مذكرة أممية تطالب بوقف إعدامات “رابعة”.. لماذا انعدمت العدالة في مصر؟

- ‎فيحريات

أرسل عدد من خبراء  مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة مذكرة إلى  سلطات الانقلاب في مصر، مؤخرا، أعربوا فيها عن قلقهم الشديد بشإن الإعدام الوشيك بحق 12 مصريا عقب محاكمة جماعية في قضية فض "رابعة" الشهيرة. 

ومن أهم المضامين التي وردت في الرسالة التأكيد على انعدام العدالة في مصر، وأن المحاكمة الجماعية التي جرت أخفقت في الوفاء بمعايير الإجراءات القانونية الواجبة والمحاكمة العادلة، كما شابتها مزاعم الإخفاء القسري والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية، أو اللاإنسانية، أو المهينة والاحتجاز التعسفي. رغم أن هؤلاء الــ 12 هم من رموز  المجتمع فمنهم وزراء بالحكومة المنتخبة وعلماء بالازهر وأطباء ومهندسون في تخصصات مهمة ومحاسبون وغيرهم، وم لم يدانوا إلا لأنهم قاوموا الإطاحة بالرئيس المنتخب عبر انقلاب عسكري، حيث قتل ما لا يقل عن 900 من أنصار الرئيس في المذبحة التي وقعت في 14 أغسطس 2013م. 

 

أحكام غير عادلة

وبشان هيمنة الأبعاد السياسية على المحاكمة، تؤكد المذكرة أن هذه الأحكام لم تكن مدفعة بالدوافع الكافية، والقاضي الذي ترأس المحاكمة الأولية عبّر علناً عن انتقاده لاعتصام رابعة العدوية ولأعضاء وأنصار الإخوان المسلمين، بينما كانت المحاكمة لا تزال جارية، وفي حكم متعلق بها لحالة أخرى، كما كان ستة من أصل 12 رجلاً حُكم عليهم بالإعدام في حجز الشرطة أو الأمن في يوليو 2013، وبالتالي لا يمكن أن يكونوا متورطين في التفريق العنيف لساحة رابعة العدوية، الذي حدث في أغسطس". 

لكن الأكثر أهمية في المذكرة الأممية هو تشديد الخبراء على أن فرض عقوبة الإعدام، وتنفيذها، عند انتهاء محاكمة لم تُحترم فيها جميع الضمانات الصارمة للإجراءات القانونية الواجبة ومعايير المحاكمة العادلة، يشكل قتلاً تعسفياً، وهو محظور بموجب القانون الدولي، مؤكدين أنه عندما تُنفَّذ عمليات الإعدام التعسفي على نطاق واسع وبطريقة منهجية، قد يرقى ذلك إلى مرتبة (الجرائم ضد الإنسانية)؛ وقد تنطوي على مسؤولية جنائية عالمية لأي مسؤول متورط في مثل هذه الأفعال. وهو ما قد يفتح الباب أمام محاكمة رموز النظام حال أقدم على تنفيذ أحكام الإعدام الجائرة بحق قيادات  ورموز جماعة الإخوان المسلمين وثورة 25 يناير. 

وأبدى خبراء الأمم المتحدة مخاوفهم بشأن تصاعد تنفيذ أحكام الإعدام في مصر منذ 2020م حيث أعدم ما لا يقل عن 107 أشخاص، وحتى الآن منذ بداية 2021م ،  نُفِّذ 58 حكماً بالإعدام، ما يجعل مصر ثالث أكبر منفذين للإعدام على مستوى العالم. هذه الأرقام المفزعة دفعت خبراء الأمم المتحدة إلى حث سلطات الانقلاب على وقف الأمر بإعدام الأشخاص الـ12 المعنيين؛ نظراً لطبيعة تنفيذ عقوبة الإعدام التي لا رجعة فيها، واتخاذ جميع الخطوات اللازمة لمعالجة أي ادعاء يتعلق بالاختفاء القسري والتعذيب والاحتجاز التعسفي وانتهاك المحاكمة العادلة وضمانات الإجراءات القانونية الواجبة التي قد يكونون قد عانوا منها، والتأكد على الأقل، من إعادة محاكمتهم مع الامتثال الكامل للقانون الدولي.   ودقّ الخبراء ناقوس الخطر بشأن ما يبدو أنه تزايد سريع في عدد تنفيذ أحكام الإعدام في مصر، مكررين دعوتهم للسلطات المصرية للنظر في وضع تعليق رسمي لعمليات الإعدام المعلقة، وأحكام الإعدام المستقبلية، بهدف ضمان أن حالات عقوبة الإعدام تجري مراجعتها بشكل صحيح. من جانبها طالبت حكومة الانقلاب في مصر ممثلة في البعثة المصرية الدائمة في جنيف في رد على المذكرة الأممية بمد مهلة الرد على المذكرة حتى 15 أكتوبر المقبل، دون تقديم أي تفنيد موضوعي على الوقائع المذكورة في المذكرة.

 

دور المحاكم الاستثنائية 

كانت الشبكة المصرية لحقوق الإنسان قد وجهت، في بيان لها منتصف سبتمبر 2021م، انتقادات حادة للمحاكم الاستثنائية في مصر (دوائر الإرهاب ــ المحاكم العسكرية ـ محاكم أمن الدولة العليا للطوارئ)، وقالت إن السلطات المصرية (الانقلابية) أخفقت في الامتثال للمعاير الأساسية للمسارات العادلة في محاكم أمن الدولة العليا للطوارئ وغيرها من المحاكم الاستثنائية. 

وأكدت الشبكة الحقوقية أن المحاكمات الاستثنائية انتهكت العديد من المعاهدات الدولية المتعلقة بحق المحاكمة العادلة، لأنها لم تمنح السجناء حق المثول أمام محكمة محايدة، أو حضور جلسة استماع علنية، أو الحق في التمثيل، وغيرها من أبسط الحقوق القضائية، كما انتهكت المبدأ 5 من مبادئ الأمم المتحدة الأساسية بشأن استقلال السلطة القضائية الذي يتطلب أن يقرر القضاء الأمور من دون تأثير من الفروع الأخرى للحكومة. وتنص "ضمانات الأمم المتحدة على حماية حقوق أولئك الذين يواجهون عقوبة الإعدام، وأن الحكم النهائي يجب أن يصدر من محكمة مختصة بعد إجراء قانوني يعطي جميع الضمانات الممكنة لتكون محاكمة عادلة، وأن تكون على الأقل مساوية لتلك الواردة في المادة 14 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

وقالت الشبكة المصرية إن "الحق في محاكمة عادلة ليس السبب الرئيس الذي أدى إلى انعدام العدالة في أحكام المحاكم الاستثنائية، ولكن المشكلة تكمن أيضاً في المحاكم نفسها، فقد تم تقديم العديد من المتهمين إلى محاكم عسكرية تشكلت بطرق غير قانونية، وتنص المادة 204 من الدستور المصري على أنه لا يمكن محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية إلا إذا كانت الجريمة تمثل اعتداء مباشراً على الجيش".

 

تطور معيب

ولفتت الشبكة إلى عدم دستورية تعديل الفقرة الثانية من المادة 204، وقالت إنه "في تطور معيب يتنافى مع مدنية الدولة، ومطالبات ثورة الشعب في يناير 2011، بعدم جواز محاكمة مدنيين أمام محاكم عسكرية، وافق مجلس النواب المصري في إبريل 2019 على تعديل الفقرة الثانية من المادة 204 من دستور مصر الصادر فى 2014، لتسمح بمحاكمة المدنيين عسكرياً". وأقرت اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب (ACHPR) بأن المحاكم العسكرية في الظاهر لا تفي بحق المدنيين في محاكمة عادلة، ورأت أن للأفراد الحق في اختيار محاميهم، وأن منح المحكمة العسكرية حق النقض ضد محامٍ ينتهك الحق في محاكمة عادلة. 

وقالت الشبكة المصرية إن من أهم الحقوق التي فشلت المحاكم العسكرية في ضمانها حق الفرد في المساواة أمام القانون، نظراً لأن الرئيس لديه سلطة إحالة الأشخاص إلى المحاكم العسكرية، والحق في إعداد دفاع مناسب، والحق في الاستئناف، وغير ذلك الكثير، وأوصت باعتراف المجتمع الدولي بهذه الانتهاكات لحقوق الإنسان، ومحاسبة السلطات المصرية عليها (الانقلابية)، كما أوصت باستمرار ضغط المنظمات الدولية على السلطات المصرية لمراجعة أحكامها، وإعادة المحاكمات لضمان استيفاء جميع حقوق المحاكمة العادلة. وطالبت الشبكة الحقوقية بإشراف طرف ثالث محايد على هذه المحاكمات، نظراً لإمكانية تعرض السجناء للإعدام إذا لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة لوقف الانتهاكات بحقهم. 

ووفقا لتحليلات رصينة فإن أحكام الإعدام الجماعية التي تصدرها محاكم النظام الاستثنائية تمثل هروبا من جانب نظام السيسي من تبعات عقدة الدماء  منذ فض اعتصام رابعة، إلى المزيد من التنكيل بشهود الدماء الذين لجأوا إلى "الممرات الآمنة" ليجدوا في انتظارهم قضية وتحقيقات وإدانة وعقوبة بدلاً من الحرية التي وُعدوا بها إبان إخلائهم من الميدان أثناء الفض. فرغم الصورة القمعية الوحشية التي بدت عليها المذابح وبدا عليه الحكم الأخيرة إلا أنها لا تنفي الخوف الدفين من أي محاسبة مستقبلية أو إجراءات قضائية دولية تلاحق كبار القادة والجنرالات المتورطين في الدماء. كما تتجاهل محاكم النظام عدم تورط أيا من المحاكمين في أي قضايا دماء أو عنف، ولم يتم تحريز أي سلاح مع أي منهم، مع إفلات كل الضباط المتورطين في مقتل آلاف المصريين من أي محاسبة أو محاكمة حقيقة وجادة.