دلالات انتقاد “العفو الدولية” حبس “صفوان” وسيف الدين ثابت

- ‎فيحريات

دانت منظمة العفو الدولية، ما وصفته بـ«إساءة السلطات المصرية استخدام قوانين مكافحة الإرهاب» باحتجاز رجل اﻷعمال صفوان ثابت، ونجله سيف الدين بشكل تعسفي «انتقامًا منهما لرفضهما تسليم أصول شركتهما» لصالح كيان مملوك للدولة، بحسب بيان المنظمة. وقالت المنظمة إن ثابت، 75 عامًا، ونجله، 40 عامًا، محبوسين انفراديًا منذ 10 وثمانية أشهر على الترتيب، مع منعهما من تلقي الزيارات أو الرعاية الطبية، في ظروف ترقى إلى التعذيب.

وبعد تأكيد أنها تحدثت مع ثلاثة أشخاص على علم بمجريات القضية، واطلعت على وثائق وتصريحات تخص احتجاز والقبض على الرجلين، قالت المنظمة إن السلطات المصرية لجأت إلى تهم ملفقة تتعلق بالإرهاب انتقامًا من اﻷب والابن لرفضهما طلب مسؤولين أمنيين بالتخلي عن أصول شركتهما جهينة للصناعات الغذائية.

وطالبت المنظمة سلطات الانقلاب بنقل الرجلين «اللذين ما كان ينبغي القبض عليهما أصلًا» من الحبس الانفرادي، وتحسين ظروف حبسهما، والسماح لهما بتلقي رعاية طبية ملائمة، وزيارات منتظمة من اﻷسرة والمحامين، وذلك لحين الإفراج عنهما، كما طالبت النائب العام بفتح تحقيق في اختفاء الرجلين، وتعرضهما لسوء المعاملة.

وكانت أجهزة السيسي الأمنية اعتقلت صفوان ثابت، رئيس مجلس إدارة شركة جهينة، في ديسمبر 2020م، وحُبس من حينها على ذمة التحقيقات في القضية رقم 865 لسنة 2020، متهمًا بـ«تمويل الإرهاب، ومشاركة جماعة، أُسست على خلاف القانون، أغراضها» ثم قبض على نجله سيف الدين، الرئيس التنفيذي للشركة، بعدها بشهرين ليواجه التهم نفسها.

كما اعتقل النظام سيد السويركي، صاحب فروع محلات "التوحيد والنور" الشهيرة لتجارة الملابس والتي جرى السطو عليها فعليا لحساب المؤسسة العسكرية، ومحمد رجب، صاحب فروع أولاد رجب الشهيرة لتجارة البقالة. وهي الحملة التي تمثل رسالة تهديد مباشر لكل رجال الأعمال. وكانت قائمة لجنة التحفظ على "أموال الجماعات الإرهابية والإرهابيين" الأخيرة في أواخر 2020م،  تضمنت  منع رجل الأعمال محمد منصور عبد الرحمن أبو عوف، وشقيقه مصطفى، من التصرف بأموالهما وأملاكهما، والتحفظ على شركتهما "ماي واي إيجيبت" (My way Egypt‎) لمستحضرات التجميل، إحدى أكبر الشركات العاملة في السوق المصرية في هذا المجال. وفي غرة سبتمبر 2020م، كانت أجهزة السيسي قد احتجزت رجل الأعمال صلاح دياب، رئيس مجلس إدارة شركة بيكو ومالك صحيفة المصري اليوم، للمرة الثانية في عهد نظام الانقلاب، وجرى تسوية الأمر بعد إجباره على دفع نحو مليار جنيه للنظام، وبيع أسهم غالبة من صحيفة المصري اليوم لجهاز أمني كبير يحتكر الإعلام المصري. وقبل عدة شهور شنت أجنحة داخل النظام حملة ضد شركات "توشيبا العربي" المملوكة لرجل الأعمال الشهير محمود العربي.

 

الاستيلاء العدائي

وقال فيليب لوثر، مدير البحوث وأنشطة كسب التأييد للشرق الأوسط وشمال إفريقيا في منظمة العفو الدولية "صفوان وسيف ثابت يتعرضان للعقاب لمجرد الجرأة على تحدي مطالب رجال الأمن المصريين بتسليم أصول أسرتهما إلى شركة جهينة، وهي اسم العائلة في مصر، لقد أظهروا شجاعة نادرة في مقاومة محاولة المسؤولين ابتزازهم، ونحث السلطات المصرية على إطلاق سراح الرجلين، اللذين ما كان ينبغي أبدا أن يُعتقلا في المقام الأول".

وأضاف "بالإضافة إلى حرمانهما من الحق في الطعن في قانونية احتجازهما، فإن صفوان وسيف ثابت يتعرضان للتعذيب من خلال احتجازهما لفترات مطولة ولأجل غير مسمى في الحبس الانفرادي، إن للسلطات المصرية تاريخا طويلا في استخدام الاتهامات الزائفة الموجهة إليها في مجال مكافحة الإرهاب، وفي توجيه الاتهامات إليها من أجل قمع المعارضة السياسية؛ والآن يستخدمون نفس التكتيك لاستهداف رجال الأعمال الذين يرفضون الانصياع لأوامر الاستيلاء التعسفية".

وأكدت منظمة العفو الدولية أن "المعاملة التي تمارسها سلطات السجن تصل إلى حد التعذيب وغيره من ضروب سوء المعاملة، وتنتهك التزامات مصر بموجب القانون الدولي، فبالإضافة إلى الحبس الانفرادي المطول إلى أجل غير مسمى لعدة أشهر، يُحتجزون في ظروف غير إنسانية، ويحصلون على طعام غير كاف، ويحرمون من الحصول على الأدوية والعلاج، فضلا عن الزيارات العائلية المنتظمة".

واختتم فيليب لوثر بالقول إن "الهجوم على قرية جهينة يبين إلى أي مدى ترغب سلطات الانقلاب في السيطرة عليه، ويكشف كيف يتم استغلال الاتهامات المتعلقة بالإرهاب بلا رحمة في مصر اليوم، مع تجاهل تام لأثر هذه التدابير على حياة وسبل عيش الأشخاص المتضررين".

Egypt: Businessmen behind bars for resisting security agency demands

 

السطو على أموال رجال الأعمال

كان قطاع من الخبراء والمحللين يظنون أن حملة السيسي على رجال الأعمال المغضوب عليهم تستهدف إخلاء الساحة لبيزنس المؤسسة العسكرية في هذه القطاعات؛ فقبل اعتقال صفوان ثابت، رئيس شركة "جهينة" بيوم واحد، نشر المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية خبرًا عن اجتماع السيسي بقيادات حكومية، وعسكرية، لبحث سلسلة مشروعات رسمية كفائية في قطاعي الألبان واللحوم. وقبل سنة، أبدى وزير قطاع الأعمال العام، استياءه من بُنية قطاع الألبان المصريّ، المقسَّم بين ملايين ملّاك الأبقار الصغار وبين المصنَّعين الكبار، منوهًا عن نيّة الدولة، السّيطرة على هذه السّلاسل، ومركزتها، عبر مشروع عملاق، بالشراكة مع الصّندوق السياديّ المصريّة "ثراء"، الّذي يتعاون مع جهاتٍ خليجيّة، سعوديّة وإماراتيّة، في المشروع المنتظر إنشاؤه في توشكى. وبالتالي فإن ضرب شركة "جهينة" يصب بشكل مباشر في تعزيز بيزنس الجيش لأن الشركة التي تأسست قبل 35 سنة، و وتمتلك 70٪ من سوق الألبان في مصر ويقدر رأس مالها السوقي بنحو نصف مليار دولار أمريكي، تمثل المنافس الأبرز لمشروع النظام المرتقب وبيزنس الجيش في هذا المجال.

لكن المعلومات التي تكشفت أثبتت أن النظام يريد السطو على هذه الشركات الكبرى وليس مجرد إخلاء الساحة لبيزنس الجيش وأن استمرار اعتقال ثابت ونجله حتى اليوم إنما بسبب رفضه التنازل للجيش عن شركته العملاقة التي بناها بكده وعرقه رغم أنه منتظم في دفع مستحقات الدولة من رسوم وضرائب. وبالتالي فإن اتهام ثابت ونجله والسويركي في قضايا إرهاب إنما يستهدف المزيد من الابتزاز لإجبارهم على التخلي عن شركاتهم.

وسطو السيسي على أموال رجال الأعمال ليس جديدا، فقد سطا بالفعل على أموال وأصول وشركات رجال الأعمال من قيادات وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين؛ وذلك من خلال ما تعرف بـ بـ"لجنة التحفظ على أموال العناصر الإرهابية"، الّتي تشكّلت رسميًا عام 2015، على خلفيّة الحكم القضائي الصادر عن محكمة الأمور المستعجلة، في النصف الثاني من عام 2013، بحظر أنشطة جماعة الإخوان المسلمين، واعتبارها جماعة إرهابيّة، والتحفظ على أموال قياداتها وعناصرها.

 

لجنة نهب الأموال

ومنذ تشكيل هذه اللجنة من قضاة موالين للنظام تشدد سلطات الانقلاب على وصفها باللجنة القضائية المستقلة في محاولة لصبغها بصبغة نزاهة زائفة، وهي اللجنة التي قوبلت بمعارضة واضحة من بعض الهيئات القضائية الأخرى، الّتي كانت تنظر إلى قرارات اللّجنة باعتبارها قرارات سياسيّة، وإداريّة، يجوز الطّعن عليها، مما أدّى إلى نشوب ما يشبه المعركة الصّامتة بين هذه اللّجنة والنّيابة العامة ومحكمة الأمور المستعجلة من جهة، والمحكمة الإدارية العليا ومحكمة النقض من جهة أخرى. وفي 2015، أصدرت اللجنة قرارًا بالتّحفّظ على أموال وممتلكات 1345 شخصيّة مقرّبة من جماعة الإخوان المسلمين، وأكثر من 100 مدرسة، ونحو 60 شركة، و500 مقرًا، تصل قيمتهم السّوقيّة نحو 50 مليار جنيه وفق أقلّ التقديرات، كان من بين هذه الشخصيّات أحمد صفوان ثابت، رئيس مجلس إدارة شركة "جهينة"، ومحمد أبوتريكة لاعب كرة القدم السابق في النادي الأهلي، وفي يناير 2017، أيَّدت جنايات القاهرة هذه القرار، ولكنّ المفاجأة كانت إلغاء محكمة النقض هذه الأحكام لاحقا. وبحلول عام 2018، تفتَّق ذهن النظام المصري، الّذي ألمح رأسه، عبد الفتاح السيسي، في أكثر من مناسبة إلى عدم رضائه عن المسارات التقليديّة لمحاكمة خصومه السياسيين في القضاء المصري، إلى ضرورة تحصين أعمال هذه اللّجنة، لتكون أعمالها بالتنسيق مع النيابة العامة، ويقصر على محكمة الأمور المستعجلة، المعروف ولاؤها للنظام، وحدها، النظر في قرارات التحفظ على الأموال الصادرة عن اللجنة، بقانون رقم 22 لسنة 2018، على أن تذهب الأموال المصادرة إلى الخزينة العامة للدولة.