مستغلين غباء البعض وطمع أو خوف البعض الآخر؛ ما جعل المحروسة مثل قنبلة موقوتة تنتظر الانفجار فى أية لحظة. نسأل الله السلامة.

وجاء هذا اليوم ومعه الفقر والعوز، فى مشهد بائس لم يمر على مصر من قبل؛ حيث تلاشت «الطبقة المتوسطة»، صمَّام أمان المجتمع، وانتقلت من ثم إلى شرائح الفقراء التى اتسعت حتى طالت ما يزيد على (60%) من تعداد المجتمع، حسب إحصاءات رسمية، فاتسعت الهوة بين الطبقتين: المعدمة وهى غالبية المجتمع، والصفوة وهى طبقة الحكام والموظفين الكبار ورجال الأعمال ذوى الحظوة، وصارت ثمة دولتان: مصر القديمة من أهل المعاناة دافعى الضرائب، ومصر الجديدة من المذكورين أعلاه المستمتعين بأموال المعدمين يعبونها عبًّا.. ولا رقيب!

وبعد هذا اليوم شهدت مصر -ولا زالت- فشلًا اقتصاديًّا ذريعًا، تؤكده الأرقام، ويثبته الواقع الذى يشهد تراجع الإنتاج، وخلل ميزان المدفوعات، والتضخم، والبطالة، والكساد، والتوسع فى القروض التى تتم فى الخفاء، والأخطر: بنود الميزانية التى يمثل (80%) منها حصيلة ضرائب منتزعة من جيوب الشعب.

تمر ذكرى هذا اليوم، وقد اختفت من جغرافية «المحروسة» جزيرتان مساحتهما شاسعة وموقعهما إستراتيجى، وتم التنازل عن حقها فى غاز المتوسط، ومياه النيل (وربما كانت هناك تنازلات أخرى لم يتم الإعلان عنها) حتى صرنا مهددين بالعطش، ورغم ذلك لم تستطع مصر رد يد لامس، فبالأمس بنتْ إثيوبيا سدَّها وهددتْ بقطع يد من يقترب منه، واليوم يعلن جنوب السودان بناء سد كبير وسدود أخرى على مجرى النهر منتهزًا فرصة ضعف المصريين وقبولهم -من قبل- بالموت عطشًا.

صارت مصر بعد هذا اليوم، وما كنا نود ذلك، ذات سمعة سيئة واسألوا إن شئتم «أم ريجينى» التى قالت: (قتلوه كأنه مصرى)، وأبناؤها -أبناء مصر- يُهانون كل ساعة فى الخارج ولا رادع لمعتد؛ لعلمهم أن مصر تقزمت وضاعت هيبتها بعد أن فقد حكامها شرعيتهم. مصر العظمى كبيرة المنطقة صارت تأتمر بأوامر الصغار، دولًا وأفرادًا، وتُستخدم كــ«بودى جارد» لفض النزاعات، مصر التى كانت ترسل المعونات إلى الأشقاء صارت تستقبل ملابسهم المستعملة، وصار إعلامها لسان حال من يدفع أكثر منهم ولو كان قوادًا أو بغيًّا.

لا تعجب إذًا إن سمعت أن مصريين يتجنسون بجنسيات أخرى مستغنين عن جنسية آبائهم وأمهاتهم، أو يرفضون العودة إلى بلدهم للأبد، أو أنهم يلقون بأنفسهم فى البحار معرضين أنفسهم للغرق من أجل النجاة من أرض مولدهم التى لم تعد تحتملهم، أو يعبرون الصحراء القاتلة فرارًا من الظلم والمعاناة فيوجدون بعد ذلك بالعشرات وقد نهشتهم الفرائس بعدما هلكوا بالعطش.

إن أسَّ المصائب هم أولئك الذين اختطفوا الحكم وليس فى نيتهم التخلى عنه ولو هلك نصف المصريين؛ ذلك أن حساباتهم فى الحكم محسومة لمصالحهم الشخصية، ثم تأتى فى مرحلة متأخرة مصلحة الوطن؛ من ثم لا يهمهم فشل مؤسسى ولا معاناة شعب، المهم أنهم تخلصوا من «الإخوان»، فإذا تحدثت الآن عن محسوبيات صارخة وفساد مستشر وغياب للأمن الجنائى وظلم وظلمات فلن يسمع لك أحد، بل سيمُنُّون عليك أن لك بيتًا يؤويك وطعامًا يكفيك وأنك لست لاجئًا مثل العراقيين أو السوريين..