«اللي مش عاجبه يهاجر».. جنرال الخراب يتسبب في غرق 50 مصريا فروا من جحيم العسكر

- ‎فيتقارير

ثلاثي يجبرهم على مغامرة خطرة طرفها البحر والطرف الآخر الموت، إنه الفقر والغلاء والقمع في جمهورية العسكر الجديدة، حيث سادت حالة من الحزن بين أهالي قرية تلبانة التابعة لمركز المنصورة، مساء الجمعة الماضي، عقب الإعلان عن غرق المركب الذي كان يُقلُّ العشرات من أبنائها في رحلة هجرة إجبارية عبر ليبيا، وتم إعلان وفاة 11 من شباب القرية وأطفالها الذين كانوا ضمن الرحلة، هربوا من جحيم جمهورية العسكر الجديدة.
ويأس الشباب الذين لقوا حتفهم أن تقل نسبة الفقر في ظل نظام يتعمد إفقارهم، ولا يؤمّن فرص عمل للشباب، ولا يقوم بزيادة الأجور إلا للجيش والشرطة والقضاء، ولا يمنح الوظائف إلا للمحاسيب، في ظل تفشي نسب البطالة، وأزمة سكن مفتعلة ومتعمدة في ظل ارتفاع أسعار الشقق، ما أدى إلى ارتفاع نسبة العنوسة والطلاق، وجرائم القتل، والعنف الأسري.

العدد مرشح للزيادة
حالة من الغضب خيمت على الشارع المصري مع كشف تلك المأساة الجديدة التي تضاف إلى سجلات المعاناة التي يتجرع المصريون كؤوسها منذ سنوات الانقلاب الدموي، في ظل واقع معيشي متأزم وأوضاع اقتصادية متدهورة، دفعت الجميع بلا استثناء إلى البحث عن بدائل، حتى لو كان الموت إحداها.
وفتح أهالي الشباب المفقودين بيوتهم لتلقي العزاء والمواساة من أهالي القرية، غير مصدقين أنهم فقدوا عشرات الشباب في رحلة واحدة للهجرة غير الشرعية، بسبب أوضاع البلد المنتكسة.
وحرر العشرات من أهالي القرية محاضر بمركز الشرطة بفقدان أبنائهم في ليبيا بعد انقطاع الاتصالات بينهم وبين أبنائهم منذ أكثر من أسبوع .
وقالت مصادر مطلعة إن "العدد يتجاوز الخمسين محضرا تم تحريرها في يوم واحد، والعدد مرشح للزيادة حيث مازال البعض لديه الأمل في وصول أبنائهم للشاطئ الثاني لذلك يلتزم الصمت".
وكشفت المصادر أن "المفقودين تتراوح أعمارهم ما بين 14 إلى 19 سنة وبعضهم سافر دون علم أسرته ثم طالبهم السمسار بالمبالغ المالية بعد وصولهم السلوم وليبيا".
واضطرت الأوضاع الاقتصادية المزرية في مصر إلى قيام الأهالي بدفع مبالغ كبيرة مقابل تسفير أطفالهم إلى إيطاليا، رغبة في حصولهم على الجنسية، باعتبار أنهم صغار السن وستتولى السلطات الإيطالية تبنيهم وإدخالهم المدارس هناك، بعد وصولهم للشواطئ مباشرة".
وكشف عدد من أهالي القرية أن "السمسار حصل على الأموال والتي تصل إلى 30 ألف جنيه عن الفرد الواحد، بخلاف مبلغ 2500 جنيه حلاوة دخولهم ليبيا على حد تعبيرهم".
وقالت والدة محمد حمدان الحارون "ابني عنده 19 سنة واتفق مع السمسار المقيم في لبيبا على السفر مع أصدقائه، وتحصّل شقيقه على المبالغ لكن للأسف المركب غرق لأنه كان لا يصلح والقراصنة ضربوا عليهم نار على الشاطئ، لإجبارهم على صعود المركب رغم عدم صلاحيته حتى غرق بهم".
وأضافت "فوجئت أن السمسار قام بنشر اسم 11 من شباب بالقرية من بينهم ابني، وأكد أنه مات رغم أن في ناس في ليبيا قالوا لنا إنه حي وتم إخراجه من المياه ونقله للمستشفى لكن إحنا مش عارفين الحقيقة".
وتابعت منهارة "أنا عايزة ابني لو حي ولو مات أنا عاوزة جثته لكن إحنا في حيرة ومش عارفين مصير أبنائنا".

جحيم الانقلاب
وطوال سنوات الانقلاب اضطر مصريون للفرار من جحيم الفقر والغلاء والقمع، وفي يوليو 2017 لقي نحو 20 مصريا أُجبروا على الهجرة مصرعهم جنوب بوابة الـ200 بنحو 250 كيلومترا، بالقرب من وادي علي داخل منطقة الرمال، في ليبيا.
وقال مدير عام مركز طبرق الطبي الدكتور فرج الجالي في تصريحات صحفية، إن "جثث المصريين التي عُثر عليها في الصحراء، كانت متحللة، ولهذا رفضت مشرحة مركز طبرق الطبي استقبال الجثث، لأنها تتسبب في نقل الجراثيم".
وفي سبتمبر من نفس العام أعلنت قوات الأمن الليبية عثورها على 16 جثة لمهاجرين مصريين في الصحراء قرب حدود ليبيا مع مصر"، وقال أحمد المسماري المتحدث باسم ما يعرف بالجيش الوطني الليبي المتمركز في شرق ليبيا إنه "جرى العثور على الجثث على بعد نحو 310 كيلومترات جنوب غربي مدينة طبرق الساحلية، ولم تحدد جمعية الهلال الأحمر وقتها تاريخ وقوع الحادث، إلا أنها قالت إن الجثث التي وجدت متحللة".
ومنذ انقلاب 30 يونيو 2013 ومعاناة المصريين في تزايد مستمر، غير أن السنوات الأربعة الأخيرة على وجه التحديد كانت الأشد وطأة على واقعهم المعيشي بلغت ذروتها عقب قرار حكومة الانقلاب تعويم العملة المحلية في الثالث من نوفمبر2016؛ مما تسبب في انهيار قيمته الشرائية ومن ثم قفزات جنونية في الأسعار لم يتحملها المواطن الذي تعاني دخوله من شلل تام.
هذا الارتفاع الجنوني في الأسعار انعكس بدوره على معدلات التضخم لتهرول بدورها نحو مستويات قياسية غير مسبوقة، الأسعار والتضخم قادوا إلى ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب، فبحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فإن "معدل البطالة بلغ نحو 11.9%، بينما كانت هذه النسبة نحو 9% في 2010، ويشير خبراء في مجال التوظيف إلى أن نسبة البطالة الحقيقية تتجاوز 25% خلافا لما تعلنه حكومة الانقلاب".
كل ما سبق أدى في نهاية المطاف إلى طفرة هائلة في نسب الفقر ومعدلات الفقراء في مصر، فوفقا للبيانات الرسمية قفزت نسبة الفقراء من 25.2% عام 2011 إلى 26.3 عام 2013 ثم 27.8% في 2015، بينما تشير بيانات غير رسمية إلى تجاوز معدلات الفقر 40% من إجمالي السكان بعد موجات الغلاء الأخيرة وانهيار القدرات الشرائية للمصريين.
ولا ينسى المصريون تشفي إعلام الانقلاب بمعاناتهم، وعلى رأسهم تامر أمين، الذي قال للمعترضين على رفع الدعم و غلاء الأسعار  "اللي مش هيستحمل الظروف الاقتصادية الصعبة ومش عاجباه العيشة يأخد باسبوره ويغور، يورينا عرض كتافه".