55 عاما على استشهاد سيد قطب.. المفكر الذي رفض سيف “عبد الناصر” وذهبه

- ‎فيلن ننسى

مرت قبل أيام الذكرى 55 لاستشهاد سيد قطب، على يد مؤسس التعذيب والإجرام السلطوي في مصر جمال عبد الناصر عبر محاكمات هزلية، بالإعدام شنقا عليه في 29 أغسطس 1966، رغم تشارك قطب جمال عبد الناصر في مرحلة ثورة يوليو 1952، وعرض مجلس قيادة الثورة على قطب منصب وزير الثقافة.
ولد قطب في9 أكتوبر 1906، بمحافظة أسيوط. ويعتبر من أكثر الشخصيات تأثيرا على الحركات الإسلامية منذ خمسينيات القرن العشرين. له العديد من المؤلفات والكتابات حول الحضارة الإسلامية، والفكر الإسلامي.
ومر سيد قطب بمراحل عديدة في حياته من حيث الطفولة، ثم أدب بحت في مدرسة العقاد ثم توجه للأدب الإسلامي ثم إلى أن صار رائد الفكر الحركي الإسلامي، وهو كاتب وأديب ومُنظّر إسلامي مصري وعضو سابق في مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين، ورئيس سابق لقسم نشر الدعوة في الجماعة ورئيس تحرير جريدة الإخوان المسلمين.

وُلد سيد قطب في قرية موشى، محافظة أسيوط مصر، بها تلقى تعليمه الأوّلي وحفظ القرآن الكريم. عام 1920 سافر إلى القاهرة، والتحق بمدرسة المعلمين الأوّلية ونال منها شهادة الكفاءة للتعليم الأوّلي. ثم التحق بتجهيزية دار العلوم. في سنة 1932 حصل على شهادة البكالوريوس في الآداب من كلية دار العلوم.

سيرته العملية
بدأ سيد قطب متأثرا بحزب الوفد وخصوصا بكاتبه عباس محمود العقاد وكتاباته الشيقة فقد تأثر كثيرا باعتقادات العقاد وكان من أشد المدافعين عنه إلا أن نظرته إلى الجيل الذي يسبقه قد تغيرت، وصار يُنحي باللائمة عليه في تردي الأوضاع، وبدأ بإنشاء منهج حسب ما يعتقده هو. وفي عام 1933، أنهى سيد دراسته من دار العلوم وعُيّن موظفا بـ 6 جنيهات في الشهر. وفي بداية أربعينيات القرن العشرين، عمل سيد قطب كمفتش للتعليم وزاد شغف سيد بالأدب العربي وقام على تأليف "كتب وشخصيات" و "النقد العربي – أصوله ومناهجه". ثم تحول سيد إلى الكتابة الإسلامية فكتب "التصوير الفني في القرآن" الذي لاقى استحسانا واسعا بين الأدباء وأهل العلم.
وحصل قطب على بعثة للولايات المتحدة في عام 1948 لدراسة التربية وأصول المناهج وفي عام 1951، وكان يكتب المقالات المختلفة عن الحياة في أمريكا وينشرها في الجرائد المصرية، ومنها مقال بعنوان "أمريكا التي رأيت" يقول فيه "شعب يبلغ في عالم العلم والعمل قمة النمو والارتقاء، بينما هو في عالم الشعور والسلوك بدائي لم يفارق مدارج البشرية الأولى، بل أقل من بدائي في بعض نواحي الشعور والسلوك"، ويذكر أيضا الكثير من الحقائق التي عايشها عن الحياة الأمريكية في مختلف تفاصيلها. ويذكر أنه أيضا تعرف على جماعة الإخوان المسلمين ومؤسسها حسن البنا هناك.

وجد سيد قطب ضالته في الدراسات الاجتماعية والقرآنية التي اتجه إليها بعد فترة الضياع الفكري والصراع النفسي بين التيارات الثقافية الغربية، ويصف قطب هذه الحالة بأنها اعترت معظم أبناء الوطن نتيجة للغزو الأوروبي المطلق. ولكن المرور بها مكّنه من رفض النظريات الاجتماعية الغربية، بل إنه رفض أن يستمد التصور الإسلامي المتكامل عن الألوهية والكون والحياة والإنسان من ابن سينا وابن رشد والفارابي وغيرهم لأن فلسفتهم – في رأيه – ظلال للفلسفة الإغريقية.

الارتباط بالإخوان

في 23 أغسطس 1952، عاد سيد من الولايات المتحدة إلى مصر للعمل في مكتب وزير المعارف. وقامت الوزارة على نقله أكثر من مرة، الأمر الذي لم يَرُقْ لسيد فقدم استقالته من الوزارة في تاريخ 18 أكتوبر 1952. وبعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، ازدادت الأحوال المعيشية والسياسية سوءا ولعبت حركة الإخوان المسلمين دورا بارزا في عجلة الإصلاح والتوعية. واستقطبت حركة الإخوان المسلمين المثقفين وكان لسيد قطب مشروع إسلامي يعتقد فيه بأنه " لا بد وأن توجد طليعة إسلامية تقود البشرية إلى الخلاص" ، ولذلك كانت بداية العلاقة بين سيد قطب والإخوان المسلمين هو كتاب "العدالة الاجتماعية في الإسلام" وفي الطبعة الأولى كتب في الإهداء  "الفتية الذين ألمحهم في خيالي قادمين يردون هذا الدين جديدا كما بدأ. يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويُقتلون" وفهم الإخوان المسلمون أن هذا الإهداء يعنيهم هم، فأصبحوا يهتمون بأمره ويعتبرونه صديقا لهم، إلى أن انضم فيما بعد إلى الحركة وأصبح مسؤولا للقسم الدعوي فيها.
توطّدت علاقة سيد بالإخوان المسلمين وساهم في تشكيل الهيئة التأسيسية لجماعة الإخوان. وكان سيد قطب المدني الوحيد الذي كان يحضر اجتماعات مجلس الثورة التي قام بها الضباط الأحرار بقيادة جمال عبد الناصر.
وعقب مسرحية حادثة المنشية 1954 ، واُتهم الإخوان بأنهم هم الذين يقفون ورائها، وتم اعتقال الكثيرين منهم وكان سيد أحدهم، حيث تم الزج به بالسجن لمدة 15 عاما معانيا شتى أصناف التعذيب في السجن. وقد تدخل الرئيس العراقي الأسبق المشير عبد السلام عارف لدى الرئيس عبد الناصر للإفراج عنه في مايو 1964. إلا أنه ما لبث ان اُعتقل ثانية بعد حوالي ثمانية أشهر بتهمة التحريض على حرق معامل حلوان لإسقاط الحكومة كما حدث في حريق القاهرة.
عمل سيد خلال فترة بقائه في السجن على إكمال أهم كتبه التفسير الشهير "في ظلال القرآن" وكتابه "معالم في الطريق" و "المستقبل لهذا الدين".
وفي 30 يوليو 1965، ألقت الشرطة القبض على شقيق سيد "محمد قطب" وقام سيد بإرسال رسالة احتجاج للمباحث العامة في تاريخ 9 أغسطس 1965. أدت تلك الرسالة إلى إلقاء القبض على سيد والكثير من أعضاء جماعة الاخوان المسلمين وحُكم عليه بالإعدام مع 6 آخرين وتم تنفيذ الحكم في فجر الاثنين 29 أغسطس 1966.

 

هنيئا بالشهادة

ولقد رُوي عن سيد قطب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم "أتاه في المنام ليلة إعدامه وكان يمتطي فرسا أبيض ونزل الرسول الكريم من عليه وصافح الشيخ سيد وقال له هنيئا لك الشهادة".
ويوم تنفيذ الإعدام، وبعد أن وُضع على المشنقة عرضوا عليه أن يعتذر عن دعوته لتطبيق الشريعة ويتم إصدار عفو عنه، فقال "لن أعتذر عن العمل مع الله". ثم قال "إن إصبع السبابة الذي يشهد لله بالوحدانية في الصلاة ليرفض أن يكتب حرفا واحدا يقر به حكم طاغية". فقالوا له إن لم تعتذر فاطلب الرحمة من الرئيس. فقال "لماذا أسترحم؟ إن كنت محكوما بحق فأنا أرتضي حكم الحق، وإن كنت محكوما بباطل، فأنا أكبر من أن أسترحم الباطل"  ويُروى أيضا أن الذي قام بعملية تلقينه الشهادتين قبل الإعدام قال له "تشهد"، فقال له سيد قطب "حتى أنت جئت تكمل المسرحية نحن يا أخي نعدم بسبب لا إله إلا الله ، وأنت تأكل الخبز بلا إله إلا الله".
وبعد مرور 55عاما على استشهاده نستحضر قول الشاعرعصام العطار.
يَا شَهِيدًا رَفَعَ اللَّهُ بِهِ جَبْهَةَ الْحَقِّ عَلَى طُولِ المَدَى
سَوْفَ تَبْقَى فِي الْحَنَايَا عَلَمًا حَادِيًا لِلرَّكْبِ رَمْزًا لِلْفِدَى
مَا نَسِينَا أَنْتَ قَدْ عَلَّمْتَنَا بَسْمَةَ الْمُؤْمِنِ فِي وَجْهِ الرَّدّى
غَالَكَ الْحِقْدُ بِلَيْلٍ حَالِكٍ كُنْتَ فِيهِ الْبَدْرَ يَهْدِي لِلْهُدَى
نَسِيَ الْفُجَّارُ فِي نَشْوَتِهِمْ أَنَّ نُورَ الْحَقِّ لَا لَنْ يُخْمَدَا
قال الشيخ أبو عبد الرحمن غنيم المصري (كان سيد قطب من قيادات الإخوان وأقطابهم).