كيف يضر تعديل “قانون المحكمة الدستورية” بموقف مصر في أزمة سد النهضة؟

- ‎فيتقارير

مع الذكرى الثامنة لانقلاب 3 يوليو 2013م، يأبى نظام الطاغية عبدالفتاح السيسي إلا أن يبرهن كل يوم على أنه ما جاء إلا لتدمير مصر وإضعافها لحساب القوى المعادية لها سواء كان ذلك بدراية منه ومن عصابته باعتبارهم مجموعة من الخونة الذين اغتصبوا الحكم بقوة السلاح، أو بدون علم باعتبارهم مجموعة من الجهلة الذين لا يعرفون كيف يديرون دولة كبيرة بحجم مصر وليس  بينهم من يتمتع بكفاءة تؤهله ليدرك الفرق بين العدو والصديق في العلاقات الدولية، أو للأمرين معا الخيانة والجهالة.

في مارس 2015م وجه الجنرال السيسي طعنة غادرة لمصر بتوقيع اتفاق المبادئ  بالعاصمة السودانية الخرطوم، وهو الافاق الذي منح الإثيوبيين شرعية لبناء سدهم العظيم وفتح لهم أبواب التمويل الدولي بعدما أغلقت وبات هذا الاتفاق اليوم هو الوثيقة المصرية الوحيدة التي تعترف بشرعية السد رغم أنه يخالف قوانين الأنهار الدولية ويضر بالأمن القومي المصري في الصميم. ما فعل السيسي ذلك إلا لأنهم يقدم أطماعه في  السلطة على مصالح مصر وأمنها القومي، وما وقع على هذا الاتفاق المشبوه والعبثي إلا مقابل اعترف الاتحاد الإفريقي بشرعية انقلابه العسكري المشئوم. وبذلك أضعف السيسي موقف مصر وجعلها أضحكومة بين العالمين.

الآن يكرر السيسي نفس الخيانة، ويطعن مصر مجددا بطعنات غادرة تسهم في المزيد من إضعاف موقفها أمام  إثيوبيا في أزمة السد، وذلك عبر موافقة برلمانه الذي تشرف عليه الأجهزة الأمنية  يوم الأحد 27 يونيو 2021م  على مشروع قانون تعديلات المحكمة الدستورية رقم 48 لسنة 1979، تمهيداً لأخذ الموافقة النهائية على تعديل القانون في جلسة لاحقة، والذي يمنح المحكمة حق الرقابة القضائية على دستورية قرارات المنظمات والهيئات الدولية، وأحكام المحاكم وهيئات التحكيم الأجنبية، المطلوب تنفيذها في مواجهة الدولة المصرية، والحكم بعدم الاعتداد بمثل هذه القرارات، أو بالالتزامات المترتبة على تنفيذها. وكانت اللجنة التشريعية قد وافقت  على مشروع التعديلات يوم الإثنين 14 يونيو 2021م الذي أعدته وزارة العدل بحكومة الانقلاب.  

وينص مشروع القانون على أن تضاف مادتان جديدتان إلى قانون المحكمة الدستورية العليا بالقانون رقم 48لسنة 1979 برقمي 27مكررا و33 مكرر:

  • حيث تنص المادة 27 مكرر: على أن تتولى المحكمة الدستورية العليا الرقابة على دستورية قرارات المنظمات والهيئات الدولية وأحكام المحاكم وهيئات التحكيم الأجنبية المطلوب تنفيذها في مواجهة الدولة.
  • وتنص المادة 33 مكرر، على أنه لرئيس مجلس الوزراء أن يطلب من المحكمه الدستورية العليا الحكم بعدم الاعتداد بالقرارات والأحكام المشار إليها في المادة 27مكررا أو بالالتزامات المترتبة على تنفيذها.

بحسب مراقبين فإن ذلك التعديل يعد تهربا من نظام السيسي لأي اتفاقيات دولية وأي التزامات تعاهدية دولية، ومحاولة من النظام للتحلل من بعض الالتزامات الدولية المتعلقة بملف حقوق الإنسان وقضايا التحكيم الدولي في الملف الاقتصادي والاستثماري. كما أن مصر بمشروع القانون هذا تواجه وضعًا عالميًا غير مسبوق”، ويفرض نظام السيسي على مصر عزلة دولية. فالرقابة على الاتفاقيات الدولية في الدساتير الدولية تكون رقابة سابقة، والنظر في مدى توافقها مع دستور الدولة يكون قبل التوقيع عليها”، فإذا كانت اتفاقية ما أو منظمة دولية يتضمن قانونها إضرار بمصالح مصر وأمنها القومي فلماذا يتم التوقيع على مثل هذه المعاهدة أو الانضمام لمثل هذه المنظمة الدولية التي تضر بمصالح مصر من الأساس؟ فليس من المعقول أن يقوم رأس النظام بالتوقيع على اتفاقيات دولية، ثم تصدر حكومته وبرلمانه قانوناً بعدم الاعتداد بالأحكام والقرارات الصادرة عن المحاكم والمنظمات والهيئات الدولية المترتبة على هذه الاتفاقيات!”.

مشروع القانون بهذه المضامين والتوجهات يقوض موقف مصر من أزمة سد النهضة؛ فلم يأخذ النظام في الحسبان أن إثيوبيا لا تريد أن تتقيد بشيء بينما تصرّ مصر على التوصل إلى اتفاقية ملزمة قانونا بشأن ملء خزان السدّ وتشغيله. لا يمكن لاتفاقية ملزمة إلا أن تنص على وسائل تسوية المنازعات التى تنشأ عن تطبيقها. تشمل هذه الوسائل المفاوضات والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية. ولا يمكن لدولة تطلب اتفاقية ملزمة أن تقبل بالتفاوض أو الوساطة أو التوفيق.

الإلزام يفترض وجود حكم ملزم لتسوية أى نزاع بين أطرافه يصدر إما عن هيئة تحكيم أو عن محكمة دولية. وإثيوبيا لا تعترف بالاختصاص القضائى لمحكمة العدل الدولية فلا يبقى إلا تشكيل هيئة للتحكيم للبت فى المنازعات التى تنشأ عن تطبيق الاتفاقية الملزمة. فهل من المعقول أن يصرّ  نظام الطاغية الأرعن على عقد اتفاقية ملزمة بشأن سد النهضة حيث يتبنى النظام سياسة التفاوض ويستبعد الخيار العسكري، ثم تقول ضمنا إن أحكام هيئة للتحكيم تنشئها هذه الاتفاقية لن تكون ملزمةً لها بالضرورة إن كانت فى غير صالحها؟ كيف يمكن أن يؤثر ذلك على موقف الأطراف التى تحاول أو يمكن أن تحاول المساعدة على الوصول إلى اتفاق يلبي مصالح مصر؟!

معنى ذلك أن مشروع القانون هذا ينال من سمعة مصر ويقوض مصالحها، وينسف حتى فكرة التفاوض من الأساس مع إثيوبيا في أزمة سد النهضة لأنها يمكنها في هذه الحالة أن تصدر قانونا مشابها لمشروع قانون السيسي يمنحها سلطة عدم الاعتداء بحكم أي هيئة تحكيمية في أزمة سد النهضة وبالتالي فالسيسي يمنح  الإثيوبيين مزيدا من الأدوات التي تمكنها من الإفلات في أزمة السد والإضرار بمصالح مصر وأمنها القومي.