لهذه الأسباب.. الحرب الكونية على “الإرهاب” غطاء زائف للحرب على الإسلام

- ‎فيتقارير

للأسف تتشارك النظم العربية المستبدة والحكومات الغربية في مقاربة متماهية حول مفهوم الإرهاب والعمل على توظيفه سياسيا بما يخدم أهداف كل فريق؛ فالحكومات العربية المستبدة تستهدف تكريس سلطويتها وضمان بقائها في السلطة. أما الحكومات الغربية فتستهدف تبرير غزوها وتدخلاتها السافرة في البلاد العربية والإسلامية والأهم تشكيل صورة نمطية مشوهة عن الإسلام كدين للحد من انتشاره وتنفير الناس منه.

وبتحليل المرامي والأهداف من خطابات السيسي ونظامه حول الإرهاب، وعلاقة ذلك بالمصالح الأمريكية الغربية وحربها الكونية على الإسلام باسم الحرب على الإرهاب يمكن رصد الأبعاد الآتية:

 أولا،  لا يملك  طاغية مصر بضاعة يقدمها للعام الغربي والأمريكان سوى الحرب على ما يسمى بالإرهاب وكذلك ملف الهجرة غير الشرعية، فالإرهاب يتم التعامل معه من جانب النظام على أنه ذلك الغول الوهمي الذي تم صناعته وتضخيمه ويراد له أن يبقى  ويستمر من أجل توظيفه سياسيا لخدمة أغراض النظام، ولعل ذلك التوظيف يفسر أسباب العجز المقصود من جانب النظام بكل ما يملك من جيش وشرطة ومخابرات وإمكانات هائلة أمام عدة مئات أو  حتى آلاف من المسلحين؛ فالأرجح أن الجيش والشرطة وأجهزة السيسي تخوص حربا مسرحية مفتعلة لا يراد لها أن تنتهي؛ لأن إعلان القضاء على هذا الإرهاب المفتعل والمبالغ فيه،  وهو ما وعد به السيسي عدة مرات ولم يحققه؛ يعني عدم قدرة النظام على استخدام هذه الشماعة الجاهزة باستمرار لتعليق الفشل عليها باستمرار وتوظيفها لتبرير القمع وانتهاكات حقوق الإنسان في كل المحافل والمواقف.

البعد الثاني، أن تسويق ملف الإرهاب والمبالغة فيه، نجح في تحقيق غنائم استراتيجية وسياسية جمة ما كانت لتخطر على بال من أسس له. فقد تم احتلال العراق وتدمير سوريا وإفشال ثورات الربيع وترسيخ قدم الاستبداد والاستعمار على حد سواء باسم مقاومة الإرهاب والحرب على الإرهاب. لكن من جهة أخرى لا يزال المفهوم غامضا غموض الحرب عليه وغموض العناصر المشاركة فيه والكيانات المستهدفة منه، وهو الأمر الذي أسهم بشكل كبير في التغطية على الجرائم المرتكبة تحت شعار هذه الحرب الغامضة.

الثالث، أن هناك تجاهلا تاما بأن المسلمين هم أكبر ضحايا الإرهاب على مستوى العالم، فإن لغة الأرقام والإحصاءات التي نشطت بعد حادثة تشارلي إيبدو بفرنسا سنة 2015، حول العمليات الإرهابية، كشفت عن نتيجة صادمة لكثيرين. ففي إحصاء لمنظمة يوروبول (وكالة إنفاذ القانون بالاتحاد الأوروبي) تبين أن 2 في المئة فقط من الهجمات الإرهابية في أوروبا عام 2013 نفّذها مسلمون و98%، نفذها غير مسلمين على خلفية دوافع عرقية أو قومية أو انفصالية. وفي دراسة أجرتها جامعة نورث كارولاينا الأمريكية عام 2014، فإنه منذ هجمات 11 أيلول/ سبتمبر لم تُوقِع العمليات المرتبطة بمسلمين إلا 37 قتيلا، في حين أن 190,000 قتلوا في الفترة الزمنية ذاتها بالولايات المتحدة الأمريكية من غيرهم. واستنادا إلى هذه الأرقام وغيرها، خصصت مجلة ديلي بيست الأمريكية تحقيقا خلُصت فيه إلى ما يلي: "ليس خطؤك لو لم تكن على علم بحقيقة أن غالبية الجرائم الإرهابية في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية ينفذها غير مسلمين.. إنه خطأ الإعلام"، وقديما قيل: "أعطني إعلاما بلا ضمير، أعطك شعبا بلا وعي".

البعد الرابع، أن الدول الغربية التي تقود هذه الحرب الكونية والشاملة، كما تسميها، يُجمع أصحاب القرار بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية على الربط المتعمد بين الإرهاب والإسلام حتى ليكاد الإرهابي لا يكون إلا مسلما. هذا التوجه الخطير والعنصري يكشف أن دعاوى حوار الحضارات والتسامح بين الأديان والثقافات ليست إلا شعارات ترفعها المؤسسات الغربية زورا من أجل الاستهلاك الإعلامي.

الخامس، يبدو الموقف المحير هو الموقف العربي من المسألة الإرهابية وخاصة من التعريف المقدم لها والطرق التي تراها كل دولة أنجع في مواجهة الظاهرة الإرهابية. وتبدو مقاربة النظام المصري الذي يقوده زعيم الانقلاب السيسي هي الأكثر تماهيا مع النظرة الغربية الأمريكية التي تحصر الإرهاب في الإسلام والمسلمين؛ وتحت شعار الحرب على الإرهاب أوغل العسكر في تنفيذ عمليات الإعدام ضد الأبرياء والخصوم السياسيين وصار يفعل ذلك بدافع الانتقام والترهيب والتشفي وخلق هالة من الفزع والرعب في صفوف المصريين. بل إن الطاغية السيسي قد تجرأ على تقديم النصح للأوروبيين  بمراقبة المساجد في أوروبا لأنها حسب زعمه تفرخ الإرهاب والتطرف والتشدد!.  فالثابت هو أن هذه الرؤية التي تربط الإرهاب بالإسلام وبالشعوب هي نفس الرؤية الأوروبية لكنها في الحالة المصرية تشكل مدخلا للتخلص من الخصوم ولتبرير تصفية المعارضين السياسيين وتكريس ديكتاتورية العسكر.

البعد السادس، هو أن مقاربة السيسي والغرب المتماهية حول الإرهاب تركز على المبالغة فيه والتضخيم من خطورته لكنها تتجاهل الزاوية الأخرى الأكثر أهمية وهي الأسباب التي أفضت إلى هذه الظاهرة؛ فالتطرف والتشدد والغلو ليس إلا مظهرا من مظاهر إرهاب الأنظمة واستبداد الدولة، وممارسة هذه النظم أقسى صور الإقصاء والعنصرية والتمييز ضد الخصوم والمعارضين خصوصا إذا كانون إسلاميين. فمقاربة نظام العسكر والنظم العربية السلطوية لمفهوم الإرهاب والتي تتماهي مع المقاربة الغربية التي تربط الإرهاب بالدين الإسلامي وبالشعوب، توظفها النظم العربية كمدخل لتبرير الدكتاتورية.  فما اقترفه النظام السوري في حق المدنيين العزل من قصف بالبراميل وبالأسلحة الكيماوية ومن تعذيب وخطف وتهجير إنما تم تحت راية الحرب على الإرهاب. وهو الأمر نفسه الذي يحدث في مصر وفي ليبيا وفي أغلب الدول العربية التي تبرر فيها الحرب على الإرهاب كل أنواع القمع والتنكيل الذي تمارسه الأنظمة على شعوبها.

خلاصة الأمر أنه يراد بهذه الحرب العبثية تشويه صورة الإسلام ورسم صورة نمطية بالغة التشوه له كدين باعتباره الأكثر انتشارا في العالم، واستطلاعات الرأي تؤكد أن غالبية الغربيين والأميركان لديهم صورة مشوهة مسبقة عن الإسلام بما يحول دون التعرف عليه أو الرغبة في ذلك؛ فهناك مؤسسات ضخمة وحكومات كبرى تمول هذه الحرب القذرة بآلاف المليارات من الدولارات خوفا من انتشار الإسلام وخشية من أن يصبح المسلمون في يوم من الأيام هم الغالبية في القارة العجوز.