مداولات للإبقاء على “علام” أو الاستغناء عنه.. هل يستعين السيسي بـ”الضويني”؟

- ‎فيتقارير

لا يمكن التنبؤ حتى اليوم بنية قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي في الإبقاء على مفتي الدم شوقي علام في منصبه أو تعيين شخصية جديدة لتحمل أوزار سيل الفتاوى التي يصدرها مفتي الانقلاب سواء لمساندة السيسي ونظامه الانقلابي أو لإقرار أحكام الإعدام التي تصدرها محاكم الانقلاب ضد رافضي الانقلاب.

فبالرغم من أن اليوم، 12 أغسطس، تنتهي المدة القانونية لتولي "علام" المنصب لبلوغه سن المعاش، فإنه لم يتم الإعلان عن التجديد له أو استبداله، خاصة مع إخضاع التعيين بالكامل لسلطة السيسي بعد أن أصدر، أمس، قرارا رقم 338 لسنة 2021، بـ" اعتبار دار الإفتاء المصرية من الجهات ذات الطبيعة الخاصة، ولا تسري على الوظائف القيادية والإدارة الإشرافية بها أحكام المادتين 17 و20 من قانون الخدمة المدنية".

وبناء على هذا القرار أصبحت دار الإفتاء هيئة مستقلة غير تابعة لأي جهة من الجهات عكس ما كان معمولا به من قبل، حيث كانت تخضع، من حيث المسمى فقط، لوزارة العدل، رغم استقلالها ماليا وإداريا.

وقبل إصدار ذلك القرار تم تداول تقارير عن بحث أجهزة السيسي بشكل متسارع عن مفتي جديد، فيما يسود خلاف كبير بين جهازي الأمن الوطني الذي يفضل التجديد لشوقي علام المتماهي مع نظام الانقلاب وأجهزته، فيما تذهب المخابرات العامة نحو البحث عن شخصية كبيرة تتمتع بشعبية وثقل يواجه شعبية شيخ الأزهر المتصاعدة.

ومؤخرا، انتقلت الخلافات بين جهازي المخابرات العامة والأمن الوطني إلى ترشيحات مفتي الجمهورية، وثار خلاف بشأن الترشيحات للمنصب، فقد قدّم جهاز الأمن الوطني رؤية يتبنى فيها التجديد للمفتي؛ باعتبار مواقف الأخير متوافقة تماما مع الرؤية الرسمية للدولة، فيما قدّم جهاز المخابرات العامة تصورا بضرورة اختيار شخصية جديدة، بسبب فشل علام في مواجهة "الكاريزما" الكبيرة لشيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، والذي تسبب في إحراج السيسي في أكثر من مناسبة.

وبحسب تقارير المخابرات؛ فالطيب يتمتع بشعبية كبيرة، بسبب مواقفه، وسط غياب تام لكافة الشخصيات الدينية الرسمية، وفي مقدمتها وزير أوقاف الانقلاب مختار جمعة، والمفتي شوقي علام.

ورشح  جهاز المخابرات العامة اسم الدكتور محمد الضويني، وكيل مشيخة الأزهر، والذي تم اختياره مؤخرا عضوا في هيئة كبار العلماء، لخلافة علام، مشيرة إلى أن الضويني يتمتع بثقة أجهزة الدولة الرسمية، وهو ما ساعده صدور قرار تكليفه وكيلا للأزهر. كما أن الأخير يملك من الشخصية والكاريزما ما يمكنه من معادلة قوة شيخ الأزهر في مؤسسة دار الإفتاء، خصوصا مع كونه عضوا في هيئة كبار العلماء بالأزهر، كما أن عمل الضويني في بلدان خليجية، مثل الإمارات وسلطنة عُمان، يعد نقطة مهمة في صالحه. ولفتت المصادر إلى أن ترشيح الضويني من جانب المخابرات العامة يأتي كونه شخصية غير صدامية على الإطلاق، ومواقفه الفقهية معتدلة، ولا يُذكر له أي موقف عارض فيه أو تصادم مع قرار رسمي للدولة.

وكان السيسي قد أصدر قرارا في 15 أكتوبر الماضي قضى بتعيين الضويني وكيلا للأزهر الشريف لمدة عام، على أن يعامل بدرجة وزير من حيث الراتب والبدلات. والضويني حاصل على شهادتي الماجيستير والدكتوراه في الفقه المقارن. وهو نال الأخيرة عام 1988، بدراسة عنيت ببيان أحكام المذاهب الثمانية ومقارنتها بالقانون الوضعي وترجيح الاتجاه المناسب وفق مقتضيات الدليل والمصلحة. وعُيّن الضويني أستاذا مشاركا للشريعة الاسلامية والفقه المقارن في معهد دبي القضائي في الفترة من يونيو 2014 وحتى سبتمبر 2016.

 

محطات في العلاقة مع شيخ الأزهر 

ومرت العلاقة بين السيسي وشيخ الأزهر الحالي بمحطات صدام متعددة، نجا منها الطيب، لأسباب كثيرة. وكانت أولى تلك المحطات موقف شيخ الأزهر من مذبحة فض اعتصام رابعة العدوية في 14 أغسطس 2013، وكان لافتا حدة خطاب الطيب، الذي لم يساوِ بين الجلاد والضحية، كما تبرأ من هذه الدماء، وأكد أن الأزهر ليس لديه علم بما حدث، ثم إعلانه الاعتصام في قريته إلى أن تزول الأزمة.

المحطة الثانية في الصدام، كانت متعلقة بهجوم السيسي على قادة المؤسسات الدينية، في عام 2017، متهما إياهم بالتقصير في تطبيق إصلاحات متعلقة بالمناهج التعليمية، موجها حديثه للطيب شخصيا، قائلا له "تعبتني يا فضيلة الإمام". في المقابل، لم يؤثر الطيب السلامة، ويقرر الصمت، بل أعلن الرد على هذه الانتقادات مرارا وتكرارا، مشددا على أن الأزهر يتابع هذه القضية كما ينبغي بطريقته الخاصة، ملمحا أنه لا يحتاج إلى تعليمات من شخصية تفتقر إلى أوراق اعتماد أزهرية.

المحطة الثالثة والأبرز في الصدام كانت ما عرف إعلاميا باسم "الطلاق الشفوي" وتمسك الإمام الطيب بالرأي الشرعي الذي يؤكد وقوع الطلاق الشفوي، ورفضه مطلب السيسي بعدم اعتبار الطلاق نافذا إلا في حال توثيقه. وأصدر الأزهر بيانا يُصر على وقوع الطلاق الشفهي، إلا أنه يشير في الوقت ذاته إلى حق "ولي الأمر"، أي الحاكم السياسي شرعا، باتخاذ إجراءات لتوقيع عقوبة على مَن لا يوثّق الطلاق الشفهي.

المحطة الرابعة كانت ما سمي بأزمة الخطبة الموحدة، والتي أعلن الأزهر وشيخه رفضه لها، وتصدت وزارة الأوقاف وقتها للإمام الطيب، كون ذلك توجيها رئاسيا. فيما كانت المحطة الخامسة والأخيرة، هي التعديلات الدستورية، التي كانت تتضمن نصا يتيح لرئيس الدولة عزل شيخ الأزهر، وذلك قبل أن يتوسط ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد لدى السيسي لاستبعاد ذلك النص.

 

نهج ديكتاتوري

وتعبر المعركة الدائرة عن نهج ديكتاتورية استبدادية، تستهدف توحيد جميع مؤسسات الدولة في خدمة شخصية الحاكم والنظام وليس خدمة الدولة والمجتمع. وهو ما يدفع نحو انهيار مجتمعي كامل، إذ أن التدخل الأمني في اختيار شخصية المفتي يحصر دوره في خدمة التوجهات الأمنية والتي  تحكمها الهواجس، وتشوه قيم المجتمع والدين وتسيس الدين في خدمة الحاكم. وهو ما تابعه المصريون في الفتاوى والآراء الصادرة عن دار الإفتاء والأوقاف التي تصادر حقوق المواطنين لصالح نظام الانقلاب، بل تشوه الدين وتحوله لمطية للنظام.