دراسة ترصد أبرز تداعيات هزيمة أمريكا في أفغانستان

- ‎فيعربي ودولي

انتهت دراسة أعدها «المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات» إلى أن أفغانستان مع عودة طالبان للحكم تقف أمام مرحلة جديدة عنوانها الرئيس عدم اليقين. وعلى الرغم من أن الحركة تبدو مهتمة بتهدئة المخاوف المحلية والدولية حيال إمكانية تبنّيها نهجًا متشدّدًا في الحكم، والحصول على اعتراف دولي، فإن الكثير سوف يعتمد على ما تفعله بعد استعادتها السلطة.

ووفق للدراسة التي جاءت بعنوان «خلفيات عودة طالبان إلى حكم أفغانستان وتداعياتها»، فومن الواضح أن تركيز الحركة منصبٌّ في هذه المرحلة على تجنّب تكرار ما حصل معها خلال فترة حكمها الأولى بين عامي 1996-2001 عندما أدّى خطابها وسياساتها المتشدّدة إلى عزلها وعدم الاعتراف بها.

وتتبنّى "طالبان" منذ سيطرتها على كابول خطابًا سياسيًا معتدلا تأمل أن تنجح من خلاله في إقناع المجتمع الدولي بقبولها، وربما حتى تقديم مساعدات اقتصادية لتحقيق الاستقرار في بلادٍ دمرتها الحرب. ولم يكن اعتراف باكستان بحكم طالبان مفاجئًا بالطبع، ولكن الصين التي تحارب ما تسميه "التطرّف الإسلامي"، وفتحت معسكرات اعتقال للإيغور من مواطنيها، تتجّه هي الأخرى، على ما يبدو، إلى الاعتراف بطالبان؛ فهي ترى أمرًا واحدًا وهو التراجع الأميركي. وهذا هو أيضًا حال روسيا التي لا تخفي سعادتها، ولكنها تفضّل الانتظار ومتابعة سياسات طالبان؛ إذ لديها نفوذها في الجمهوريات الآسيوية. أما الولايات المتحدة، وحلفاؤها في الاتحاد الأوروبي و"الناتو"، فما زال في إمكانهم عزل الحركة، ومنع حصول قبول واسع لها على الساحة الدولية. وربما هذا ما دعا "طالبان" إلى تبنّي خطاب "معتدل" حتى الآن، يشمل احترام التعدّدية السياسية والحريات الأساسية للأفغان، وهذا ما سيكون محلّ اختبار ومراقبة خلال الفترة المقبلة لتبيان كيفية التعامل الدولي مع الواقع الجديد في أفغانستان.

 

التداعيات المحتملة

وبحسب الدراسة فإن من أبرز التداعيات لانسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان وسقوط حكومة كابول وعودة حركة "طالبان" إلى الحكم هو  تراجع الثقة بالولايات المتحدة وصدقيتها بين حلفائها في المنطقة والعالم؛ فالطريقة التي تخلت بها واشنطن عن حلفائها في أفغانستان  ــ بحسب الدراسة ــ  توحي بأنها باتت تميل إلى التخفّف من أي التزامٍ يمكن أن يمثل عائقًا لتوجهها نحو التركيز على التحديات والتهديدات الاستراتيجية التي تواجهها، مثل صعود الصين.

كما نوهت إلى احتمال أن يفضي عودة طالبان إلى الحكم إلى بث الروح في التنظيمات الجهادية المتشدّدة التي تلقت ضربة كبيرة بعد هزيمة تنظيم داعش في العراق وسورية، باعتبار أن ما حصل يُعدّ نصرًا كبيرًا للحركة ومناصريها.

ومن جهة ثالثة توقعت الدراسة احتمال تراجع المكتسبات التي حققتها المرأة الأفغانية خلال العقدين الماضيين، بما في ذلك حق الفتيات الصغيرات في التعليم، وفرض نظام حكم متشدد. رغم أن التصريحات الصادرة من قادة طالبان تنفي مثل هذه الاحتمالات.

كما توقعت الدراسة نشوء فراغ في أفغانستان يذكي روح التنافس بين القوى الإقليمية والدولية؛ ما قد يحول أفغانستان إلى ساحة صراع جديد. ولا يستبعد حصول صراعات على خلفية إثنية وغيرها بعد الصدمة الأخيرة.

 

انتقادات لبايدن

وتشير الدراسة إلى أن إدارة الرئيس الأمريكي جوبايدن تتعرّض لانتقادات شديدة؛ بسبب طريقة إدارتها عملية الانسحاب من أفغانستان (التي تقرّرت بموجب اتفاقية الانسحاب الموقعة في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب) في ظل مخاوف من تداعيات عودة "طالبان" إلى الحكم وإمكانية تحولها، مرّة أخرى، إلى بؤرة استقطاب لتيارات متشدّدة تستهدف الولايات المتحدة ودولا أخرى في المنطقة. وخلافًا لما يروّج بعضهم، لم يكن قرار الانسحاب الأمريكي نتيجة هزيمةٍ عسكرية، بل تمثّل  بفشل سياسي. وهذا لا يعني أن الاحتلال الأمريكي نجح عسكريًا، فقد فشل في القضاء على القدرات العسكرية ل"طالبان التي صمدت وقاتلت عشرين عامًا، وأظهرها الانسحاب الأمريكي بمظهر المنتصر عسكريًا. وكانت نتائج الفشل السياسي وخيمة، فقد كانت واشنطن قادرة على الحفاظ على حكومة الرئيس أشرف غني بعدد قليل نسبيًا من الجنود الأمريكيين وحلفائهم في حلف شمال الأطلسي (الناتو). كان هذا قرارًا سياسيًا – اقتصاديًا بوقف التورّط في أفغانستان. وقد جسّد هذا القرار اعترافًا بفشل سياسي آخر في سياسات ما سُمّي "بناء الأمة" أو "بناء الدولة" بواسطة قوة احتلال.

 

ولترامب نصيب من الفشل

وعلى الرغم من أن ترامب جاء بوعود لإنهاء أكثر الحروب الأمريكية تكلفة وأطولها زمنًا، فإنه قام، عام 2017، بتخويل القيادة العسكرية الأميركية في أفغانستان بزيادة عدد القوات، إذا رأت حاجة إلى ذلك، فضلا عن إعطاء إدارته الضوء الأخضر لشنّ حملة قصف جوي مكثف بأقوى قنابل غير نووية موجودة في الترسانة الأمريكية، ولا سيما بعد ظهور قوى تنسب نفسها إلى تنظيم داعش في أفغانستان. لكن الجهود العسكرية الأمريكية فشلت مرة أخرى في إحداث تغيير جوهري على الأرض، ما دفعه عام 2018 إلى البحث عن سلام مع "طالبان". وبالفعل بدأت إدارته التفاوض مع "طالبان" في العاصمة القطرية، الدوحة، وانتهت بتوقيع اتفاقية سلام معها نصّت على انسحاب أمريكي كامل ينتهي مطلع  مايو 2021، في مقابل أن تقطع الحركة علاقاتها مع القاعدة و"الجماعات الإرهابية الأخرى". وكانت "طالبان" تسيطر عند توقيع اتفاق الدوحة على ما يقرب من نصف مساحة البلاد.

 

خلفيات عودة طالبان

وتشير الدراسة إلى أنه في عام 2018، خلص تقييم استخباراتي أمريكي سرّي، تم تسريبه في وقت سابق من عام 2021، إلى أن انسحابًا سريعًا قد يؤدّي إلى حربٍ أهلية، وعودة "طالبان" إلى السلطة، إلا أن إدارة الرئيس ترامب أصرّت على التفاوض مع "طالبان" والانسحاب على نحو تحصل فيه الولايات المتحدة على ضمانات بعدم استضافة أفغانستان أي "تنظيم إرهابي" مستقبلًا.

لكن إدارة بايدن  ــ بحسب الدراسة ــ لا تتحمّل وحدها المسؤولية عن الفشل في أفغانستان، والذي لم يكن إلا تعبيرًا متأخرًا عن حتميةٍ كان الجميع يعلم أنها آتية. ووفق وثائق حكومية أمريكية سرّية، كشفت عنها صحيفة واشنطن بوست، عام 2019، بعنوان "الأوراق الأفغانية"، كانت الإدارات الأمريكية المتعاقبة، منذ جورج بوش الابن، مرورًا بإدارتَي باراك أوباما وترامب، توصلت إلى استنتاج أنه من غير الممكن القضاء على تنظيم طالبان. وكانت القيادتان السياسية والعسكرية الأمريكيتان تدركان، علاوة على ذلك، فداحة الفساد والضعف الذي تعانيه الحكومة في كابول. ومع ذلك، تجاهلت إدارة ترامب هذه المعطيات؛ تفاديًا للاعتراف بالفشل في ما يسمّى بناء الدولة. لقد نمت في ظل الوصاية الأمريكية نخب سياسية أفغانية وفئات طفيلية تعتمد على الدعم العسكري والاقتصادي الأميركي، ومتنازعة فيما بينها، ولم تكن قادرةً على أن تضرب جذورًا لها أو لمؤسسات الدولة في المجتمع الأفغاني، ولا سيما في الأطراف.

وبحسب الدراسة فقد أدّى الفساد المنتشر في أوساط القوات الحكومية دورًا أيضًا في الوصول إلى هذه النتيجة. نظريًا، كان ميزان القوى يميل بقوةٍ إلى صالح الجيش الأفغاني الذي يفوق عدد أفراده أعداد مقاتلي "طالبان" بحوالي أربعة أضعاف، كما أنه يمتلك أسلحة أكثر تقدمًا، ولديه قوة جوية، وإن كانت محدودة، فضلًا عن التدريب والتمويل والموارد التي أتاحتها له واشنطن. وهذا ما كان يعوّل عليه الرئيس بايدن، وأشار إليه في خطابه في يوليو 2021 لمّا برّر قراره الانسحاب من أفغانستان، من أن الولايات المتحدة وحلفاءها درّبوا وسلحوا مئات الآلاف من الأفغان، منهم أكثر من 300 ألف جندي ورجل أمن في مواجهة 75 ألف مقاتل من "طالبان". والواقع أن عددًا كبيرًا من هؤلاء الجنود لم يكن موجودًا إلا على الورق؛ ما أدّى إلى انتشار ما تسمّى ظاهرة "الجنود الأشباح" أو "الفضائيين"، إذ يميل بعض المسؤولين الفاسدين إلى المبالغة في أرقام المنتسبين إلى قطعاتهم العسكرية للسطو على رواتبهم ومخصصاتهم. ورغم أن الولايات المتحدة انفقت نحو 83 مليار دولار على تدريب الجيش الأفغاني وتسليحه، فإنها لم تستطع أن تزرع إرادة القتال بين أفراده؛ إذ ظلت المعنويات منخفضة بسبب الفساد وسوء الإدارة في أوساط الحكومة الأفغانية وقياداتها العسكرية، فالآلاف من أفراد الشرطة الأفغانية مثلًا لم يتقاضوا رواتبهم منذ شهور، وكذلك الأمر بالنسبة إلى عناصر الجيش.