في ذكرى انتصار أكتوبر.. كيف حول السيسي مصر إلى ساحة احتراب أهلي؟

- ‎فيتقارير

مع البروباجندا الصاخبة احتفالا بالذكرى الـ48 لانتصار أكتوبر 1973م، يتبنى قطاع من الخبراء والمتخصصين والمحللين السياسيين  وقوف نظام السيسي وراء صناعة ظاهرة الإرهاب وتضخميها والمبالغة فيها لاعتبارات تتعلق بالتوظيف السياسي لهذه الظاهرة في خدمة النظام لتحقيق أهدافه ومآربه.

فالنظام أولا تأسس على انقلاب عسكري اتسم بأعلى درجات الوحشية والتطرف وأجهض المسار الديمقراطي  الذي جاء ثمرة  من ثمار ثورة 25 يناير السلمية فتم اعتقال الرئيس ورموز الحكومة الشرعية المنتخبة والزج بهم في السجون بتهم سياسية ملفقة. كما ارتكب نظام 30 يونيو عشرات المذابح بحق الملايين الذين خرجوا معبرين بسلمية عن رفضهم لهذا الانقلاب فتم قتل الآلاف في رابعة والنهضة ومصطفى محمود ورمسيس والمنصة والحرس الجمهوري وغيرها. كما تم اعتقال عشرات الآلاف من أنصار الرئيس المنتخب ومورس بحقهم عمليات تعذيب وحشي يندى لها جبين الإنسانية. وتلى ذلك محاكمات مسيسة وصدرت عشرات الأحكام بالإعدام الجماعي وتم اغتيال مئات الشباب خارج إطار القانون وكلها أعمال إرهابية مارستها أجهزة الدولة التي تآمرت وانقلبت على النظام الشرعي المنتخب. الانقلاب بهذه الصورة الوحشية وضع جماعة الإخوان المسلمين في مأزق كبير حيث كان يقوم خطابها في شقه السياسي على التنافس والمشاركة في العملية السياسية والفوز بثقة الشعب وقد حققت ذلك كله وفازت بالرئاسة والبرلمان؛ فماذا حدث بعد ذلك؟ انقلب الجيش على كل ذلك وأطاح بإرادة الشعب الحرة، فأول برلمان منتخب بنزاهة منذ انقلاب 23 يوليو 1952م، تم حله بجرة قلم بعد 5 شهور فقط من انتخابه، والرئيس المدني المنتخب تم الانقلاب عليه بعد سنة واحدة فقط، والدستور الذي أقره الشعب بنسبة 64% في ديسمبر 2012م، لم يستغرق العمل به سوى 6شهور حتى أوقف العسكر العمل به! هذه الإجراءات الاستبدادية المنحرفة شكلت مخرجا لخطاب الجماعات المسلحة التي لا تؤمن أساسا بالعمل السياسي والانتخابات والديمقراطية وراحت تسخر من الإخوان وما آل إليه مسارهم؛ وبذلك بث انقلاب السيسي والعسكر في 30 يونيو 2013م الروح من جديد في خطاب القاعدة وداعش بعد أن كاد هذا الخطاب يتلاشى بعد ثورة 25 يناير2011م.

ثانيا، تؤكد مراكز البحث والتحقيقات الرزينة أن عمليات التعذيب الوحشي التي تمارس في السجون والمعتقلات ومقار الأمن الوطني وأماكن الاحتجاز في المراكز والأقسام المنتشرة في جميع المحافظات منذ انقلاب 30 يونيو حتى اليوم تسهم بلا شك في تعزيز التطرف والإرهاب وتبث روح الثأر والكراهية المتبادلة. وهو ما يتوافق تماما مع الترجمة العربية التي قام بها مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان يوم 8 مايو 2019 لتقرير "كالنار في الهشيم: نمو التطرف العنيف داخل السجون المصرية"، الصادر عن منظمة هيومن رايتس فيرست، والمنشور في فبراير2019م. يستند التقرير إلى شهادات مروعة جمعها باحثون هيومن رايتس فيرست من سجناء سابقين في مصر، تعكس كيف أن السجون المصرية قد تحولت- في السنوات الأخيرة في ظل حكم السيسي – لبؤر تجييش لجماعات التطرف العنيف. وتتوافق استنتاجات تقرير منظمة هيومن رايتس فيرست مع استنتاجات مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان في كتابه الصادر عام 2017 "النُظم التسلطية العربية حاضنة الإرهاب"،* والذي درس العلاقة بين السياسات الاستبدادية والأسباب الجذرية للإرهاب في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. بل يتفق كذلك مع التحقيق الاستقصائي الذي نشرته صحيفة "الشروق" في إبريل 2016م تحت عنوان «ملف.. هنا طرة.. مركز حكومي لتجنيد الدواعش" والذي انتهى إلى أن إدارة السجن تتسامح مع انتشار أفكار تنظيم "داعش"وتسمح لهم بالاختلاط بالشباب صغار السن عمدا وهو ما يثير شكوكا حول دور النظام نفسه في ترويج أفكار داعش وبقاء استمرارها لتوظيفها سياسيا لخدمة أهداف النظام.

ثالثا، يعزز هذه النتيجة ودور النظام في ضمان بقاء التطرف والإرهاب الاتهامات التي وجهها الناشط السيناوي مسعد أبو فجر للسيسي ونجله محمود وكيل جهاز المخابرات العامة، حيث يؤكد أن أحد الضباط هو من ينفذ عمليات قتل الجنود في سيناء بتكليف من السيسي ونجله. وأن الدور القذر الذي يمارسه السيسي في سيناء يمتد إلى مراحل سابقة عندما كان مديرا لجهاز المخابرات الحربية. وأن ضابط المخابرات الذي رمز له بـ"س"  كان يقوم بتأجير الأطفال في سيناء مقابل 200 جنيه مصري (ما يقارب 12 دولاراً أمريكياً) من أجل إطلاق النار على الجنود في سيناء،  وتصوير ذلك على أنها هجمات من تنظيم داعش. وكشف أبوفجر عن أن أجهزة المخابرات أبلغت بعض النشطاء في سيناء بأن السلطات قادرة على فضّ اعتصام رابعة العدوية بخراطيم المياه بعيداً عن القتل، ولكن الأجهزة قالت إن «السيسي يبحث عن شرعية الدم».

رابعا، تؤكد ثلاث دراسات حديثة عن الأوضاع الأمنية في مصر. أن النظام رغم إمكاناته الضخمة فشل في القضاء على الإرهاب، يأتي في مقدمتها تقرير أصدرته منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقية، في مايو2019م عن الأوضاع الأمنية في سيناء، تحت عنوان "انتهاكات قوات الأمن المصرية ومسلحي داعش في شمال سيناء". وتقرير أصدره مشروع بنية الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإقليمية، الممول من الاتحاد الأوروبي لدراسة مستقبل المنطقة، والذي نشر في أكتوبر2018م. تحت عنوان "ديناميكيات انتشار الجماعات المسلحة في مصر وليبيا". وتقرير صدر في يوليو 2018 "خمس سنوات من حرب مصر على الإرهاب"، عن معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط، ومقره واشنطن، والذي يصدر تقارير دورية عن الأوضاع الأمنية في مصر. وتعزو هذه الدراسات أسباب الفشل إلى اعتماد سياسة القوة الغاشمة فقط في التعامل مع الملف وهو ما يؤدي  إلى ظهور جماعات مسلحة جديدة ترجمة لثأرها مع النظام في دوامة لا تتوقف أبدا. إضافة إلى غياب المعالجة السياسية وفتح أجواء الحرية والاندماج والاحتواء. وتقول إحصاءات معهد التحرير الذي يرصد التطورات الأمنية في مصر بشكل منتظم، أن قوات الأمن المصرية أعلنت رسميا شن 1800 عملية أمنية منذ 2014. ووفقا لوسائل الإعلام،  وفشل النظام المصري في التعامل مع الإرهاب نابعٌ من استراتيجية النظام نفسها" يبلغ العدد الإجمالي لتلك العمليات حوالي 3500 عملية، 40% منها في شمال سيناء. هذا في مقابل وقوع حوالي 2500 هجوم إرهابي في السنوات الخمس التالية للانقلاب. وقد أدت تلك العمليات إلى مقتل سبعة آلاف شخص 95% منهم في شمال سيناء، مع العلم أن قوات الأمن المصرية تواجه جماعة قد لا يتعدّى عدد أفرادها الألف. ومع ذلك، قتل سبعة أضعاف إجمالي المسلحين. كما قتل سبعمائة فرد من أفراد قوات الأمن المصرية في السنوات الثلاث التالية للانقلاب العسكري، وهو ضعف قتلى قوات الأمن المصرية خلال عقد الثمانينات، والذي شهد صراعا مسلحا بين النظام المصري وجماعات مسلحة. وقد وصل عدد قتلى قوات الأمن المصرية في شمال سيناء من يناير 2014 وحتى يونيو 2018 إلى 1226 فردا. ولا يعرف بالضبط عدد الضحايا المدنيين الذين سقطوا بسبب تلك المواجهات. وتقدر تقارير إعلامية عددهم بأكثر من ستمائة شخص في شمال سيناء وحدها من يوليو 2013 وحتى منتصف 2018. هذا بالإضافة إلى القبض على عشرات آلاف من المعارضين السياسيين والمشتبه فيهم ووضعهم في المعتقلات والسجون، وإزالة حوالي 6850 مبنى في رفح وترحيل عشرات آلاف من المواطنين.