تداعيات النتيجة الصادمة للثانوية العامة بسبب تدني المجاميع وارتفاع نسبة الرسوب مقارنة بالأعوام الماضية تتوالى وتكشف عن انهيار نظام التعليم المصري في عهد الانقلاب؛ حيث دفعت هذه النتيجة طلاب الشهادة الإعدادية إلى تفضيل الالتحاق بالتعليم الفني والهروب من الثانوي العام وهو ما سيتسبب في أزمة كبيرة في مدارس التعليم الفني التي تعاني من نقص في التجهيزات والإمكانات بل وانهيار المباني وعدم وجود معامل أو مراكز تدريب ولا حتى معلمين على المستوى المهني المطلوب.
الهروب إلى التعليم الفني لم يقتصر على طلاب الإعدادية فقط بل إن عددا كبيرا من طلاب الثانوية العامة بدأوا يعيدون النظر مرة أخرى في استكمال المرحلة الثانوية ويفكرون في تغيير المسار والالتحاق بالتعليم الفني.
أفضل من المغامرة!
حول أسباب هذا التوجه للتعليم الفني قالت لبنى ياسر، طالبة في المرحلة الإعدادية إنها "بعد أن تقدمت بأوراقها إلى مدرسة ثانوي عام طلبت من والدها التحويل إلى مدرسة ثانوي تجاري، حيث التحقت بمدرسة السيدة زينب التجارية".
وأكدت أن "هذا أفضل بدلا من بذل الجهد والتعب في الثانوية العامة والنتيجة «حسب الحظ».
فيما طالب راضي فتحي بالصف الأول الثانوي والده بنقله من ثانوي عام إلى أي مدرسة ثانوي فني مضحيا بسنة من عمره بدلا من ضياع 3 سنوات وفي النهاية يصبح مستقبله في علم الغيب".
وقال "سألتحق بالصف الأول الثانوي مرة أخرى في مدرسة فنية أفضل من البقاء في الثانوي العام".
ذعر وقلق
فيما أكد فتحي فهمي، ولي أمر أن "ما حدث هذا العام من قلق وتردد بين الاختبار الإلكتروني والورقي أصاب الطلاب بحالة من الذعر والقلق، ما أدى إلى عدم تركيزهم في الامتحانات، بالإضافة لمشاكل التصحيح الإلكتروني ما أدى إلى رسوب عدد كبير من الطلاب".
وقال فهمي في تصريحات صحفية إنه "ينوي إعادة النظر في دخول أولاده جميعا للثانوية العامة والتفكير في التعليم الفني بمختلف أقسامه".
فئران تجارب
وطالبت رانيا البدري، ولية أمر "الآباء بعدم إلحاق أبنائهم بالتعليم الثانوي العام، وذلك بعد العذاب الذي طالها هي وأولادها، لافتة إلى أن القرارات المتخبطة هي السبب في نزوح الطلاب من الثانوية العامة".
وأكدت رانيا في تصريحات صحفية أن "الدروس الخصوصية بدأت من أول أغسطس ومع أن معظم المدرسين كانوا جزءا كبيرا من رسوب الطلاب والملاحق وتدني المجموع الكلي، فإن الناس كلها بدأت الدروس عند نفس المدرسين لتبدأ رحلة أخرى من الفشل".
وأضافت أن "أولادنا أصبحوا فئران تجارب، ويقع عليهم ظلم كبير، مؤكدة أن المنظومة فاشلة بكل المقاييس وتسبب الأذى النفسي والإحباط للأسر والأبناء".
أبواب خلفية
وقال طارق رشيد مدرب سابق معتمد من الأكاديمية المهنية للمعلمين إن "المعلمين دائما ما كانوا ينصحون أولياء الأمور، الذين لم يحصل أولادهم على مجموع لدخول الثانوي العام بالالتحاق بالتعليم الفني، مؤكدين أنه أفضل طريق لدخول الجامعات خاصة بعد أن دخلت مجموعة مدارس تناسب سوق العمل، مثل مدارس WE وغبور وشركات المياه".
وكشف «رشيد» في تصريحات صحفية أنه "طالب في فترات سابقة، بتحجيم الدخول للتعليم الثانوي من الأبواب الخلفية، مثل فصول الخدمات أو المنازل أو المدارس الخاصة، متسائلا هل من المعقول أن طالبا حصل في الإعدادية على مجموع ١٥٠ أو حتى ٢١٠ يتمكن من الانتساب إلى الثانوية العامة؟".
وأشار إلى أن "ولي الأمر في الماضي، كان يرفض دخول بناته فني تمريض، لكن اليوم أصبح دخول مدارس التمريض بمجموع أعلى من الثانوية العامة، مطالبا ببعض التعديلات في الثانوي الفني للارتقاء بمستوى التعليم فيها، وأهمها: تحديث الأجهزة بالورش وإضافة تخصصات جديدة يتطلبها سوق العمل، وزيادة أعداد المدارس الصناعية، فضلا عن تدريب المدرسين على أحدث طرق التدريس، وتوفير فرص عمل للطلاب بعد التخرج أو توفير مشروعات صغيرة لهم لاستفادة المجتمع منهم وحل مشكلة البطالة، بالإضافة إلى تطوير الصناعات النسيجية وتحديث الماكينات والتوسع في انتشارها بالمدارس الصناعية وربطها بالمصانع".
وشدد رشيد على "ضرورة إعادة فكرة المعمل التجاري في المدارس التجارية، حيث يضم هذا المعمل أجهزة عد النقود وأجهزة الترقيم والطباعة وماكينات فرم المستندات وماكينات التجليد، حيث يتدرب الطالب في هذا المعمل على طريقة استخدام وصيانة هذه المعدات".
وأكد أننا "لسنا بحاجة لشهادات وإنما بحاجة لعمالة مدربة ومؤهلة تقود الصناعة، لذلك يجب توفير قواعد بيانات للتعليم الفني تحدد الأهداف والتحديات والإعلان عن خطط للنهوض بهذا النوع من التعليم".
منفعة مزدوجة
وطالب مصطفى كامل، خبير تربوي، بضرورة ربط المنظومة التعليمية، باحتياجات المجتمع، موضحا أن "الانفصال بينهما جعل أصحاب الشهادات الجامعية عاطلين عن العمل، ما يضطرهم إلى البحث عن تخصصات أخرى، لذا توجهت الأنظار إلى التعليم الفني".
وشدد كامل في تصريحات صحفية على ضرورة أن "يبدأ التطوير من تطبيق نظام المنفعة المزدوجة من خلال عمل مدرسة داخل كل مصنع، ومصنع داخل كل مدرسة، للخروج بأفضل النتائج وتخريج جيل من الطلاب المدربين والمؤهلين لسوق العمل بكافة تخصصاته".
وأشار إلى "ضرورة إدخال القطاع الخاص في منظومة التعليم الفني لتحمل جزء من المسئولية المجتمعية، كما تتطلب المرحلة الحالية تغيير ثقافة المصريين الذين يتعاملون مع طلاب المدارس الفنية على أنهم طلاب درجة ثانية أو دون المستوى".
وتابع «كامل» أن "هناك بعض الشركات الكبرى والمصانع، ساهمت في إنشاء بعض المدارس المتطورة، لتدريب الشباب أثناء التعليم في تلك المصانع، فضلا عن أنهم عند تخرجهم يحصلون على فرص عمل مناسبة لتخصصاتهم، وخير مثال على ذلك مدارس شركة العربي، ومدارس التكنولوجيا ومدرسة الضبعة النووية، وغيرها من المدارس التي تلبي احتياجات المجتمع مطالبا بتعميم هذا التوجه لتلبية توجهات الطللاب نحو التعليم الفني".
