ما يُزعج في خطابات ديكتاتور مثل السفاح السيسي حول قضايا جوهرية وحساسة مثل رغيف الخبز ليس فقط فحوى الخطاب، لكن كذلك هذه الجرأة على الحديث باستخفاف وسخرية كامنة وظاهرة فيما يمس مقدرات ومصائر البشر، وهو انعكاس لإحساسه بالألوهية الكاملة وغياب أي أداة للرقابة أو المراجعة تحاسب وتعاقب الفرعون.
وكان الكشف عن بناء قصور بكُلفة باهظة، أحد الأسباب الرئيسية التي أدت إلى تحريك الشارع واندلاع احتجاجات شعبية ساخطة، في شهر سبتمبر 2019، في العاصمة القاهرة وعدة محافظات، تطالب برحيل السفاح السيسي.
وبات واضحا لكل ذي عينين في رأسه أن الفقراء في مصر، هم من ينفقون ويدفعون فواتير السفاح السيسي والجيش والشرطة وكل "العواطلية" الذين يحملون لقب "مسؤولين"، إذ أعلن السفاح السيسي، أمس الثلاثاء، أنه سيشرف على خطة لزيادة سعر رغيف الخبز المدعم الذي يبلغ سعره حتى الآن خمسة قروش.
من الغلابة للجيش!
التناقض في سياسات عصابة السفاح السيسي بات يقف وراء غليان الشارع، إذ اعتمد على إجراءات تقشفية صارمة أنهكت الفقراء عبر تقليص الدعم ورفع أسعار الوقود والسلع والخدمات وفرض ضرائب جديدة، وفي الوقت نفسه أنفق ببذخ عشرات المليارات من الجنيهات على بناء قصور ومشروعات للأغنياء، الأمر الذي أدى إلى زيادة الديون لأرقام قياسية وتواصل العجز، وبالتالي انعكس ذلك سلبا على معيشة المصريين.
وقال السفاح السيسي، خلال مؤتمر افتتاح المدينة الصناعية الغذائية "سايلو فودز"، وهي إحدى السبوبات المملوكة للجيش، إنه "قد حان الوقت لزيادة سعر رغيف الخبز أبو خمسة صاغ، وأنه من غير المتصور الإبقاء على سعره بما يعادل 20 رغيفا بثمن سيجارة واحدة، بحسب همجيته".
وشدد بنبرة الفرعون "ليس من المنطقي أن أبيع رغيف الخبز الذي يكلف الدولة 60 قرشا على الأقل، بعملة لا يعرفها الأطفال، وهي 5 قروش".
وذكر السفاح السيسي أنه سيتحمل مسؤولية هذا القرار، وأنه فضل الإعلان عنه على الملأ، بدلا من تفويض الحكومة بإعلانه "عشان أشيل الشيلة بنفسي" على حد تعبيره.
واستطرد مخاطبا المصريين "يستحيل الإبقاء على شيء بنفس الحال والسعر لمدة 30 سنة، أنا مؤتمن على حال البلاد ومصير شعبها".
وبرر السفاح السيسي هذا الإجرام بأن "الزيادة في سعر الخبز ستمول جزءا من قيمة 8 مليارات جنيه ستنفق على دعم الوجبات المدرسية الجديدة للتلاميذ، والتي ستتكلف نحو 7 جنيهات للوجبة الواحدة، وسيدخل فيها مكون بروتيني جديد هو الألبان".
ويمثل رغيف الخبز المكون الغذائي الأساسي لنحو 80% من المصريين، والذين تحاصرهم الأزمات المعيشية من كل جانب، في وقت يرى فيه المواطن أن رغيف الخبز المدعوم لا يصلح للاستخدام الآدمي، نتيجة تردي حالته في جميع المخابز، وانخفاض وزنه إلى أقل من 80 جراما؛ بمباركة من مفتشي وزارة التموين الذين يمرون على الأفران، ليس للتفتيش على أصحابها، لكن للحصول على الرشاوى المالية، وفقا لمراقبين.
إعلان السفاح السيسي زيادة مرتقبة في ثمن رغيف الخبز، السلعة الأهم للملايين من المصريين البسطاء، جاء بعد أشهر قليلة من قرار وزارة التموين في حكومة الانقلاب تخفيض وزن الرغيف المدعّم للمرة الثانية من 110 جرامات إلى 90، بعدما كان 130 جراما، ما يعني ارتفاع سعره أكثر من 30%، في عملية سرقة موصوفة لدعم الخبز، بدعوى أن وزن الرغيف لم يكن يتعدى 91 جراما في كثير من المحافظات، استنادا إلى محاضر مثبتة لدى الوزارة.
أزمات الفقراء
وفي مقابل بناء القصور ومشروعات الأثرياء، يئن المصريون تحت سوط الأزمات المعيشية المتفاقمة والتي أدت إلى زيادة أعداد الفقراء بالملايين.
من جهته يقول أستاذ الاقتصاد أشرف دوابة، إن "سياسات السيسي أدخلت مصر في دوامة أزمات اقتصادية ومالية، إذ أنه أنفق مبالغ ضخمة على بناء قصور ومشروعات لا يستفيد منها سوى الأغنياء".
وقال دوابة إن "الأجهزة الرقابية في مصر تتغاضى عن التحقيق في حقائق الفساد التي تورط فيها السفاح السيسي، في حين تركز على قضايا فساد صغيرة لإلهاء الرأي العام".
واتجه السفاح السيسي نحو مشروعات عملاقة ليس لها أي مردود على المواطن المصري وتصب في صالح الأثرياء، مثل العاصمة الإدارية التي تبلغ كلفتها الإجمالية نحو 90 مليار دولار، حسب تقديرات رسمية سابقة.
وطبقت عصابة الانقلاب، حسب الاتفاق مع صندوق النقد الدولي في 2016، عدة تدابير لتعجيز الأجيال القادمة ورهن مصر بالديون، شملت خفض دعم الوقود والكهرباء لعدة مرات، وكذلك خدمات أخرى، بالإضافة إلى تعويم الجنيه، ما رفع معدلات التضخم إلى مستويات قياسية غير مسبوقة خلال عقود، وبالتالي تآكلت قيمة الدخول الحقيقية للمواطنين.
وتضاعفت أسعار الوقود أكثر من ست مرات منذ استيلاء السفاح السيسي على الحكم في عام 2014، منها أربع مرات منذ حصول عصابة الانقلاب على قرض صندوق النقد.
وكان المقاول "محمد علي" كشف في عام 2019 عن "إهدار السفاح السيسي المال العام، من خلال بناء قصور واستراحات رئاسية خاصة؛ تلبية لطلبات زوجته انتصار، إذ تجاوزت تكلفة أحدها ربع مليار جنيه مصري".
وقال محمد علي في أحد الفيديوهات "تقول إن المصريين فقراء للغاية وإنه ينبغي ربط الحزام، ولكنك ترمي على الأرض مليارات ورجالك يهدرون الملايين".
ورد السفاح السيسي، الذي ظهر منفعلا، بالقول "آه آمال إيه، أنا عامل قصور رئاسية، وهعمل تاني… أنتم هاتخوفوني، ولا إيه، أنا أعمل وأعمل، لكن مش باسمي، ما فيش حاجة باسمي، ده باسم مصر… هو مش هايبقى موجود في مصر غير قصور محمد علي ولا إيه؟".