آخرها “الأسماك” و”الميريلاند”.. لماذا يتوسع بيزنس الجيش للسطو على حدائق مصر العامة؟

- ‎فيتقارير

خرجت تصريحات مسؤولين بوزارتي الآثار والزراعة بحكومة الانقلاب خلال الأيام الأخيرة لتؤكد أن الهدف من شطب مساحة واسعة من حديثة الأسماك كموقع أثري إنما يقف وراءه مستثمر "غامض" يستهدف تطوير هذه المساحات من خلال بناء مطاعم وكافيهات وكافيتريات وجراح للسيارات.

وفي مداخلته مع عمرو أديب في برنامج «الحكاية»، قال اﻷمين العام للمجلس اﻷعلى للآثار، مصطفى وزيري، إن ما فكر فيه المستثمر كان من الضروري عرضه على اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية والمسيحية، لأن الحديقة مُسجلة، موضحًا أن اللجنة انتهت إلى استقطاع جزء وصفه بالصغير لا يتجاوز نصف فدان، يُشطب من تعداد الآثار. ولم يُفصح وزيري عن هوية المستثمر الذي يريد تطوير الحديقة، المملوكة لوزارة الزراعة، والمُسجلة لدى الآثار منذ عام 2010.

وفي محاولة للتقليل من الجريمة وتهدئة الرأي العام، يزعم وزيري أنَّ مساحة نصف الفدان التي ستُشطب لعمل جراج للسيارات، ستكون أرض مسطحة لا يوجد بها أي أشجار تراثية أو غير تراثية، كما لن يتم تدشين أي بنايات فوقها. فيما لم يصرح على وجه التحديد أين يقع نصف الفدان الخالي تمامًا من الأشجار داخل الحديقة، التي تصل مساحتها إلى تسعة ونصف فدان، تتوسطها الجبلاية والثلاثة أكشاك، بينما تنتشر الأشجار على بقية مساحتها.

ويستنكر محمد حمزة، العميد الأسبق لكلية الآثار بجامعة القاهرة، والعضو السابق في مجلس إدارة الأعلى للآثار، هذه التصريحات مطالبا بضرورة أن تحدد «الآثار» المساحة «الصغيرة» التي تريد شطبها، وهل هي من كل الجهات المحيطة بالجبلاية أم من جهة واحدة، لافتًا إلى أنه حتى وإن كانت تلك المساحة «لا يوجد بها أية مباني مسجلة في عداد الآثار» فإن القانون يكفل حماية حرم الأثر -المحيط المتاخم للأثر- وخطوط التجميل، بنفس قدر حماية الأثر نفسه، وهو ما تتجاهله الوزارة، بحسب حمزة، الذي ذكر أن أرضية الحديقة مصممة بفسيفساء زلطية، تعد من الأندر عالميًا.

وكانت وزارة الآثار أصدرت بيانًا، تعلن فيه أن اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية والقبطية واليهودية، التابعة للمجلس الأعلى للآثار، ناقشت «شطب مساحة صغيرة فقط من حديقة الأسماك لا يوجد بها أية مباني مسجلة في عداد الآثار»، ولم يأت البيان على ذكر المستثمر المُطور أو أسباب هذا الشطب.

 

الجيش في الخلفية

وفي محاولة لإخفاء حقيقة سيطرة الجيش  وإصراره على السيطرة على كل حدائق مصر العامة كبيزنس، تدعي وزارة الزراعة المالكة للحديقة، توليها عملية تطوير «الأسماك» مع الحفاظ على طابعها الأثري وكافة الأشجار والنباتات النادرة فيها، بحسب تصريحات الوزير، السيد القصير، خلال زيارته المفاجئة لها الإثنين 4 أكتوبر 2021م، التي أعلن على هامشها أن «الزراعة» ستُنشئ قاعدة بيانات لأهم المواقع الأثرية بـ«الأسماك»

وفي محاولة للتغطية على الجريمة أشار مدير عام «حديقة الأسماك» محمد عبدالحميد إلى أن المحور الأساس لعروض المستثمرين، التي خلت من فكرة الجراج، كان تطوير وتحديث البنية التحتية للحديقة، التي وصفها بأنها تحتاج مثل هذا التطوير بشدة بعد مرور 150 عامًا على إنشائها، موضحًا أن الطرقات والمماشي الداخلية والحمامات ومقاعد الجلوس العامة تحتاج إلى تجديد، كما تحتاجه شبكات ري النباتات وشبكات الصرف لتصبح أكثر ترشيدًا في استهلاك الماء، مضيفًا أن هذا هو ما ستقوم «الزراعة» بالبدء فيه، مستعينة بأجهزتها المتمثلة في: هيئة الخدمات البيطرية، وهيئة الثروة السمكية، ومركز البحوث الزراعية، والإدارة المركزية للتشجير.

وكان اﻷمين العام للمجلس اﻷعلى للآثار، مصطفى وزيري قد صرح أن أيدي الإهمال التي طالت «الأسماك» أدت إلى تدهور أوضاعها إلى حد أن الحديقة «ما فيهاش ولا سمكة» في إشارة إلى خطة التطوير التي ستعيد اﻷسماك إلى الحديقة، فضًلا عن الجراج الذي سيدشن على مساحة تخلو تمامًا من أي شجرة تراثية أو غيرها، حسبما قال، دون توضيح موقع هذه المساحة، ما رد عليه عبد الحميد بتأكيده عدم وجود مساحة نصف فدان داخل الحديقة تخلو من الأشجار أو النخيل.

وفي حين تمحور مخطط التطوير الذي تحدث عنه وزيري حول رغبة مستثمر، لم يسمه، في تقديم خدمات مطاعم وكافيهات داخل الحديقة، أشار عبد الحميد إلى وجود كافيتريا داخلها بالفعل، والتي تطرحها الحكومة للإيجار ويحصل عليها صاحب العرض المالي اﻷفضل، بعقد إيجار مدته ثلاث سنوات.

 

وماذا عن الميريلاند؟

وبخلاف حديقة الأسماك، فقد اقتطع الجيش فعليا 12 ألف متر مربع من حديقة الميريلاند بدعوى التطوير الذي يتضمن إنشاء «نصب تذكاري ضخم تبلغ مساحة قاعدته 500 متر مربع»، حسبما قال شكري أسمر، منسق مبادرة تراث مصر الجديدة. "أسمر" أضاف أن «الزيارة الأخيرة التي قام بها أعضاء  المبادرة تضمنت لقاءً بقيادات عسكرية قائمة على الإشراف على العمل في المشروع، تعهدوا فيه بعدم نزع أي أشجار»، موضحًا: «الضباط أخبرونا بالتراجع عن أي اقتطاع من منطقة الباتيناج التاريخية أيضًا بسبب الضغوط الشعبية».

في الوقت نفسه أشار "أسمر" إلى تمكن أعضاء في المبادرة من التواصل مع مسؤولين في «جهات» في الدولة لم يسمها، قائلًا إنهم أخبروا الأعضاء بالتراجع عن مشروع سابق بإزالة المنطقة الشجرية في منتصف شارع نهرو، والذي كان يستهدف توسيع الشارع، «لكن مشروع توسيع الشارع نفسه لا يزال قائمًا غالبًا عبر نزع جزء من الأرصفة المحيطة بالشارع لكن التفاصيل غير متوفرة حتى الآن»، حسب أسمر.

واعتبر أن الاتفاق الحالي بالتعهد بعدم قطع أي أشجار يمثل وضعًا مقبولًا بشكل ما، أو بمعنى أصح «حلًا وسطًا»، أما في ما يتعلق بأزمة النصب التذكاري، «فما حدث حتى الأن لم يتعد تجريف الحشائش لا اقتطاع أشجار».

وتسود حالة من الغضب في أوساط أهالي مصر الجديدة بعد تدمير 90% من المساحات الخضراء  لإقامة كباري وجسور وطرق سريعة أدت إلى زيادة الحوادث والقتلى والمصابين لأنها تمر داخل الكتلة السكنية.