بعد زيارة “لعمامرة” للقاهرة.. تعهدات مصرية بوقف العبث بليبيا مقابل دعم جزائري بـ”سد النهضة”

- ‎فيعربي ودولي

جاءت زيارة وزير الخارجية الجزائري رمضان لعمامرة للقاهرة، مؤخرا، في وقت بالغ الأهمية لكلا من الجزائر والقاهرة، خاصة في ضوء التطورات الإقليمية المحيطة بالبلدين.

في ليبيا وتونس من جهة ومع إثيوبيا من جهة أخرى، الزيارة جاءت بعد غيوم من تلبد العلاقات المشتركة، على إثر اعتداءات، بحسب الجزائر، على الثوابت الجزائرية في ليبيا وفي تونس، حيث تمادت القاهرة في العبث بالملف الليبي منفردة وهو ما أغضب الجزائر بشدة بوصف ليبيا إحدى دول الجوار المهمة والمؤثرة في الساحة الجزائرية، وزاد الغضب الجزائري مشاركة جنود وضباط مخابرات مصريين في انقلاب الرئيس التونسي قيس سعيد على الدستور وهو ما أعلنت الجزائر رفضها له مطالبة القاهرة بسحب مخابراتها من القصور الرئاسية بتونس، حيث يديرون الانقلاب، وهو ما ردت عليه الجزائر بتحركات واسعة في الملف الإثيوبي وطورت علاقاتها مع أديس أبابا الساعية لإيحاد تعاون موسع مع طرف عربي قوي إقليميا بعد تأزم علاقاتها مع السودان ومصر، وهو ما أقلق القاهرة بصورة كبيرة وأجرت اتصالات مع الجزائر لمقايضة المواقف الجزائرية، ودعوتها للتوسط لدى إثيوبيا في حلحلة ملف سد النهضة المأزوم، مقابل تعاون أوسع في ليبيا وإنشاء لجنة عليا مشتركة بين الجزائر ومصر؛ لتعزيز العلاقات والتعاون في شتى المجالات.

في هذا السياق جاءت زيارة وزير الخارجية الجزائري رمضان لعمامرة إلى القاهرة. حيث عقد وزير خارجية الانقلاب سامح شكري مع نظيره الجزائري رمضان لعمامرة لقاء مطولا  استمر نحو 4 ساعات متواصلة، وفي ما يخص الملف الليبي، قال شكري إن "مصر والجزائر توليان اهتماما بالغا بليبيا الشقيقة، مؤكدا ضرورة تعزيز الاستقرار ومؤسسات الدولة في ليبيا".

وناقش الوزيران العديد من الملفات الثنائية والتعاون بين البلدين، بالإضافة إلى عدة قضايا إقليمية وعلى رأسها ليبيا وتونس. وتصدرت قضية سد النهضة الإثيوبي المباحثات بين الوزيرين حيث تأتي هذه الزيارة للوزير الجزائري بعد زيارته لإثيوبيا والسودان الأيام الماضية.

 

المحطة الثالثة

وتعد هذه الزيارة هي المحطة الثالثة لوزير الخارجية الجزائري بعد زيارته دولتي إثيوبيا والسودان؛ بهدف استئناف مفاوضات السد الإثيوبي من جديد، بعد توقفها منذ جولة مفاوضات كينشاسا برعاية الاتحاد الإفريقي في إبريل الماضي، ما دفع السودان ومصر للجوء إلى مجلس الأمن الدولي لوضع منهجية جديدة للتفاوض.

وقال لعمامرة إن "ما يحدث في تونس شأن داخلي ونتضامن مع الشعب التونسي، ونقيم اتصالات مع قيادتها ولدينا قناعة بقدرة تونس على الخروج من هذه الأزمة". أضاف، خلال مؤتمر صحفي مع شكري في القاهرة، أن "بلاده تدعم وضع مسيرة تونس السياسية والمؤسساتية على الطريق الصحيح".

وفي وقت سابق، قال لعمامرة إنه "يجب التوصل إلى حلول مُرضية بين مصر وإثيوبيا والسودان لحفظ الحقوق والواجبات بين كل الأطراف، لتسود الشفافية المطلقة في هذه العلاقة وتجعلها مبنية على أساس المساواة في الثروة المائية الهائلة التي تعد عنصرا أساسيا في كل مجالات الحياة".

وكانت مصادر مصرية، كشفت عن "أزمة مكتومة تمر بها العلاقات المصرية الجزائرية، ونقلت صحف عربية أن اتصالات رفيعة المستوى جرت أخيرا بين مسؤولين من البلدين، أبدت خلالها القاهرة انزعاجها من تطور العلاقات الجزائرية مع إثيوبيا، في وقت تدرك فيه الجزائر جيدا مساعي أديس أبابا لتوظيف أطراف عربية في أزمتها مع القاهرة بشأن سد النهضة، الذي يمثل تهديدا حقيقيا للأمن المائي المصري".

في المقابل، أبدى الجانب الجزائري "استياءه من التحركات المصرية الخاصة بملف الأوضاع في ليبيا، بمعزل عن الجزائر، التي تعد واحدة من القوى صاحبة النفوذ في المشهد الليبي، لاعتبارات الجوار، إذ ترتبط بحدود برية كبيرة مع ليبيا، فضلا عن تأثرها بتحركات اللواء المتقاعد خليفة حفتر في شرق ليبيا، بدعم مصري".

 

تحركات جزائرية

كما رصدت القاهرة تحركات جزائرية، لا يمكن فهمها إلا في إطار إحراج القاهرة في ملف سد النهضة، من خلال دعم أديس أبابا من جانب طرف عربي أفريقي قوي، وهو ما يتوافق مع رغبة إثيوبيا في البحث عن قوة عربية لها ثقلها داخل الاتحاد الأفريقي لمد علاقات التعاون معها، وانتزاع موقف داعم لها، وهو ما تلاقى مع رغبة جزائرية في توجيه رسائل غاضبة للقاهرة بشأن الملف الليبي، يشار إلى أن الاتصالات الأخيرة التي جرت بين المسؤولين المصريين والجزائريين، تضمنت توضيحات مصرية بشأن تحركات القاهرة خلال الفترة الأخيرة في الملف الليبي. هذه الاتصالات شهدت عرضا مصريا بتعاون واسع في ملف ليبيا، وتشكيل لجنة عليا مشتركة بين البلدين، تكون مختصة بالتعاون في كافة المجالات بينهما والتي تمثل اهتماما مشتركا".

من جهته، أبدى الجانب الجزائري أبدى استعداده لدراسة المقترح المصري، قبل الشروع في اتخاذ أي خطوات بشأنه، في ظل ارتباطه في المقابل بعلاقات قديمة مع إثيوبيا. ولمست القاهرة حرصا، ربما يكون مبالغا فيه، بشأن علاقات الجزائر بإثيوبيا، على حساب المصالح المصرية، على الرغم من العرض المصري.

ويأتي هذا في الوقت الذي نقل فيه وزير الشؤون الخارجية الجزائري رمضان لعمامرة، خلال زيارة له إلى إثيوبيا، رسالة من الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، تم التأكيد فيها على مسألة التزام البلدين بالشراكة الإستراتيجية وتطلعهما المشترك إلى ترقية السلم والاستقرار في مختلف مناطق القارة الأفريقية، علاوة على التضامن والتعاون بين الهيئات الأفريقية والعربية، كما التقى لعمامرة بنائب رئيس الوزراء الإثيوبي، وزير الخارجية ديميكي ميكونان، واستعرض معه مجالات التعاون الثنائي، وعلى رأسها المجالات الاقتصادية والتجارية، وتبادلا وجهات النظر حول المسائل ذات الاهتمام المشترك على المستوى القاري والدولي.

 

تسريع وتيرة مفاوضات السد

كما تم الاتفاق خلال الاجتماع بين الوزيرين الجزائري والإثيوبي على البدء في التحضيرات لعقد الدورة الخامسة للجنة المشتركة الإثيوبية الجزائرية وتسريع وتيرة إنجاز مشروع اتفاق قيد الدراسة حول الخدمات الجوية والذي سيسمح بافتتاح خط جوي مباشر للشركة الوطنية الإثيوبية للطيران يربط عاصمتي البلدين.

وخلال اللقاء الذي تطرق إلى أزمة سد النهضة، أكد الوزيرأن التوافق بخصوص القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك، لا سيما جهود إسكات صوت السلاح في جميع بؤر التوتر عبر القارة وأهمية الاتحاد الأفريقي، وآفاق تعميق الشراكة بين أفريقيا والعالم العربي.

وساهم الملف الليبي في توتر العلاقات بين الجزائر ومصر، ففي الوقت الذي أعلن فيه قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي، في 20 يونيو من العام الماضي، أن حدود سرت الجفرة خط أحمر أمام القوات التابعة لحكومة الوفاق الوطني وغرب ليبيا يحظر الاقتراب منها، ملوحا بالتدخل المباشر عسكريا في ليبيا حال تجاوزها، قال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، في 8 يونيو الماضي، أن "بلاده كانت قد اعتبرت أن العاصمة الليبية طرابلس خط أحمر أمام مليشيات شرق ليبيا التي يقودها خليفة حفتر المدعوم مصريا، مشيرا إلى استعداد بلاده للتدخل المباشر إذا تم تجاوز هذا الخط".

وعلى أية حال فإن ممارسات السيسي الإقليمية الهوجاء التي لا تنطلق من رؤية سياسية بل بتحريض وتوجيه إماراتي، يؤثر سلبا على مكانة مصر الإقليمية وموقفها المرتبك في كافة الأزمات سواء مع ليبيا أو إثيوبيا والسودان.