الحرب الأهلية في إثيوبيا.. تداعيات انسحاب القوات الحكومية من تيجراي

- ‎فيعربي ودولي

أعلنت جبهة تحرير تيجراي في إثيوبيا "استعادة سيطرتها على عاصمة الإقليم "ميكيلي" والمدن الرئيسية في تيجراي، بعد حوالي ثمانية أشهر من سيطرة القوات الحكومية إبان الحرب التي شنتها ضد قوات الجبهة منذ نوفمبر 2020م.

القوات الحكومية انسحبت من الإقليم قبل سيطرة قوات جبهة تحرير تيجراي عليه، بعدمات قامت بعمليات نهب وسلب وسطو على الأموال من  البنوك وممتلكات المواطنين وتفكيك معدات الاتصالات التابعة لوكالات الأمم المتحدة، وسط مشهد عملياتي يشير إلى استمرار المعارك بين الطرفين خلال الأسبوعين الماضيين التي أدت إلى سيطرة قوات دفاع تيجراي على معظم الأجزاء من الإقليم.

وكانت قوات رئيس الحكومة آبي أحمد قد شنت قبل في منتصف يونيو الجاري هجوما على سوق في منطقة Togogaغرب العاصمة ميكيلي مما أسفر عن مقتل 60 شخصًا، في الوقت الذي تمكنت فيه قوات تيجراي من إسقاط طائرة نقل من طراز C-130 تابعة للقوات الجوية الإثيوبية بالقرب من ميكيلي، كما استهدفت أربع فرق عسكرية من الجيش الإثيوبي، فضلًا عن احتجازها أكثر من ثلاثة آلاف جندي إثيوبي، وفقًا لتصريحات غيتاتشو رضا عضو جبهة تيجراي.

من جهته، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش إنه تحدث إلى رئيس الوزراء أبي أحمد وإنه "يأمل في وقف فعلي للقتال". وأضاف في بيان "من الضروري حماية المدنيين ووصول المساعدات الإنسانية إلى من يحتاجون لها، فضلاً عن إيجاد حل سياسي".

 

تحولات ميدانية

التحول الجديد يأتي في أعقاب انسحاب الإدارة المؤقتة لأديس أبابا، وإعلان الحكومة الفيدرالية وقف إطلاق النار في الإقليم حتى سبتمبر المقبل لأسباب إنسانية بناءً على طلب الإدارة المؤقتة في الإقليم، لكن هذه الحرب ما جرى خلالها من فظائع من جانب القوات الحكومية كشفت عن توجهات بالغة الاستبداد عند آبي أحمد الحاصل على جائزة نوبل للسلام لا سيما وأنه سمح للقوات الإريترية للتدخل في هذه الحرب وشن غارات انتقامية ضد فئات من الشعب الإثيوبي في إقليم تيجراي لأسباب سياسية تتعلق برفضهم نظامه حكمه الديكتاتوري.

هذا القرار يبرهن على فشل آبي أحمد في الاحتفاظ بالإقليم وإن كان يسعى لتسويق هذا الوقف لإطلاق النار وسيطرة قوات جبهة تحرير تيجراي على الأقليم أنه توجه نحو السلام في المنطقة،  كما أن مناورة آبي أحمد بإعادة ترتيب أوراقه وتعزيز قوته العسكرية بهدف شن هجوم محتمل مجددًا ضد قوات تيجراي لاستعادة السيطرة على الإقليم قد تفشل لكونه قد يواجهها بمفرده خاصة بعد انسحاب القوات الإريترية من بعض المناطق في تيجراي، واحتمال نشوب خلافات بين آبي أحمد وقادة قومية أمهرة، وهما شريكان أساسيان له خلال الحرب الأخيرة، في مقابل إصرار من جبهة تحرير تيجراي على طرد القوات العسكرية من الإقليم.

وتأتي هذه التحولات متزامنة مع تصاعد حملات الإدانة الدولية للانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها قوات آبي أحمد ضد أهالي تيجراي، وكان آخرها دعوة كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وأيرلندا إلى عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن الدولي لمناقشة الوضع في تيجراي، والمطالبات الدولية بانسحاب القوات العسكرية من الإقليم الذي يشهد تفاقمًا للأوضاع الإنسانية حيث يعاني أكثر من 350 ألف شخص من خطر المجاعة هناك وفقًا للأمم المتحدة.

 

دلالات كاشفة

وبحسب تحليل نشره "مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية"، فإنه في الوقت الذي ينتظر فيه آبي أحمد نتائج الانتخابات البرلمانية التي أجريت في 21 يونيو الجاري وسط انتقادات داخلية من المعارضة السياسية حول سياسات النظام الحاكم في تلك الانتخابات، يشير انسحاب القوات الحكومية والإدارة المؤقتة من إقليم تيجراي الذي لم تُجر فيه الانتخابات الأخيرة بسبب الأوضاع الأمنية، إلى العديد من الدلالات، التي يتمثل أبرزها في:

1- تغير المعادلة في إقليم تيجراي: في ضوء تحقيق الجبهة مكسبًا استراتيجيًا بسيطرتها على العاصمة ومعظم المدن الرئيسية هناك، وتكبيد القوات الإثيوبية والإريترية خسائر خلال الفترة الماضية، والتي اضطرتها في النهاية إلى الانسحاب من الإقليم، فإن ذلك يعني أن هناك واقعًا جديدًا يتبلور في الإقليم، وهو ما يمثل ضربة قوية للتحالف القائم خلال الحرب الأخيرة بين آبي أحمد والرئيس الإريتري أسياس أفورقي، وقادة إقليم أمهرة.

2- تفوق قوات دفاع تيجراي: أعادت تلك القوات تنظيم صفوفها وتجنيد مقاتلين جدد، ونجح تكتيك حرب العصابات التي شنتها ضد الجيش الإثيوبي بهدف استنزاف قدراته خلال الشهور الماضية، وصولًا إلى استعادة السيطرة على الإقليم مجددًا، في الوقت الذي بات الضعف أحد سمات القوات الحكومية التي انسحبت من الإقليم-برغم تبرير آبي أحمد بأن الجيش الإثيوبي يخوض حرب عصابات على 8 جبهات منفصلة في البلاد- لا سيما أنها اعتمدت بشكل كبير على مساندة بعض الأطراف الإقليمية في السيطرة على تيجراي في إشارة إلى القوات الإريترية وميلشيات قومية أمهرة وعدد من الجنود الصوماليين وفقًا لتقدير صادر عن الأمم المتحدة.

3- جولة جديدة من الصراع الداخلي في إثيوبيا: تشير التطورات في الإقليم إلى عودة خصم قوي وعنيد لآبي أحمد وهو جبهة تحرير تيجراي، مما قد يربك حساباته الداخلية ويعرقل مشروعه السياسي حول مستقبل الفيدرالية الإثيوبية والذي ينتظر المضي قدمًا بشأنه عقب إعلان فوزه في الانتخابات الأخيرة. وبالتالي لن يقف آبي أحمد صامتًا خاصة في ظل التأكيد على ملاحقة قادة تيجراي مما يعني أن ثمة حربًا جديدة قد تندلع في المنطقة.

كما أن عودة جبهة تحرير تيجراي قد تفرض مواجهة عسكرية محتملة مع إقليم أمهرة على خلفية تورط ميلشياتها إلى جانب الحكومة الفيدرالية في الحرب على إقليم تيجراي، خاصة أن الجبهة قد أعلنت نيتها التدخل في أمهرة وإريتريا إذا دعت الضرورة لملاحقة قوات العدو حسب وصفها، لا سيما أن الجزء الغربي من إقليم تيجراي والمحاذي للسودان يخضع لسيطرة مسئولين من قومية أمهرة منذ شهور.

4- فرض الحل السياسي للصراع: يعزز نجاح قوات دفاع تيجراي في استعادة السيطرة على ميكيلي من فرص الجلوس على طاولة المفاوضات لتسوية الصراع سلميًا، وهو أمر أصر آبي أحمد على رفضه بشكل قاطع منذ اندلاع الصراع، إلا أن تحول المشهد لصالح جبهة تيجراي مؤخرًا مع استمرار تصاعد الضغوط الأمريكية والدولية قد يفرض هذا الحل على كافة الأطراف. إضافة إلى تلميح الحكومة الإثيوبية باستعداد بعض العناصر داخل قوات تيجراي للتوصل لحل سلمي، وتأكيد أبراهام بيلاي، رئيس الإدارة المؤقتة في تيجراي، على مسئولية الحكومة الفيدرالية بشأن إيجاد حل سياسي للصراع.

5- التشكيك في شرعية آبي أحمد: ربما يؤدي نجاح جبهة تيجراي في طرد القوات الإثيوبية من الإقليم إلى تراجع شعبية آبي أحمد في الداخل -بغض النظر عن نتائج الانتخابات المنتظرة والمتوقع تحقيق حزب الازدهار الذي يقوده آبي فوزًا مريحًا فيها- وضعف الثقة في قدرات الجيش الإثيوبي، وتزايد الشكوك حول قدرة آبي على توحيد البلاد من مخاطر التفكك المحتمل في ظل سياق محلي ملغم بالأزمات والاضطرابات الإثنية والأمنية، وهو ما يمكن أن ينعكس على نظرة القوى الدولية الفاعلة في القرن الأفريقي للأخير سلبًا في ظل حرصها على استقرار إثيوبيا باعتبارها ركيزة أساسية للأمن الإقليمي بالمنطقة.

أما حول التداعيات المحتملة فإن فشل آبي أحمد في  تيجراي قد يطرح بقوة فكرة حق تقرير المصير لإقليم تيجراي تمهيدًا للانفصال عن الدولة الإثيوبية في سبيل تحقيق حلم دولة تيجراي الكبرى الذي يراودها منذ سبعينيات القرن الماضي، مما يعني مزيدًا من الانقسامات الداخلية في إثيوبيا، وتوتر العلاقة بين الحكومة المركزية وبعض الأقاليم الإثيوبية.

أما على المستوى الإقليمي؛ فربما يفقد آبي أحمد حليفه الرئيسي في المنطقة أسياس أفورقي في حال شن حرب جديدة ضد إقليم تيجراي، في ظل التخوف الإريتري من الضغوط والعقوبات الأمريكية والدولية، والحذر من عمليات انتقامية قد تشنها قوات دفاع تيجراي في الداخل الإريتري، والسعي للتخلص من نظام أفورقي بالتعاون مع المعارضة الإريترية وبعض القوميات المناهضة له.

وعلى الصعيد الدولي؛ قد يفتح إبراز جبهة تحرير تيجراي للانتهاكات التي تورطت فيها القوات الإثيوبية في الإقليم المجال أمام المزيد من التوتر في العلاقات بين نظام آبي أحمد والمجتمع الدولي لاسيما الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة في ظل سياسة التعتيم التي انتهجها النظام الإثيوبي طوال الشهور الماضية إزاء كافة الأحداث التي شهدها إقليم تيجراي، الأمر الذي قد يدفع نحو مساءلة آبي أحمد أمام التحكيم الدولي بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية، وقد يدفع نحو مسار آخر في حال فشل آبي أحمد في تسوية الأزمة مع إقليم تيجراي وتجنيب إثيوبيا حالة الانقسام الداخلي وتداعياتها، وذلك بتغييبه عن المشهد السياسي في البلاد خلال الفترة المقبلة.

وإجمالًا، يدفع الصراع في إقليم تيجراي في ضوء المشهد الراهن نحو المزيد من التعقيد على الساحة الإثيوبية، لما ينطوي عليه من ارتدادات سلبية قد تهدد وحدة الدولة الإثيوبية ومستقبل الفيدرالية فيها، وانعكاسات ذلك على أمن واستقرار منطقة القرن الأفريقي بشكل عام.