أسباب هوس السيسي بالإرهاب والإصرار على إسناده للإسلام

- ‎فيتقارير

يبدي الطاغية عبدالفتاح السيسي، زعيم عصابة الانقلاب، اهتماما بالغا بقضية الإرهاب؛ فلا يكاد يخلو لقاء له محليا وخارجيا من المبالغة في التحذير من الإرهاب. ولم تتصدر مشكلة أحاديث وتصريحات وخطابات السيسي كما تصدر "الإرهاب" سواء في خطاباته أمام الأمم المتحدة أو في المنتديات والمؤتمرات التي حضرها أو تلك التي تكفل هو بإقامتها على نفقة الدولة الفقيرة؛ حتى أزمة سد النهضة التي تمثل تهديدا وجوديا لمصر لم تحظ باهتمام السيسي كملف الحرب على الإرهاب. علاوة على ذلك يملك السيسي شغفا لا يقاوم أمام حب الظهور والشو الإعلامي وتقمص شخصية الحكيم الخبير العليم بكل الخفايا والأسرار وكوامن النفوس وصاحب الرؤية الشجاعة الشاملة لمواجهة هذه الظاهرة.

وبتحليل خطابات السيسي ومؤسسات نظامه ومنظومته الإعلامية فإن رؤيته عن الإرهاب تقوم على المضامين الآتية:

أولا، تنطلق رؤية السيسي في مكافحة الإرهاب من موقف راسخ وثابت يتبناه نظامه بأن الإرهاب صناعة "إسلامية" متجاهلا أن المسلمين هو أكثر ضحايا الإرهاب في العالم؛ ونبرهن على ذلك بــ  4 أدلة:

  1. الأول أن السيسي أشار مرات عدة إلى أن مصر تواجه الإرهاب نيابة عن العالم؛ وهو ما يمثل حصرا للإرهاب بما يجري في مصر فقط دون النظر إلى عالمية الإرهاب وأنه لا يتبع دينا معينا بقدر ما هو فعل مجرم بعيدا عن الانتماء الديني بسحب استراتيجية الأمم المتحدة لمواجهة الإرهاب.
  2. الثاني،  تحذيرات السيسي خلال مشاركته في مؤتمر ميونيخ للأمن عقد في فبراير 2019م من دور المساجد في نشر الإرهاب، وتحريض أوروبا على مراقبة المساجد دون غيرها من دور العبادة الأخرى؛ ما يدلل على أن نظرة السيسي للإرهاب هي اتهام الإسلام والمساجد به دون غيره من الديانات الأخرى.
  3. الثالث، أن السيسي يطالب دائما المؤسسات الإسلامية بتجديد الخطاب الديني الإسلامي ولا يوجه نفس المطالب لأصحاب الديانات الأخرى؛ تفسير ذلك يعني أن السيسي يرى الخلل في الخطاب الإسلامي ويحمله المسئولية كاملة على تفشي ظاهرة الإرهاب؛ متجاهلا دور الخطاب السياسي والفشل الاقتصادي والأهم هو دور انقلابه في تعزيز الأفكار والتنظيمات الإرهابية التي لم تكن تؤمن أصلا بالانتخابات والممارسة السياسية السلمية كطريق للتغيير؛ فقد أجهض هو بانقلابه المسار الديمقراطي وبث الروح في أفكار تنظيمات "داعش والقاعدة" من جديد بعد أن كادت تتلاشى بعد نجاح ثورة 25 يناير واحتواء الجميع في عملية سياسية شاملة دون إقصاء لأحد.
  4. الرابع، قيام وزارة التعليم التابعة لحكومة السيسي في مشهد رجعي استبدادي بحرق عشرات بل مئات الكتب الإسلامية لعلماء ربانيين يتصفون بالوسطية والاعتدال بتهمة ترويج هذه المؤلفات للتطرف والإرهاب وهو اتهام صريح للفكر الإسلامي دون غيره بهذه الفرية وتلك الأكذوبة التي يراد تسويقها لأهداف سياسية بحتة لخدمة توجهات النظام وأغراضه.

ثانيا، الخلط العمد بين الحركات الإسلامية المعتدلة التي تؤمن بالمشاركة السياسية والقبول بالديمقراطية والاحتكام إلى صناديق الانتخابات في إطار تداول سلمي للسلطة (الإخوان) مع الحركات الراديكالية (داعش ــ القاعدة) التي تمارس التكفير الديني وتعتبر الديمقراطية في حد ذاتها كفرا وأنها مجرد لعبة غربية لتضليل الشعوب وتؤمن باستخدام "العنف" في مقاومة عنف السلطة والرد عليها بالمثل وصولا إلى إكراه الناس على اتباع أفكارهم وتصوراتهم.

ثالثا، التضخيم والمبالغة في خطورة هذا البعبع "الإرهاب"، حيث وصفه  بالوباء اللعين الذي يستشري في العالم كله من خلال انتقال العناصر المتطرفة عبر الحدود من دولة إلى دولة، أو باتخاذهم بعض الدول ملاذا آمنا، لحين عودتهم لممارسة إرهابهم المقيت، أو من خلال حصولهم على الدعم والتمويل، مختبئين وراء ستار بعض الجمعيات المشبوهة، وأخيراً وليس آخراً، عبر توظيفهم لوسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، لتجنيد عناصر جديدة والتحريض على العنف والكراهية.

رابعا، محاولة تبرير  قمعه والتزلف للغرب وقيمه  بأن «الإرهاب مختلف كل الاختلاف عن المعارضة السياسية السلمية، التي نقبلها جميعا كظاهرة صحية ومقوم أساسي لأي حياة سياسية سليمة!» لكن السيسي تعامى عن ممارساته القمعية التي طالت الجميع علمانيين وإسلاميين وعسكريين، كما أنه أقصى جميع خصومه ومنافسه عبر استخدام أعتى أدوات القمع والبطش، واتهام أكبر تيار سياسي في مصر  حصل على ثقة الشعب ولا يزال يدعمه ثلث المصريين على الأقل بالإرهاب وهو التيار الإسلامي الواسع، وعلى رأسه حركة الإخوان المسلمين وحزب الحرية والعدالة.

خامسا،  الخلط العمد بين التطرف من جهة والإرهاب من جهة أخرى، رغم أن التطرف ليس بالضرورة مؤديا إلى الإرهاب، ولذلك  يرى نظام السيسي أن التنظيمات الإسلامية التي يصمها هو بالإرهاب لاعتبارات سياسية على اختلافها تمثل تهديدا متساويا، وأنها تنهل أفكارها من ذات المعين الفكري (الإسلام) الذي يحض علي العنف والقتل وترويع الآمنين! ولذلك يعتبر نظام السيسي أن التطرف هو المظلة الفكرية التي تستند إليها التنظيمات التي يصفها بالإرهابية عبر تزييف المفاهيم الدينية، لتحقيق أهداف سياسية. ومع ضبابية وغموض معنى "التطرف" وعدم وجود تعريف محدد له وكذلك لمعنى الإرهاب فإن السيسي بذلك يفتح الباب واسعا لشن حرب على الإسلام ذاته وجميع علمائه ودعاته إذا عارضوه بدعوى مواجهة التطرف والإرهاب.

سادسا، التأكيد على أن ممارسات السيسي وحربه على الإرهاب إنما تمثل جزءا من الحرب العالمية ضد الإرهاب، والتأكيد على التزامه بمد يد العون والشراكة لكل الحلفاء في المعركة ضد تلك التنظيمات في كل مكان".  ولذلك ينخرط نظام السيسي في جهود محاربة تنظيم داعش عبر المشاركة في اجتماعات التحالف الدولي لمحاربة داعش، وكذلك من خلال العضوية في المنتدي العالمي لمكافحة الإرهاب. ترؤس لجنة مكافحة الإرهاب داخل مجلس الأمن عام 2016، الأمر الذي فتح المجال واسعا لطرح رؤية السيسي حول مكافحة الإرهاب.

سابعا، توظيف المؤسسة الدينية الإسلامية والمسيحية لخدمة تصورات السيسي عن الإرهاب، وبخلاف ممارسة التكفير السياسي لكل مخالفيه فإن هذه المؤسسات الدينية أصدرت سيلا من الفتاوى التي تمارس تكفير كل التنظيمات الإسلامية التي رفضت انقلاب السيسي على المسار الديمقراطي في منتصف 2013م، وتتصدر وزارة الأوقاف أولى المؤسسات المتحمسة للقيام بهذه الأدوار المشبوهة، تليها دار الإفتاء عبر مرصدها، بينما رفضت مشيخة الأزهر ممارسة التكفير ليس بحق جماعة الإخوان المسلمين فقط بل رفضت تكفير تنظيم "داعش" ووصفته مسلحيه بالبغاة؛ واعتبرت التكفير في حد ذاته  انزلاقا لا يجوز شرعا لأنه يفتح الباب واسعا  أمام عمليات تكفير مضادة وتضع الأزهر نفسه في ورطة كبيرة هو في غنى عنها.

ثامنا، ضرورة  الحفاظ على ما يسمى بكيان الدولة الوطنية وصيانتها، وإصلاحها في الحالات التي تقتضي ذلك، واعتبر ذلك مفتاح الاستقرار، والخطوة الأولى على طريق إعادة الأمن للشعوب. ويطالب لتحقيق ذلك مزيدا  من التعاون المشترك مع الأصدقاء من الأمريكان والروس والأوروبيين وغيرهم؛ بغرض تدعيم مؤسسات الدولة لمواجهة التحديات الصعبة، مع الاعتداد بمبدأ المواطنة في مواجهة دعوات الطائفية والتطرف. وذلك بهدف ضمان بقاء واستمرار النظام للقيام بأدوار وظيفية إقليمية ودولية تحفظ نفوذ الدول الكبرى وتحمي مصالحها في المنطقة.

 

[1] بمؤتمر ميونيخ للأمن.. السيسي يدعو الغرب لمراقبة المساجد ويعرّض بتركيا/ الجزيرة  نت 16 فبراير 2019