السياسة فوق العدالة.. قصة حصانة “الببلاوي” بعد رفض دعوى محمد سلطان

- ‎فيحريات

رفض قاض أمريكي، الجمعة 17 سبتمبر 2021م، الدعوى المقامة من الناشط المصري الأمريكي محمد سلطان، ضد حازم الببلاوي، أول رئيس وزراء لحكومة انقلاب 3 يوليو 2013م، والتي اتهمه فيها بـمحاولة قتله خارج نطاق القانون والتوجيه والإشراف على أعمال التعذيب ضده؛ حين شغل الببلاوي منصب رئيس وزراء مصر في المدة من 2013 إلى 2014، وجاء رفض الدعوى بسبب الحصانة الممنوحة للببلاوي، بسبب منصبه كدبلوماسي ومسؤول سابق في صندوق النقد الدولي، وذلك بحسب نص المذكرة التي أصدرها القاضي.
لكن القاضي الذي أبدى ضيقه من غُل يده بسبب الحصانة الدبلوماسية التي يتمتع بها الببلاوي، انتهز الفرصة للتأكيد في مذكرته أن "الدعوى لا يعكس موقفا من ادعاءات سلطان، أو دفاع المتهم ولا يعبر عن رأي المحكمة حول وقائع الشكوى، وإنما الرفض هو مسألة اختصاص، نتيجة حصانة المتهم التي تمنع المحكمة من نظر القضية، في تأكيد على أن الحكم لا يعني براءة الببلاوي من التهم المنسوبة إليه".
وفي يونيو 2020 رفع سلطان الدعوى أمام محكمة جزئية فيدرالية في واشنطن العاصمة، استنادا إلى قانون حماية ضحايا التعذيب الأمريكي والذي صدر تطبيقا لاتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، ويسمح لضحايا التعذيب من أي جنسية بإقامة دعاوى مدنية أمام القضاء الأمريكي ضد المتهمين بالتعذيب وإساءة المعاملة، أيا كانت جنسيتهم، بشرط وجودهم في الولايات المتحدة، غير أن إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن رفضت رفع الحصانة عن الببلاوي الذي كان مقيما في الولايات المتحدة حتى أكتوبر 2020م، ووقعت الاتهامات الواردة في الدعوى خلال الفترة التي كان سلطان مسجونا خلالها في مصر؛ من أغسطس 2013 وحتى مايو 2015، قبل إطلاق سراحه وإجباره على التنازل عن الجنسية المصرية، ليستقر منذ ذلك الحين في أمريكا.
وفي أبريل 2021م، انتقدت الأوساط الحقوقية الأمريكية والعالمية قرار إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بتوفير الحصانة للببلاوي، من المساءلة أمام محكمة أمريكية في انتهاكات لحقوق الإنسان خلال فترة توليه المنصب، إذ نَحّت إدارة بايدن خلالها،  حديثها جانبا عن "إعادة حقوق الإنسان إلى مركز السياسة الخارجية الأمريكية" للحفاظ على علاقتها مع نظام الانقلاب في مصر، على غرار ما كان ترامب يفعله، حسب ما ورد في تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي.
وبحسب الموقع الأمريكي فقد "بادرت الإدارة الأمريكية بخطوة استثنائية وطالبت بتوفير الحصانة لحازم الببلاوي، أحد المسؤولين المتهمين بانتهاك حقوق الإنسان، من دعوى قضائية فيدرالية تطالب بتعويضات ضده باعتباره رئيس الوزراء المصري السابق لدوره في التعذيب والاحتجاز التعسفي والانتهاكات المُروّعة ضد مواطن أمريكي".
ويرى تقرير الموقع الأمريكي أن "محاولة إدارة بايدن حماية الببلاوي في أعقاب موافقتها على مبيعات صواريخ تكتيكية متطورة لمصر بقيمة 197 مليون دولار، تقدم مؤشرا مبكرا على كيف أن الحديث عن إعطاء الأولوية لحقوق الإنسان في العلاقات الأمريكية مع مصر لن يتخطى كونه حديثا، وكيف ستعود العلاقات إلى العمل كالمعتاد مع حكومة السيسي العسكرية الاستبدادية، حسب التعبير الوارد في التقرير".
وكان سلطان، الذي يجيد اللغتين الإنجليزية والعربية، قد تطوع للعمل مترجما مع الصحفيين الغربيين خلال الاحتجاجات. وأصيب برصاصة في ذراعه أثناء حديثه إلى أحد المراسلين، وتمكن من الفرار من الساحة، لكن فريقا من القوات الخاصة احتجزه بعد أيام قليلة.
وأمضى سلطان بعد ذلك أكثر من 21 شهرا رهن الاحتجاز قال إنه "تعرض خلالها لإساءات جسدية ونفسية مروعة على يد قوات الأمن المصرية، وفي أبريل 2015، أي بعد أكثر من 19 شهرا من اعتقاله، حاكمته السلطات المصرية في محاكمة جماعية، وصدر بحقه حكم بالسجن المؤبد مع 35 متهما آخرين بتهم لا أساس لها، حسب الموقع".
وتحت ضغط هائل من إدارة أوباما، أطلقت حكومة الانقلاب سراح سلطان في مايو 2015، لكنها أجبرته على التخلي عن جنسيته المصرية في هذه العملية، وعاد سلطان إلى الولايات المتحدة وأسس منظمة في واشنطن العاصمة تناصر قضايا السجناء السياسيين الآخرين في مصر والمملكة العربية السعودية.

وفي أعقاب استقالة حكومة الببلاوي في فبراير 2014م، انتقل إلى واشنطن العاصمة لتولي منصب مريح، بصفته مديرا تنفيذيا لصندوق النقد الدولي، وبمساعدة إدارة ترامب، استند محامو الببلاوي في دفاعهم إلى رسالة من وزارة الخارجية الأمريكية تفيد بأن "الوزارة أُخطِرَت بأنَّ الببلاوي سيتولى مهامه بصفته الممثل المقيم الرئيسي لمصر لدى صندوق النقد الدولي اعتبارا من 2 نوفمبر 2014، ومع ذلك لم تقبل المحكمة تأكيدات إدارة ترامب، وأرادت الاطلاع بنفسها على إخطار صندوق النقد الدولي بالممثل المقيم الرئيسي الجديد، وحكمت بموجب أمر بتاريخ 19 ديسمبر 2020، أنها لا تحتاج لموافقة صندوق النقد الدولي في قضية المُدعَى عليه الببلاوي".
وورثت إدارة بايدن القضية من سابقتها، وعلى الرغم من خطابها بشأن التركيز على المخاوف المتعلقة بحقوق الإنسان في العلاقات الأمريكية مع مصر، فقد اختارت اتباع نفس النهج الذي اتبعته إدارة ترامب. وفي خطاب نوايا للمحكمة، بتاريخ 1 أبريل 2021، تجاهلت إدارة بايدن طلب المحكمة المحدد للحكومة بتقديم وثائق من صندوق النقد الدولي أو التشاور مع صندوق النقد الدولي والحصول على مثل هذه الوثائق،
ونظرا لحرص إدارة بايدن الواضح على إنهاء هذه القضية، يبدو من المرجح أن وثائق صندوق النقد الدولي المطلوبة ببساطة غير موجودة، وبدلا من الاعتراف بهذا، استمرت الإدارة في مواقفها مؤكدة أن صندوق النقد الدولي أخطر وزارة الخارجية الأمريكية بأن الببلاوي تولى منصب الممثل المقيم الرئيسي لمصر لدى صندوق النقد الدولي، اعتبارا من 2 نوفمبر 2014، وفي أكتوبر2020، استقال الببلاوي من وظيفته وغادر الولايات المتحدة، دون الكشف عن سبب مغادرته، لكن قد يكون لذلك علاقة بأنه مُدعَى عليه في قضية فيدرالية.
وبغض النظر عما تقرره المحكمة بشأن قضية الحصانة لحازم الببلاوي، فقد أرسلت إدارة بايدن، في إطار جهودها لحماية الببلاوي، رسالة مقلقة مفادها بأنها لا تنوي تحدي حكومة السيسي العسكرية بشأن سجلها في مجال حقوق الإنسان، ورفع سلطان الدعوى القضائية بموجب قانون منع التعذيب الصادر عام 1991 والذي مكّن ضحايا التعذيب من الحصول على قدر من العدالة ضد مضطهديهم، بغض النظر عن رتبتهم أو لقبهم.
ويرى تقرير الموقع الأمريكي أنه "في محاولة لتقويض دعوى سلطان، قد تخرب إدارة بايدن، إذا نجحت في مساعيها، الفرصة الوحيدة أمام الآلاف من ضحايا الببلاوي لتحقيق قدر من المساءلة القضائية وإنشاء سجل تاريخي للمذبحة في ميدان رابعة، وبالتقدم للدفاع عن الببلاوي، تُطمئِن إدارة بايدن أيضا الأعضاء الآخرين في نظام السيسي العسكري، الذين يواصلون ارتكاب انتهاكات حقوقية جسيمة ضد شعبهم، بأنهم لن يُحاسَبوا، وليس على يد هذه الإدارة التي ستحافظ على تدفقات الأسلحة وتهب للدفاع عنهم متى ساء الموقف، حسب الموقع".